منصة قيم
February 17, 2025 at 06:42 PM
وقفة حول تعز:-
تعز عاصمة اليمن الثقافية، تميزت بالتنوع الثقافي والمعرفي والسياسي والحزبي بالإضافة إلى التنوع القبلي، والمدني، وهي من كبرى المحافظات اليمنية إن لم تكن أكبرها من حيث الكثافة السكانية، نالت من العقاب والحصار المليشاوي الحوثي الحظ الأوفر أكثر من غيرها ولاتزال.
هذه مقدمة ملحة وضرورية لأي نشاط يراد قيامه في هذه المحافظة العريقة.
ومنذ فترة برز إلى السطح فيها عراك فكري وثقافي حول جملة من أنشطة المنظمات المختلفة، وخاصة بعد انقلاب مليشيا الحوثي على مؤسسات الدولة، وهنا أريد أن أسجل بعض النقاط عسى أن يكون فيها مؤشرات مفيدة للدعاة والعلماء والمثقفين والسياسيين.
أولاً:- إن أيَّة معارك وصراعات لا تستصحب حالة الحرب التي فرضتها مليشيا الحوثي الإرهابية ولا تجعل من الأوضاع الكارثية وما تسببت به في نكبة اليمن عموماً، وتعز خصوصاً أولوياً يعد في حقيقته تهرباً عن المسئولية الدينية والأخلاقية والوطنية واشتغالاً بالمهم عن الأهم وبالعرض عن المرض وبالتفريعات عن الكليات.
ثانياً:- لقد تسبب الانقلاب الحوثي في اليمن بكارثة إنسانية لم يشهد لها التاريخ اليمني مثيلاً، فأورث فقراً ومجاعة وسوءاً في تردي الخدمات، وفاقم من هذه المعاناة سوء الإدارة والفساد المستشري في بعض مؤسسات الشرعية وهذا الأمر لا ينكر، ومن بين هذه الثنائية البئيسة تولدت نشاطات متعددة ونشطت منظمات مختلفة بعضها ذات طابع إنساني وبعضها ذات طابع سياسي وبعضها مركب وبعضها ذات أنشطة مشبوهة في الترويج لأجندات تستغل حالة الفقر والبطالة وتعمل على الاستقطاب وخلخلة القيم المجتمعية.
وأمام هذه النشاطات المتعددة وقف بعض الدعاة والخطباء، والمثقفون والنخب يقدمون جملة من المواعظ والمحاضرات والمقالات محذرين من الانزلاق القيمي والأخلاقي من منطلقات شرعية ومسئولية دعوية وفق قراءات متنوعة، لمجمل النشاطات التي أفرزتها الأحداث الجديدة.
ثالثاً:- وفي ضوء ما سبق - فإن الخطاب التوعوي المبني على أسس وقواعد شرعية، يراعي مآلات الأمور، بعيداً عن الخصومات والمناكفات التي لا طائل من ورائها، ولا سيما إن كانت في دوائر الاختلافات وضمن أطر الاجتهادات - يعد ضرورة لا جدال فيها، وحق أصيل لمن عمل لدينه ووطنه، وفقاً لمعايير الخطاب الدعوي الرشيد والدقيق، فالاحتساب على ما تنكره الشريعة والقيم والأعراف اليمنية الحميدة أمر لا بد منه ويشكر من يقوم به على وجه البصيرة والحكمة، والسالك في ذلك محمود سيرته، وناصح لمجتمعه، ويتعين نصرته، وعدم خذلانه، وما يعاب في ذلك أن بعض أهل الاحتساب قد يكون غيوراً قليل المعرفة بمقاصد الأمور مندفعاً بحماسة تفتقد الى الحكمة، مخلًّا بالأولويات، ويتجاهل الواقع الكارثي ويعمم في التشنيع ويتسرع في الإنكار والأحكام غير متثبت وحينئذ تغيب المعاني والقيم التي يجب أن تكون حاضرة مثل: الحكمة، والرفق، والرحمة، والظنون الحسنة وحمل الناس على السلامة والتغافل، وحسن الخطاب والبعد عن مساوئ الألفاظ وهكذا.
رابعاً:- بناء على المأساة التي تسببت بها المليشيات الحوثية بحصارها الظالم في تعز على وجه الخصوص يتطلب الأمر قدراً كبيراً من الاصطفاف الوطني من الرافضين للمشروع السلالي العنصري بمختلف توجهاتهم، سواء كانوا في السلطة المحلية أو المؤسسات الأمنية أو غيرها أو كانوا عاملين في مساحات النشاط العام المتعدد، سياسياً وثقافياً ودعوياً واجتماعياً، وتلك بديهة لا تحتاج الى التذكير، فوجود عدو متربص على البوابة الشمالية والشرقية والغربية كافٍ بحد ذاته وشر نذير، وخير محفز للعدول أو التخفيف من الصراعات البينية التي يقوم بتغذيتها هذا العدو بمكائده المعهودة وبسذاجة كثير من الناس أو بانخراطهم في مشروعه من حيث شعروا أو لا يشعرون.
خامساً:- إن كثيراً من المخاطر التي تستهدف القيم والعادات الحميدة مستغلة ظروف الناس المعيشية وتردي الأوضاع الإنسانية، أمر في غاية الخطورة ويتطلب المسئولية الجماعية، وعلى السلطة المحلية أن تكون الحارس الأمين وفقاً لصلاحياتها الدستورية والقانونية في حماية الثوابت الدينية والوطنية، ولديها من الإمكانات والقدرات ما يجعلها تميز بين ما هو نشاط إنساني بنَّاء ومثمر ويسهم في رفع المعاناة، وبين ما هو من العبث والتوظيف للأجندات المشبوهة فيشجع النشاط الإنساني المفيد وتفرض الرقابة على ما يتناقض أو يتعارض مع الدستور والقانون وقيم وعادات المجتمع اليمني لحماية للناس ورعاية لمصالحهم، وفي ذلك ما يدعو إلى التواصل بين قنوات السلطات المحلية والأمنية، وبقية القوى المجتمعية المختلفة والمضي في تنسيق الجهود والعمل على تحقيق الأهداف والغايات التي ينشدها الجميع، وتفعيل مؤسسات الدولة وأطرها القانونية، والتجافي عن الأعمال المنافية لمفهوم الدولة من العصبيات والشللية والتحزبات المذمومة، وضرورة إشراك جميع الفئات الوطنية المخلصة الرافضة للمشروع الإنقلابي الحوثي المتمرد في تجسيد نموذج للبناء والتعايش والتنمية في محافظة تعز ومواجهة المخاطر والتحديات.
والله الهادي إلى سواء السبيل
الشيخ الدكتور/ محمد بن موسى العامري
#منصة_قيم
❤️
👍
🫀
9