
آية وحديث
February 1, 2025 at 05:28 PM
{ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }
[سُورَةُ المَائـِدَةِ: ٤٢]
- تفسير المختصر:
هؤلاء اليهود كثيرو الاستماع للكذب، كثيرو الأكل للمال الحرام كالربا، فإن تحاكموا إليك - أيها الرسول - فافصل بينهم إن شئت، أو اترك الفصل بينهم إن شئت، فأنت مُخيَّر بين الأمرين، وإن تركت الفصل بينهم فلن يستطيعوا أن يضروك بشيء، وإن فصلت بينهم فافصل بينهم بالعدل، وإن كانوا ظَلَمة وأعداء، إن الله يحب العادلين في حكمهم، ولو كان المتحاكمون أعداء للحاكم.
---
- السراج في بيان غريب القرآن:
﴿لِلسُّحْتِ﴾ لِلْحَرَامِ.
﴿الْمُقْسِطِينَ﴾ الْعَادِلِينَ.
---
- أسباب النزول:
قال تعالى: ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42)﴾ [المائدة: 42].
155 - عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: زنى رجل من أهل فدك، فكتب أهل فدك إلى ناس من اليهود بالمدينة، أن سلوا محمداً عن ذلك، فإن أمركم بالجلد فخذوه عنه، وإن أمركم بالرجم فلا تأخذوه عنه، فسألوه عن ذلك، فقال: "أرسلوا إلي أعلم رجلين فيكم"، فجاؤوا برجل أعور يقال له: ابن صوريا، وآخر، فقال لهما النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنتما أعلم من قبلكما؟ "، فقالا: قد دعانا قومنا لذلك، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لهما: "أليس عندكم التوراة فيها حكم الله؟ " قالا: بلى، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنشدكم بالذي فلق البحر لبني إسرائيل، وظلل عليكم الغمام، وأنجاكم من آل فرعون، وأنزل المن والسلوى على بني إسرائيل، ما تجدون في التوراة في شأن الرجم"؟ فقال أحدهما للآخر: ما نشدت بمثله قط، ثم قالا: نجد ترداد النظر زنية، والاعتناق زنية، والتقبيل زنية، فإذا شهد أربعة أنهم رأوه يبدئ ويعيد كما يدخل الميل في المكحلة فقد وجب الرجم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "هو ذاك" فأمر به فرجم فنزلت ﴿فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ .
156 - وهناك سبب ثان لنزول الآية: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: كَانَ قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ، وَكَانَ النَّضِيرُ أَشْرَفَ مِنْ قُرَيْظَةَ، فَكَانَ إِذَا قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْظَةَ رَجُلًا مِنْ النَّضِيرِ قُتِلَ بِهِ، وَإِذَا قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ النَّضِير رَجُلًا مِنْ قُرَيْظَةَ فُودِيَ بِمِائَةِ وَسْقٍ مِنْ تَمْرٍ، فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ النَّضِيرِ رَجُلًا مِنْ قُرَيْظَةَ، فَقَالُوا: ادْفَعُوهُ إِلَيْنَا نَقْتُلُهُ، فَقَالُوا: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَتَوْهُ، فَنَزَلَتْ ﴿وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ﴾ والقسط النفس بالنفس. واللفظ لأبي داود .
{ وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ }
[سُورَةُ المَائـِدَةِ: ٤٣]
- تفسير المختصر:
وإنَّ أمْرَ هؤلاء لعجب، فهم يكفرون بك، ويتحاكمون إليك طمعًا في حكمك بما يوافق أهواءهم، وهم عندهم التوراة التي يزعمون الإيمان بها، فيها حكم الله، ثم يعرضون عن حكمك إذا لم يوافق أهواءهم، فجمعوا بين الكفر بما في كتابهم، والإعراض عن حكمك، وما صنيع هؤلاء بصنيع المؤمنين، فليسوا إذن من المؤمنين بك وبما جئت به.
{ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ }
[سُورَةُ المَائـِدَةِ: ٤٤]
- تفسير المختصر:
إنا أنزلنا التوراة على موسى عليه السلام، فيها إرشاد ودلالة على الخير، ونور يُسْتضاء به، يحكم بها أنبياء بني إسرائيل الذين انقادوا لله بالطاعة، ويحكم بها العلماء والفقهاء الذين يُرَبُّونَ الناس لما استحفظهم الله على كتابه، وجعلهم أمناء عليه يحفظونه من التحريف والتبديل، وهم شهداء عليه بأنه حق، وإليهم يرجع الناس في أمره، فلا تخافوا - أيها اليهود - الناس وخافوني وحدي، ولا تأخذوا بدلًا من الحكم بما أنزل الله ثمنًا قليلًا من رئاسة أو جاه أو مال، ومن لم يحكم بما أنزل الله من الوحي مستحلًّا ذلك، أو مفضِّلًا عليه غيره، أو مساويًا له معه فأولئك هم الكافرون حقًّا.
---
- السراج في بيان غريب القرآن:
﴿وَالرَبَّانِيُّونَ﴾ العُبَّادُ من الْيَهُودِ، الَّذِينَ يُرَبُّونَ النَّاسَ بِشَرْعِ اللهِ.
﴿وَالأَحْبَارُ﴾ عُلَمَاءُ الْيَهُودِ.
