الكتاب الشهري
February 9, 2025 at 09:56 PM
*ما الحكمة في تحريم الربا؟*
قال السعدي رحمه الله:
*الحكمة في تحريمه: أنه ظلمٌ مُنافٍ للعدل الذي أمر الله به ورسوله، كما نصَّ الله على هذه العلة بقوله: ﴿وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ﴾* [البقرة: ٢٧٩]، أي: لا تَظلمون بأخذ الزيادة التي هي الربا، ولا تُظلَمون بنقص رؤوس أموالكم، فكما أنه لو أُخِذَ من رؤوس أموالهم وبُخِسَ منه شيءٌ كان ظلمًا ظاهرًا، فكذلك إذا أخذوا الزيادة التي هي ربا.
*فإن قيل: كيف يكون ظلمًا، والحال أن المأخوذ منه راضٍ بهذه المعاملة؟*
*فالجواب عن ذلك من وجهين:*
*أحدهما: أن الظلم حقيقته أخذ المال بغير حقٍّ، وذلك أن المُعسِر الذي حلَّ عليه الدين: الواجب إنظاره من غير أخْذ زيادةٍ على هذا الإنظار، فإذا أُخِذَت هذه الزيادة كان أخْذًا بغير حقٍّ،* والعباد تحت حَجْر الشارع، ليس لهم الرضا بما لا يرضى به الشارع، فرضاهم به على هذا الوجه غير مُعتبَرٍ.
*الوجه الثاني: أنه غير راضٍ في الحقيقة، فهو شبيهٌ بالمُكرَه؛ لأنه يخشى من الغريم إن لم يدخل معه في هذه المعاملة أن يحبسه أو يضرَّه أو يمنعه من معاملةٍ أخرى، فهو راضٍ بلفظه غير راضٍ بحقيقة حاله؛ لأنه لا يرضى عاقلٌ أن يتضاعف ما بذمَّته بغير انتفاعٍ منه.*
*وكما أنه ظلمٌ للمُعسِر فهو ظلمٌ للغريم صاحب الدَّين؛ لأنه ظالمٌ لنفسه مُعرِّضٌ لها للعقوبة.*
*وأيضًا قد ظلمها من وجهٍ آخر ظلمًا دنيويًّا من حيث لا يشعر؛ فإن المدين الذي يدخل معه في هذه المعاملات التي يتضاعف فيها ما في الذمة من غير نفعٍ ومصلحةٍ تعود عليه،* فلا يكاد يفعل ذلك إلا المتهاون بأمر دينه والذي لا يبالي برئت ذمته أو اشتغلت، *ومن كان بهذه المثابة فكثيرًا ما يكون مُتسبِّبًا لإتلاف ما بين يديه وتفويته على غريمه، خصوصًا إذا رأى الدَّين تراكم ورأى موجوداته وكدَّه وكسبَه لا يَفِي به، فهناك يرى فرصةً في وجود شيءٍ بين يديه يتمتع به في حياته غير مُبالٍ بعاقبة أمره.*
وصاحب الدَّين يحمله الحرص والجشع الضائع، ويظن بعقله الضعيف أن هذه المكاسب ستحصل له ويفوز بها، وهو في الحقيقة يسعى لإتلاف نفسه وظلمها كما هو الواقع، فيَخسر دنياه وأُخراه.
*والمقصود أن الحكمة في تحريم الربا إنما هو لأنه ظلمٌ، وهو ظاهرٌ كما ترى في ربا النسيئة.*
*وأما ربا الفضل فحُرِّمَ تحريمَ الذرائع وسَدِّ الأبواب الموصِلة إلى المحارم؛ فإنه إذا رأى الكسب الحاضر ربما حمله الطمع على الكسب الغائب؛* فسُدَّ فيه الباب كما تُسَدُّ جميع الذرائع المُفضِية إلى كل محرمٍ.
إرشاد أولي البصائر والألباب (ص ١٧١ - ١٧٢).
👍
2