الشيخ أيمن أبوالحسن العلي
February 9, 2025 at 03:14 AM
🟨🟩🟨
« *فــرص ومحـاذيـر* *البرامج العلمية الإلكترونية* »
طلب العلم من أفضل وأكمل العبادات لمن صلحت نيته، وهو السبيل الوحيد لعبودية الله تعالى على بصيرة. وكان الطريق الوحيد لتلقي العلم الشرعي في الأزمان السابقة إلى زمن الصحابة هو التلقي المباشر عن العلماء ومثافنة الأشياخ والجلوس في حِلق العلم، وما أبركه من طريق، وما أعظمه من ميدان للتربية قبل التعليم.
▫️ وفي هذا الزمان تعسر على الكثير حضور مجالس أهل العلم، بل أصبح كثير من المشايخ عاجزا عن بث العلم في بلده لأسباب متعددة، فيسر الله في هذا الزمان الشبكة العالمية للمعلومات وبرامج التواصل، ونشطت البرامج والمعاهد والأكاديميات الشرعية في مختلف الفنون والعلوم، ووجدت إقبالا مباركا، لاسيما تلك البرامج التي يقوم عليها متخصصون ومن أهل الاستقامة والاتباع وسلامة المعتقد والمنهج. فانتفع بها عشرات الآلاف من الطلاب والطالبات في عموم البلدان الإسلامية وغيرها شرقا وغربا.
بارك الله تلك الجهود، وأجزل الله للقائمين عليها خيرا كثيرا، وزادهم الله توفيقا ورشادا.
▫️ولاشك أن هذه فرص عظيمة ينبغي للشباب المسلم أن يشمر لها عن سواعد الجد، ويأخذها بالعزم والحزم احتسابا.
▪️( *محـاذيـر* ): ولكن أيها الشباب مع عظم هذه الفرصة إلا أن ثمَّ مخاطر من التلقي العلمي بهذه الطريقة، فيجب أن يستقر في نفوسكم أن التلقي شِفاها كما سبق هي الطريقة الأمثل والمهيع الأول الذي خرَّج الأعلام الأفذاذ علما ودينا وخلقا، وما كان لأحد من سبيل ليكون طالب علم إلا أن يبرك عند شيخ أو أكثر، فقبل أن يعلمه المتون والفنون، فإنه يزكي أخلاقه بالفضائل، ويصهر طبعه بالمكارم، ويمحص دواخله من حظ النفس والشيطان، ويرقق قلبه بالمواعظ، ويقوده بالاقتداء والتأسي لا بمجرد الكلام النظري. ولهذا يقع في هذا المقام الرفيع للطالب امتحان حقيقي، فإن الشيخ يعركه عركا فيصيبه شيء مما يراه عامة الناس ذُلًّا وهو في الحقيقة عزٌّ، أو يرونه إهانة وهو في الواقع كرامة .. وكلام السلف العلماء في هذا كثير:
▫️قال ابن عباس: *ذللت طالبا وعززت مطلوبا* .
▪️وقال الزهري: "كان مَن قبلنا يتعلَّمون الأدب كما يتعلَّمون العلم".
▫️وقال ابن سيرين: "كانوا يتعلمون الهدي قبل العلم."
▪️وقال الإمام مالك: "كانت أمي تُعمّمنُي وتقول لي: اذهب إلى ربيعة، فتعلَّم من أدبه قبل علمه."
▫️وقال الحسن البصري:
"إن كان الرجل ليخرج في أدب نفسه، فيحتاج في ذلك إلى سنة."
أي أنَّ تعلم الأدب وتطبيقه يتطلب وقتًا وصبرًا، وكانوا يعدون ذلك أساسًا في حياة طالب العلم.
▪️ ومما نُسب للإمام للشافعي:
أخي لن تنال العلمَ إلا بستةٍ ...
سأُنبيكَ عن تفصيلِها ببيانِ
ذكاءٌ وحرصٌ واجتهادٌ وبلغةٌ ...
وصحبةُ أستاذٍ وطولُ زمانِ
▫️وكذا قوله:
اصبر على مر الجفاء من معلم ... فإن رسوب العلم في نفراته.
ومن لم يذق ذل التعلم ساعة ..
تجرع ذل الجهل طول حياته.
فكل هذه المعاني للأسف لا يمكن أن توفرها البرامج العلمية الإلكترونية، ولا يمكن أن تغني عن الشيخ المربي الذي يصنع الطالب على عينه، وإنما هي وسيلة المضطر، وبالأخص للمبتدئ في الطلب.
▫️وهذا ليس تزهيدا في هذه البرامج، وإنما هو بيان لأهمية التلقي المباشر، وأن يحرص الطالب عليه جَهده، والجمع إن أمكنه بين الاستفادة عن بُعد، مع عدم الحرمان من طعم وبركة المجالسة والمزاملة.
▪️لذا فإنَّ من أعظم محاذير العلم الإلكتروني، ضعف التربية، وضعف المعرفة بالذات، ونمو الآفات النفسية بلا خبير يعالجها، أو طبيب يداويها، وهذا ينتج لنا في الساحة الدعوية والعلمية بعد زمن مشاكل متعددة، وعُقدا سلوكية، وتظهر على إثر ذلك صراعات التفرد والشذوذ، وضعف الشعور بروح العمل الجماعي، وضعف التآلف والتعاطي على قاعدة سددوا وقاربوا .. وأن يد الله مع الجماعة .. إلى آخر تلك المعاني التي يُسقيها الشيخ المربي لطلابه مع المادة العلمية، فهناك يسوغ له العلم، `ويتساوق` الظاهر والباطن في انسجام واتزان، وتكتمل له الفضائل والفوائد.
▫️والذي نرجوه أن يوفق الله القائمين على هذه البرامج المباركة بتضييق الهوة والفجوة في هذه القضية، وذلك بالعناية بتمهيد هذه القضايا، وكثرة التنبيه عليها، وعدم الغفلة في زحام البرامج والمشاركين عن الإعداد الصحيح والسليم للطالب. فلابد أن يقترن في هذه المجامع الافتراضية إعداد العقل والقلب، والروح والجسد، والعلم والعمل، والحجة مع الخوف من الله، وإعداد الفرد بكونه جزءا من الجماعة، ملتحما بها، ولا يقوم دينه إلا بالاجتماع والتعاون على وفق القواعد الشرعية والآداب السَّنية.
والله أسأل أن ينفع بشبابنا طلابِ العلم وطالباته، وأن يكونوا فخرا للأمة قولا وعملا.
✒️كتبه شيخنا الفاضل:
*أبو الحسن أيمن بن عبدالله العلي* حفظه الله تعالى
👍
❤️
5