
مجلة البيان
February 5, 2025 at 03:15 PM
#دراسات_تاريخية
غزَّة تاريخٌ مُعمَّدٌ بالدم وشوكةٌ في لهاة الغزاة
بقلم/ أحمد عبدالله
بعد مرور أكثر من 14 شهرًا من العدوان الصهيوني البربري على «قطاع غزة»، الذي لا تتجاوز مساحته 365 كم، والمُحاصَر حصارًا شاملًا منذ زهاء 17 عامًا؛ يقف العالم على أطراف أصابعه دهشةً من صلابة أهل هذه البقعة من الأرض؛ الذين أظهروا لكل العالم بأسًا وجَلدًا وثباتًا قلَّ نظيره في تاريخ الحروب المعاصرة.
والحق، أنَّ صفحات التاريخ مسطورة بمآثر غزة التي كانت، وما زالت، أرضها ميدانًا لقهر الغزاة منذ فجر التاريخ؛ إذ لا تنفك هذه المدينة الصغيرة -على الضفة الشرقية للبحر المتوسط على مر العصور والأحقاب-، عن تقديم نموذجها المُلهِم في تحدّي الغزاة والطامعين، مُحقِّقةً عن جدارة وصفها بـ«قاهرة الغزاة».
تقع غزة على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، وتُمثِّل بوابةً لفلسطين، ممّا أكسبَها أهميةً جيوسياسية وعسكريةً فائقةً وحساسةً في صراع القوى، وعمقًا إستراتيجيًّا مُهمًّا في الملاحم الكبرى عبر العصور.
ولبرهنة ذلك، سنستعرض كيف أصبحت غزة، عبر التاريخ، ميدانًا للثبات والتحدّي ومقاومة الغزاة في ضوء الصراع الحالي الذي يعكس استمرار هذه السردية التاريخية.
فمنذ العصور القديمة التي سبقت ميلاد المسيح -عليه السلام-، وتحديدًا في العصر البرونزي، كانت مدينة غزة إحدى أكثر المدن التي قاومت تقدُّم جيوش الملك تحتمس الثالث -أعظم ملوك مصر القديمة-، والذي سعَى إلى بَسْط سلطانه على مدينة غزة؛ نظرًا لموقعها الإستراتيجي الذي يُعدّ جسرًا بريًّا بين مصر وآسيا. وعلى الرغم من تمكُّنه من السيطرة عليها في نهاية المطاف؛ إلا أن غزة احتفظت بقَدْر كبير من الاستقلال الذاتي، واستمرت في لعب دور مُهِمّ باعتبارها مركزًا تجاريًّا؛ حيث كانت تربط التجارة بين مصر وبلاد الشام وبلاد الرافدين.
وفي القرن الثامن قبل الميلاد؛ أصبحت غزة هدفًا للغزاة الآشوريين الذين سعوا إلى توسيع إمبراطوريتهم في الشرق الأوسط؛ حيث قاد الملك الآشوري «تغلث فلاسر الثالث» حملات عسكرية ضد مدن بلاد الشام، بما في ذلك غزة، ورغم سقوطها تحت سيطرتهم، إلا أن سكانها لم يرضخوا بسهولة؛ فقد أظهرت المدينة مقاومةً شرسةً، واستمرت في القيام بدورها المتميز، والذي تمثَّل في كونها مركزًا تجاريًّا حيويًّا، مما جعل الآشوريين يتعاملون معها بحذر.
ومع سقوط الإمبراطورية الآشورية، دخلت غزة تحت سيطرة الإمبراطورية الفارسية في القرن السادس قبل الميلاد؛ إلا أنها استمرت في التمتع بدرجة كبيرة من الحكم الذاتي، والازدهار الاقتصادي الذي فرضته لنفسها؛ حيث لم تكن مجرد مدينة محتلة، بل كانت أشبه بشريكٍ اقتصاديٍّ مُهمّ في الإمبراطورية....
المقال https://albayan.co.uk/MGZarticle2.aspx?ID=33258
من مقالات #مجلة_البيان عدد(456) لشهر شعبان 1446هـ