مرعي القرني
مرعي القرني
February 16, 2025 at 04:00 PM
*التقاليد والتطور بين التمسك بالماضي والانفتاح على المستقبل* *في كل مجتمع هناك فئة من الناس تعيش على العادات والتقاليد دون مراجعة أو تفكير معتقدين أن كل ما ورثوه من الأجداد مقدس لا يقبل التغيير هذه الفئة ليست فقط متمسكة بماضيها بل تحارب كل جديد وتعتبر أي تطور أو تقنية تهديدا مباشرا لهويتها المفارقة أن هؤلاء أنفسهم الذين يقاومون الحداثة غالبا ما يكونون أول المستفيدين منها عندما تصبح واقعًا مفروضًا لكنهم في البداية يكونون معول هدم لكل تقدم معرقلين لعجلة التطور ومعززين لمفاهيم الجهل والتخلف في المجتمع* *العادات والتقاليد هل هي مقدسة التقاليد ليست جميعها سيئة فهي تشكل جزءًا من هوية المجتمعات وتساعد في ترسيخ القيم والأخلاق ولكن المشكلة تبدأ عندما تتحول هذه العادات إلى قيود تمنع التقدم فيصبح الحفاظ عليها غاية بحد ذاتها حتى لو كانت تعيق التطور يقول الفيلسوف الإنجليزي جون ستيوارت ميل التقاليد ليست سببًا كافيًا لتبرير استمرار أي ممارسة بل يجب تقييمها وفقًا لمنطق العصر فعلى سبيل المثال كانت مجتمعات كثيرة ترى أن تعليم المرأة أمر غير ضروري وكانت هذه الفكرة جزءًا من التقاليد لكن مع مرور الزمن أثبتت التجارب أن تقدم أي مجتمع مرهون بتعليم المرأة والرجل معًا اليوم لا يمكن تصور أي مجتمع متطور يرفض تعليم النساء بحجة الحفاظ على العادات* *لماذا يخشى البعض من التغيير الخوف من التغيير أمر طبيعي خاصة عندما يكون الإنسان نشأ في بيئة تعودت على نمط معين من الحياة لكن المشكلة تتفاقم عندما يتحول هذا الخوف إلى مقاومة شرسة لكل جديد ليس بناءً على دراسة أو تفكير منطقي بل لمجرد أنه مختلف عن المألوف علماء النفس يفسرون هذا السلوك على أنه رهبة من المجهول حيث يفضل البعض البقاء في منطقة الراحة بدلا من المخاطرة بخوض تجربة جديدة على سبيل المثال عندما بدأ استخدام السيارات في بعض الدول كانت هناك فئات رافضة تمامًا لها وكانوا يصفونها بأنها شيطانية لأنها لم تكن جزءًا من العادات المتوارثة لكن مع مرور الوقت أصبحت السيارة ضرورة لا غنى عنها واعتمدها حتى أكثر الناس تمسكا بالماضي* *أمثلة على مجتمعات تخلصت من الجمود وتقدمت هناك العديد من المجتمعات التي استطاعت التوفيق بين الحفاظ على هويتها الثقافية والانفتاح على التطور على سبيل المثال اليابان هذا البلد استطاع أن يحافظ على تقاليده العريقة مثل احترام الكبار والانضباط وفي الوقت نفسه أصبح من أكثر الدول تطورًا في التكنولوجيا والصناعة لم يكن ذلك ممكنًا لو تمسكت اليابان بالجمود ورفضت التحديث الإمارات العربية المتحدة خلال عقود قليلة تحولت من مجتمع بدوي يعتمد على صيد اللؤلؤ إلى دولة متقدمة تكنولوجيًا دون أن تفقد هويتها العربية والإسلامية سنغافورة دولة صغيرة استطاعت أن تصبح واحدة من أكثر الدول تطورًا بفضل تقبلها للحداثة مع الاحتفاظ بتقاليدها الثقافية المتنوعة* *كيف نوازن بين التقاليد والتطور الحل ليس في رفض العادات كليًا ولا في التمسك بها دون وعي بل في مراجعتها وتطويرها بما يخدم المجتمع يمكن اتباع بعض الخطوات لتحقيق هذا التوازن التفكير النقدي يجب أن يكون هناك وعي بأن ليس كل ما ورثناه صحيحًا بل يجب تقييمه بعقلانية الاستفادة من التكنولوجيا يمكن استخدام التقنية لتطوير العادات المفيدة مثل نشر المعرفة والتعليم الرقمي بدلاً من رفضها بحجة أنها غريبة عن المجتمع التعليم والتوعية كلما زاد وعي الناس قل خوفهم من التغيير وأصبحوا أكثر قدرة على التمييز بين ما يستحق البقاء وما يجب تغييره* *إن المجتمعات التي تعيش أسيرة لعاداتها دون مراجعة تظل متأخرة عن ركب الحضارة بينما المجتمعات التي تتعامل مع الماضي بعقلانية وتنفتح على المستقبل هي التي تحقق التقدم المشكلة ليست في التقاليد ذاتها بل في طريقة التعامل معها فإما أن تكون عامل بناء أو تكون سببًا في التخلف ولكي ننهض بمجتمعاتنا علينا أن نكون قادرين على التمييز بين العادات التي تساعدنا على التقدم وتلك التي تعيق تطورنا لأن المستقبل لا ينتظر من يعيش في الماضي*
👍 1

Comments