القصص للعبرة
القصص للعبرة
February 13, 2025 at 02:46 PM
صوت الفطرة في زاوية مقهى هادئ، جلس سليم يتأمل فنجان قهوته، وكأنه يحاول قراءة طالع روحه في دوائر البخار المتصاعدة. منذ فترة، بدأ يشعر بأنه يرهق نفسه في سعيه وراء الكمال. كلما ظنّ أنه وصل إلى مرحلة الاستقامة التامة، وجد نفسه في مواجهة مع ضعفه البشري، فكان يتهم ذاته بالتقصير، ويجلدها بلا هوادة. في أحد الأيام، بينما كان يتصفح هاتفه، وقعت عيناه على مقطع من كتاب يتحدث عن الفطرة، عن كون الإنسان خُلق بنقصه وتناقضه، وعن أن الله يعلم أنه سيذنب ثم يعود، ويضعف ثم يقوى، ويشك ثم يوقن. شدّه النص، وكأنه جاء ليخفف عنه ثقلًا كان يحمله منذ زمن. قرأ الكلمات مرارًا، وكأنها تعيد ترتيب أفكاره: “لا تكن مخالفًا للفطرة التي خلقنا الله عليها.. فطرة التباين والنقص.” نظر إلى يديه المرتعشتين، كأنه يرى نفسه لأول مرة. كيف أمضى عمره يحاول أن يكون مثاليًا، وهو مصنوع من طين تتخلله فجوات تحتاج إلى نور الاستغفار؟ كيف كان يعاتب نفسه على لحظات الضعف، بينما الله ذاته يعلم أنه سيمر بهذه الدروب؟ في تلك اللحظة، شعر أن ضيقه بدأ يتبدد، وكأن الحمل الذي كان على ظهره بدأ ينزاح. فهم أن الطريق إلى السلام لا يكون بالقسوة على النفس، بل بفهمها، بقبولها، وبمصالحتها. فكل ما عاشه من صراع داخلي، كان جزءًا من رحلته نحو الاتزان. نهض من مكانه، واشترى نسخة من الكتاب الذي قرأ منه ذلك المقطع. شعر أن هذا الكتاب قد يكون بوابته لفهم نفسه بشكل أعمق. ابتسم لأول مرة منذ أسابيع، وعاد إلى بيته وهو يشعر أن الطريق أمامه لم يعد مظلمًا، بل صار مليئًا بضوء الفطرة

Comments