
القصص للعبرة
5 subscribers
About القصص للعبرة
ابن القيم الجوزية: • القصص هي مشاعل الهداية التي تضيء طريق البشر، فكم من قصة أثرت في قلب قاسٍ وأعادت إليه نور الإيمان.
Similar Channels
Swipe to see more
Posts

قصة عن الثبات الانفعالي: “حكمة القائد” في أحد الموانئ التجارية، كان هناك مسؤول جمارك يُدعى “سالم”، يُعرف بين زملائه برباطة جأشه واتزانه في أصعب المواقف. كان يعمل في وردية ليلية عندما وصل إشعار بوجود شحنة مشبوهة قد تحتوي على مواد مهربة. عندما بدأ سالم في التفتيش، جاء أحد كبار التجار غاضبًا، يصرخ ويهدد بأن التأخير سيكبّده خسائر ضخمة. حاول التأثير على سالم بشتى الطرق، مستخدمًا أسلوب التخويف تارة والإغراء تارة أخرى. لكن سالم ظل هادئًا، يستمع بإمعان دون أن يتأثر بالعصبية أو الانفعالات. في أثناء الفحص، لاحظ أحد المفتشين الجدد أن سالم يتصرف بهدوء مدهش رغم الضغط الكبير، فسأله بعد انتهاء العملية: “كيف تحافظ على هذا الثبات، رغم الاستفزازات والتوتر؟” ابتسم سالم وقال: “الانفعال يعطل التفكير، وعندما يتوقف العقل، نقع في الأخطاء. أنا أُدرك أن كل قرار أُصدره يجب أن يكون مبنيًا على العقل لا على العاطفة. فلو غضبت، لفقدت تركيزي، وربما ارتكبت خطأً قد يكلّفني الكثير.” في النهاية، اكتشف الفريق أن الشحنة تحتوي على مواد محظورة، وتم ضبطها بفضل ثبات سالم وهدوئه. لم يكن فقط رجلًا يؤدي وظيفته، بل كان نموذجًا يُحتذى به في الاتزان الانفعالي، مما جعله يحظى باحترام الجميع. هذه القصة من وحي الخيال، وقد كُتبت لتوضيح مفهوم الثبات الانفعالي في بيئة العمل، خاصة في المواقف التي تتطلب ضبط النفس واتخاذ قرارات عقلانية تحت الضغط. الشخصيات والأحداث غير حقيقية، لكنها تعكس واقعًا يمكن أن يواجهه الكثيرون، حيث يكون الهدوء والاتزان عاملاً حاسمًا في النجاح وتجاوز التحديات.

صوت الفطرة في زاوية مقهى هادئ، جلس سليم يتأمل فنجان قهوته، وكأنه يحاول قراءة طالع روحه في دوائر البخار المتصاعدة. منذ فترة، بدأ يشعر بأنه يرهق نفسه في سعيه وراء الكمال. كلما ظنّ أنه وصل إلى مرحلة الاستقامة التامة، وجد نفسه في مواجهة مع ضعفه البشري، فكان يتهم ذاته بالتقصير، ويجلدها بلا هوادة. في أحد الأيام، بينما كان يتصفح هاتفه، وقعت عيناه على مقطع من كتاب يتحدث عن الفطرة، عن كون الإنسان خُلق بنقصه وتناقضه، وعن أن الله يعلم أنه سيذنب ثم يعود، ويضعف ثم يقوى، ويشك ثم يوقن. شدّه النص، وكأنه جاء ليخفف عنه ثقلًا كان يحمله منذ زمن. قرأ الكلمات مرارًا، وكأنها تعيد ترتيب أفكاره: “لا تكن مخالفًا للفطرة التي خلقنا الله عليها.. فطرة التباين والنقص.” نظر إلى يديه المرتعشتين، كأنه يرى نفسه لأول مرة. كيف أمضى عمره يحاول أن يكون مثاليًا، وهو مصنوع من طين تتخلله فجوات تحتاج إلى نور الاستغفار؟ كيف كان يعاتب نفسه على لحظات الضعف، بينما الله ذاته يعلم أنه سيمر بهذه الدروب؟ في تلك اللحظة، شعر أن ضيقه بدأ يتبدد، وكأن الحمل الذي كان على ظهره بدأ ينزاح. فهم أن الطريق إلى السلام لا يكون بالقسوة على النفس، بل بفهمها، بقبولها، وبمصالحتها. فكل ما عاشه من صراع داخلي، كان جزءًا من رحلته نحو الاتزان. نهض من مكانه، واشترى نسخة من الكتاب الذي قرأ منه ذلك المقطع. شعر أن هذا الكتاب قد يكون بوابته لفهم نفسه بشكل أعمق. ابتسم لأول مرة منذ أسابيع، وعاد إلى بيته وهو يشعر أن الطريق أمامه لم يعد مظلمًا، بل صار مليئًا بضوء الفطرة

الرشاقة النفسية كان “سالم” شابًا طموحًا، لكنه كان يعاني من عادة سيئة أرهقته طويلاً: الصبر المفرط حتى على ما لا يستحق. كان يصبر على ظلم زملائه في العمل، ويتحمل علاقات سامة على أمل أن تتغير، ويعيد المحاولة عشرات المرات مع أشخاص لم يكترثوا له يومًا. وذات يوم، جلس مع صديقه “حمد”، الذي كان يتمتع بقدرة مذهلة على التحرر من الأعباء غير الضرورية. قال له حمد وهو يتأمل البحر: “سالم، هل جربت ماء البحر من قبل؟” أجابه سالم باستغراب: “بالطبع، إنه مالح!” ضحك حمد وقال: “وهل تحتاج لتجربته ثلاثين مرة لتتأكد؟”! في تلك اللحظة، أدرك سالم حقيقة بسيطة لكنه كان يغفلها: • لا تحتاج إلى أن تصبر بلا حدود على الأمور التي لا تتغير. • لا يجب أن تجرب الألم مرارًا فقط لتتأكد أنه مؤلم. • الرشاقة النفسية تعني أن تعرف متى تمضي قدمًا دون أن تُثقل روحك بما لا يستحق. ومنذ ذلك اليوم، بدأ سالم يتخفف من أثقاله، لم يعد يضيع طاقته في علاقات غير متوازنة، ولا يعيد المحاولة بلا جدوى، بل صار أكثر وعيًا بـ متى يصبر، ومتى يترك الأمور تمضي بلا ندم. وهكذا، خطا في الحياة رشيقًا خفيفًا، غير مكبَّل بالأوجاع.