---
- أسباب النزول:
قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)﴾ [المائدة: 44].
وقال تعالى ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)﴾ [المائدة: 45].
وقال تعالى: ﴿وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47)﴾ [المائدة: 47].
157 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ -رضي الله عنهما- قَالَ: "إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْزَلَ ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾، ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾، ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنْزَلَهَا اللهُ فِي الطَّائِفَتْينِ مِنْ الْيَهُودِ، وَكَانَتْ إِحْدَاهُمَا قَدْ قَهَرَت الْأُخْرَى فِي الْجَاهِلِيَّةِ، حَتَّى ارْتَضَوْا أَوْ اصْطَلَحُوا عَلَى أَنَّ كُلَّ قَتِيلٍ قَتَلَهُ الْعَزِيزَةُ مِنْ الذَّلِيلَةِ فَدِيَتُهُ خَمْسُونَ وَسْقاً، وكُلَّ قَتِيلٍ قَتَلَهُ الذَّلِيلَةُ مِنْ الْعَزِيزَةِ فَدِيَتُهُ مِائَةُ وَسْقٍ، فَكَانُوا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ، فَذَلَّتِ الطَّائِفَتَانِ كِلْتَاهُمَا لِمَقْدَمِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَيَوْمَئِذِ لَمْ يَظْهَرْ، وَلَمْ يُوطِئِهُمَا عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي الصُّلْحِ، فَقَتَلَتِ الذَّلِيلَةُ مِن العَزِيْزَةَ قَتِيْلاً، فَأَرْسَلَتِ العَزِيْزَةُ إِلى الذِّلِيلَةِ: أَنِ ابْعَثُوا إِلَيْنَا بمِائَةِ وَسْقٍ، فَقَالَتِ الذَّلِيْلَةُ: وَهَلْ كَانَ هَذَا فِي حَيَّيْنِ قَطُّ دِينُهُمَا وَاحِدٌ، وَنَسَبُهُمَا وَاحِدٌ، وَبَلَدُهُمَا وَاحِدٌ، دِيَةُ بَعْضِهِمْ نِصْفُ دِيةِ بَعْضٍ، إِنَّا إِنَّمَا أَعْطَيْنَاكُمْ هَذَا ضَيْماً مِنْكُمْ لَنَا، وَفَرَقاً مِنْكُمْ، فَأَمَّا إِذْ قَدِمَ مُحَمَّدٌ فَلَا نُعْطِيكُمْ ذَلِكَ.
فَكَادَتِ الْحَرْبُ تَهِيجُ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ ارْتَضَوْا عَلَى أَنْ يَجْعَلُوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَهُمْ، ثُمَّ ذَكَرَتِ الْعَزِيزَةُ فَقَالَتْ: وَاللهِ مَا مُحَمَّدٌ بِمُعْطِيكُمْ مِنْهُمْ ضِعْفَ مَا يُعْطِيهِمْ مِنْكُمْ، وَلَقَدْ صَدَقُوا، مَا أَعْطَوْنَا هَذَا إِلَّا ضَيْماً مِنَّا، وَقَهْرَاً لَهُمْ، فَدُسُّوا إِلَى مُحَمَّدٍ مَنْ يَخْبُر لَكُمْ رَأْيَهُ، إِنْ أَعْطَاكُمْ مَا تُرِيدُونَ حَكَّمْتُمُوهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِكُمْ حَذِرْتُمْ فَلَمْ تُحَكِّمُوهُ، فَدَسُّوا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا جَاءَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، أَخْبَرَ اللهُ رَسُولَهُ بِأَمْرِهِمْ كُلِّهِ، وَمَا أَرَادُوا، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾، ثُمَّ قَالَ: فِيهِمَا وَاللهِ نَزَلَتْ، وَإِيَّاهُمَا عَنَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ". واللفظ لأحمد .
ب
{ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }
[سُورَةُ المَائـِدَةِ: ٤٥]
- تفسير المختصر:
وفرضنا على اليهود في التوراة أنّ من قتل نفسًا متَعمِّدًا بغير حق قُتِلَ بها، ومن قلع عينًا متَعمِّدًا قُلِعَتْ عينه، ومن جدع أنفًا متَعمِّدًا جُدِعَ أنفه، ومن قطع أذنًا متَعمِّدًا قُطِعَتْ أذنه، ومن قلع سنًّا متَعمِّدًا قُلِعَتْ سنُّه، وكتبنا عليهم أن في الجروح يُعاقَب الجاني بمثل جنايته، ومن تطوع بالعفو عن الجاني كان عفوه كفارة لذنوبه، لعفوه عمن ظلمه، ومن لم يحكم بما أنزل الله في شأن القصاص وفي شأن غيره، فهو متجاوز لحدود الله.
* من فوائد الآيات:
• تعداد بعض صفات اليهود، مثل الكذب وأكل الربا ومحبة التحاكم لغير الشرع، لبيان ضلالهم وللتحذير منها.
• بيان شرعة القصاص العادل في الأنفس والجراحات، وهي أمر فرضه الله تعالى على من قبلنا.
• الحث على فضيلة العفو عن القصاص، وبيان أجرها العظيم المتمثّل في تكفير الذنوب.
• الترهيب من الحكم بغير ما أنزل الله في شأن القصاص وغيره.
تطبيق وحي