أحمد بن غانم الأسدي
أحمد بن غانم الأسدي
February 4, 2025 at 07:37 PM
#فتاوى_السيرة 316) لِمَ عَدَل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رأيه في ترك الخروج مِن المدينة في غزوة أُحدٍ، لا سيَّما وقد رأى رؤيا، ورؤيا الأنبياء وحي؟ الجواب: ثَبتَ بالحجة والإجماع أنّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم الاجتهاد في سياسة الدنيا وتدبير الحروب، والباب مبسوط في «الإمتاع بما تَعلَّق برسول الله صلى الله عليه وسلم مِن إجماع». وعليه: فأمر خروجه صلى الله عليه وسلم لقتال المشركين أو قتالهم داخل المدينة.. أَمرٌ مَرَدُّه إلى الاجتهاد.. لا إلى وحي يَتنزَّل، ومثله خروجه صلى الله عليه وسلم إلى غزوة بدر، وخيبر، وحُنين، وبئرمعونة، وغيرها مِن الغزوات والسرايا التي وقع فيها قتال، واستُشهِد فيها عدد مِن الصحب الكرام رضي الله عنهم. ورؤياه صلى الله عليه وسلم قبل غزوة أُحدٍ لا تُوحي بعدم الخروج، وإنّما تُشير إلى أنّه سَيُصاب بعض أصحابه، وأنّ المدينة دِرْعٌ حَصينة.. فإشارة الرؤيا هي إلى أنّهم لو مكثوا بالمدينة لكان خيرًا لهم. أمّا أنّه صلى الله عليه وسلم عَلِمَ بِهذه الرؤيا أنّه سيُصاب مِن أصحابه فهذا أمر واردٌ في هذه الغزوة وفي غيرها مِن مواطن الحروب ومشاهد القتال؛ لأنّهم إنّما خرجوا بالسيوف والرماح.. للطِّعان والحرب.. ولم يخرجوا للنزهة والفُرجة! فدلالة الرؤيا على النهي عن الخروج غير ظاهرة، ولو كانت ظاهرة في النهي عن الخروج.. لَمَا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ولَمَا خرج أصحابه. وإنّما دلت هذه الرؤيا وأشارت إلى ضريبة الحروب، وهي القتل، وإنْ كانت غير واضحة في كثرته وفُشوِّه، وبالتالي فقد فُهِمَ منها أنّ هذا القتل هو ضريبة كل حرب. والقتال داخل المدينة وإنْ كان هو الأفضل في هذه الغزوة.. إلا أنّ الصحابة لم يكونوا في حال خيار بين أنْ يقاتلوا أو لا يقاتلوا؛ لأنّ العدوا قد حضرهم، وتَحتَّم اللقاء..وإنما كانوا بين خيار القتال داخل المدينة أو القتال خارج المدينة، فاختاروا الخروج. فإنْ قيل : إنّها رؤيا منسوخة بالأمر بالخروج فالجواب مِن أوجه: الأول: أنّها رؤيا خبرية جاءت بلفظ: «رأيتُ» وليست أمرًا بالمكث بالمدينة، ولو كانت أمرًا لصرح به النبي صلى الله عليه وسلم ولفقهه الصحابة رضي الله عنهم وما وسعهم خلافه. ولم يخرج صلى الله عليه وسلم مكرهًا كما زعمه بعض المستشرقين، بل خرج بمحض رضاه واختياره، بعد المشورة لأصحابة التي أمره الله تعالى بِها في قوله: ﴿وشاروهم في الأمر﴾، ولم يكن أحدٌ أكثر مشاورة لأصحابه منه صلى الله عليه وسلم. وما قيمة المشورة إذا لم يؤخذ بِها، وقد كان صلى الله عليه وسلم يؤهلهم بالمشورة على القيادة والزعامة في غيبته، في السرايا، أو معارك الفتوح بعد وفاته صلى الله عليه وسلم. فلمّا تمحضت المشورة على الخروج مِن المدينة للقاء العدو.. قطع صلى الله عليه وسلم التردد الناشئ بالعزم الذي أمره الله تعالى به في قوله: ﴿فإذا عزمت فتوكل على الله﴾. وكان أولى بِهم أن يكبروا هذه الروح الكريمة والصدر الواسع الرحب، والقيادة الفذة منه صلى الله عليه وسلم، وسلامته من الاستبداد بالرأي في سياسية الدنيا وتدبير الحروب، وهو أوفر الناس عقلًا، وأرشدهم رأيًا وأطهرهم قلبًا، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. ثانيًا-أنّ من متقرر القواعد الأصولية أنّ الأخبار لايدخلها النسخ وإنما يَرِدُ النسخ على الأوامر والنواهي . الثالث: على القول بالنسخ فأين هو؟ فإنّه إذا تقرر منسوخٌ فلابد أنْ يتقرر ناسخ له، ولم يتعبدنا الله بما لا نعلم. فهذا ما يسره الله تعالى مِن الجواب، ولم أرَ مَن تعرض له مِن المتقدمين سُوى العلامة الزَّرقاني  في قوله: «فإنْ قيل: لِمَ عدل صلى الله عليه وسلم عن رأيه -الذي لا أَسدَّ منه، وقد وافقه عليه أكابر المهاجرين والأنصار وابن أُبيٍّ، وإن كان مُنافقًا، لكنه مِن الكبار المُجربين للأمور، ولذا أحضره صلى الله عليه وسلم واستشاره إلى رأي هؤلاء الأحداث- قلتُ: لأنّه صلى الله عليه وسلم مأمور بالجهاد خصوصًا، وقد فاجأهم العدو، فلمّا رأى تصميم أولئك على الخروج، لا سيَّما ‌وقد ‌وافقهم ‌بعض ‌الأكابر مِن المهاجرين، كحمزة والأنصار، كابن عبادة، ترجَّح عنده صلى الله عليه وسلم موافقة رأيهم، وإنْ كرهه ابتداء.. ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا». والله تعالى أعلم. كتبه: أحمد بن غانم الأسدي، ليلة الأربعاء (5/شعبان (1446). https://t.me/alghanm20
👍 2

Comments