
مجلة البيان
1.0K subscribers
About مجلة البيان
قناة تختص بنشر مقالات مجلة البيان.. - الموقع الإلكتروني: https://albayan.co.uk - تطبيق العدد الرقمي: http://onelink.to/albayan
Similar Channels
Swipe to see more
Posts

#قضايا_تربوية (أرشيف) إعجاز فواتح سور القرآن وخواتيمها بقلم/ د. إيمان مصطفى علي إن المتأمل في فواتح سور القرآن وخواتيمها يدرك لوناً بديعاً من ألوان الإعجاز، ذلك أنَّها جاءت بألوان من الإعجاز الذي يؤكد المراد من قوله: {لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} [الإسراء: ٨٨]! فبالنسبة لفواتح السور القرآنية؛ جاءت في غاية البراعة، وغاية الروعة: تارةً باستهلالها بتنزيه الله وتمجيده، وتارةً بالنداء، وتارةً بالاستفهام، وتارةً بالأمر، وتارةً بالحروف المقطعة لتشويق القارئ أوْ المستمع لما سيأتي بعدها من خطاب.. إلخ. ومن يتأمل جميع فواتح السور؛ يلحظ دلالتها على مقصود السورة وأغراضها، وقد يكون واضحاً أحياناً، وأحياناً أخر يحتاج إلى نوع من التدبر والتأمل، والتفكر في استخراج تلك الدلالة. ولنتأمل هنا مناسبة فواتـح السور لما قبلها، ومناسبة فواتح السور لمقاصدها وموضوعاتها، ومناسبة فواتح السور لخواتيمها؛ كي نفقه دلائل الإعجاز القرآني، وعظمة التنزيل الحكيم! مناسبة فواتـح السور لما قبلها: انظر إلى مطالع السور، ومدى ارتباطها الشديد بما قبلها؛ فمن تدبر خاتمة سورة الفاتحة ودعاء المؤمنين ربَّهم أنْ يهديهم الصراط المستقيم، ثمَّ نظر في افتتاح سورة البقرة، حيث قال سبحانه: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} [البقرة: ٢]، أيْ: إنهم لما سألوا الله الهداية، بَيَّن لهم سبيلها. وفي خاتمة سورة آل عمران أمر الله تعالى عباده المؤمنين بالصبر والمصابرة والمرابطة والتقوى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ} [آل عمران: 200]، ثمَّ مالَ إلى الناس كافة في سورة النساء فأمرهم بالتقوى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ} [النساء: ١]، لأنه ليس كل الناس يستطيع الصبر والمصابرة والمرابطة، فكان افتتاح سورة النساء مناسباً لما خُتِمت به سورة آل عمران. وهكذا يمضي الترابط بين سور القرآن كلها، وكأنها سورةٌ واحدة.. وقد تجلَّى من هذا إعجاز نفسي عجيب؛ يجعل القارئ المتدبِّر مستغرِقاً في لطائف التوجيهات الإلهية، والشواهد الربَّانية، فمثلاً: اختتم سبحانه سورة الواقعة بالأمر بالتسبيح: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 74]، ثمَّ افتتح بعدها مباشرة سورة الحديد بالتسبيح، فقال: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الحديد: ١]! وفي سورة الفيل أخبر بما حدث لجيش أبرهة الذين أرادوا الاعتداء على البيت العتيق، وكيف أهلكهم بأصغر الطير وأضعفه: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ} [الفيل: ٥]، فجاءت بعدها سورة قريش وهي شديدة الاتصال بما قبلها؛ لتعلُّق الجار والمجرور في أولها بالفعل: {لإيلافِ قُرَيْشٍ} [قريش: ١]، وقد طالبهم في هذه السورة بالإيمان بربِّ هذا البيت، وشكر: {الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} [قريش: ٤]. ثمَّ أعقبتها سورة الماعون التي توعد فيها تارك الصلاة، وذَمَّ الذين لا يطعمون الطعام: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ 4 الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ 5 الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ 6 وَيَمْنَعُونَ الْـمَاعُونَ} [الماعون: ٤ - ٧].. وهكذا. من هنا نعلم أنَّ افتتاح كل سورة في غاية المناسبة لما قبلها، ولكنه يخفى تارة ويظهر تارةً أخرى، ولا يدرك ذلك إلا من رزقه الله تعالى قوة التدبُّر والتفكُّر في كتاب الله العزيز. مناسبة فواتح السور لمقاصدها: برغم أن القرآن نزل مُنجَّماً ومتفرِّقاً على ثلاث وعشرين سنة؛ إلا أنه تمَّ مترابطاً محكماً متناسقاً في بناء جُمَلِهِ وآياته لفظاً ومعنى.. لذلك تجد مطلع كل سورةٍ من سور القرآن متناسقاً متناسباً مع مقاصد تلك السورة، تنتقل فيها من آية لآية، ولا تجد تنافراً بين كلماتها أو آياتها. وهذا فن من فنون البلاغة واللغة يدل على حُسن الصياغة وتماسك البناء. والأمثلة على ذلك كثيرة وفيرة، منثورة في جميع سور القرآن المجيد، ولكن الحاذق هو وحده من يدركها ويتلمس قدرته تعالى وإعجازه فيها. قال صاحب الإتقان: «أجاب ابن الزملكاني حين سُئِلَ عن الحكمة من افتتاح سورة الإسراء بالتسبيح، والكهف بالتحميد؟ بأنَّ سورة (سبحان) لمَّا اشتملت على الإسراء الذي كذَّبَ المشركون به النبيّ، وتكذيبه تكذيب للهِ سبحانه، أتى (بسبحان)، لتنزيه الله تعالى عمَّا نُسِبَ إلى نبيِّهِ من الكذب، وسورة الكهف لمَّا أُنزِلت بعد سؤال المشركين عن قصة أصحاب الكهف وتأخُّر الوحي، نزلت مُبيِّنةً أنَّ الله لم يقطع نعمته عن نبيِّهِ ولا عن المؤمنين، بلْ أتمَّ عليهم النعمة بإنزال الكتاب، فناسب افتتاحها بالحمد على هذه النعمة»[1]. • مثــال آخَـر: سورة النور استهلَّها المولى تعالى بقوله: {سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النور: ١] وقد كرَّر قوله: {لَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ} [النور: 46] عدة مرات؛ للتأكيد على هذه التشريعات، ووجوب الالتزام بها، فقد شرع في هذه السورة كثيراً من الأحكام والأخلاق والآداب؛ فقد حذَّر من الإفك والبهتان، ورميْ المحصنات الغافلات، ونهى عن دخول البيوت دون استئذان، وأمر بِغَضّ البصر، وتجنُّب الفواحش، وأمر بالصلاة والزكاة، وأدب الحديث مع الجناب النبوي الشريف، وقد كرَّر الأمر بطاعة اللهِ ورسولِه. • مثــال آخـر: سورة الفتح استهلها سبحانه بقوله: {إنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا} [الفتح: ١] وهو الفتح الأكبر، ودخول الرسول وأصحابه مكة في عزَّةٍ ومهابةٍ وجلال، وتطهيرهم الكعبة من الأصنام والأوثان، ثمَّ الثناء على المؤمنين الذين بايعوا الرسول في بيعة العقبة. ثمَّ صلاتهم بالبيت: {تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح: 29]. • مثــال آخر: سورة الرحمن استهلَّها الحقُّ تعالى باسمه {الرَّحْمَنُ} [الرحمن: ١] الذي وهب كل هذه الآلاء والنِّعم على عباده، ليؤمنوا به ويشكروه عليها. وطالبهم بعد ذِكْر كل نعمةٍ أنْ يُقرُّوا بها ويعترفوا، وكرَّر عليهم السؤال: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 13]، ثمَّ تلتها سورة الواقعة مباشرة، بقوله سبحانه: {إذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} [الواقعة: ١]، لأنها تتحدث عن الأهوال التي سيشهدها الناس يومئذ، والمشاهد التي سيرونها رأيَ العين، وجزاء كل فريقٍ من الناس بحسب ما قدَّمتْ يداه! مناسبة فواتح السور لخواتيمها... المقال https://www.albayan.co.uk/MGZarticle2.aspx?ID=6644 🔴 من مقالات #مجلة_البيان عدد(385) لشهر رمـضـان 1440 هـ

#العقيدة_والشريعة الرُّؤى الْمَنَامِيَّة بَين التَّشْرِيع وَالتَّبْشِير بقلم/ محمد فريد فرج فراج «الرُّؤى الْمَنَامِيَّة» ذات شأن عظيم في الإسلام؛ بَيْد أَنَّ فقهها، وضوابطها الشرعية، ليست مقصد هذا المقال المختصر؛ الذي كُتِبَ بدافع تصحيح ظاهرة مُلَاحَظَة بقوة؛ إذ غدت «الرُّؤى الْمَنَامِيَّة» سببًا للدخول في الإسلام، أو الخروج منه؛ وَفْقًا لزعم بعض ممَّن يُسجِّلون تجاربهم على منصات التواصل؛ حتى سمعتُ إِحدى أخواتنا المهتديات؛ وقد ردَّها الله -سبحانه وتعالى- للإسلام بعد فتنة رِدّتها بأربعين سنة تقريبًا؛ والعجيب أنها ذكرت أن رِدّتها عن الإسلام، وعودتها إليه كانتا بسبب «الرُّؤى الْمَنَامِيَّة» فحسب! ألا إنَّ كونَ الشيءِ الواحدِ، وهو: «الرُّؤى الْمَنَامِيَّة» سببًا في حدوث الشيء ونقيضه؛ لَهُو أبرز دليل دامغ على بطلان مصداقية هذا الشيء، وعدم مشروعية الاعتماد عليه كدليل على صحة الشيء من بطلانه. وهذه أهمُّ قاعدةٍ شرعيةٍ يجب بيانُها في شأنِ «الرُّؤى الْمَنَامِيَّة»؛ إنها ليست دليلًا ألبتة على صحة شيء أو بطلانه، وإنها ليست من الأدلة الشرعية المُعتبَرة بإجماع الأمة. فـ«الرُّؤى الْمَنَامِيَّة» ليست دليلًا محكمًا على شيءٍ، حتى في حقِّ الأنبياء ما لم تكن مقرونة بدليل يؤكدها، وعلى ذلك الكثير من الأدلة، ومنها الحديث عَنْ أُمّ المؤمنين عَائِشَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-؛ قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «رَأَيْتُكِ فِي المَنَامِ، يَجِيءُ بِكِ الْمَلَكُ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ. فَقَالَ لِي: هَذِهِ امْرَأَتُكَ، فَكَشَفْتُ عَنْ وَجْهِكِ الثَّوْبَ فَإِذَا أَنْتِ هِيَ. فَقُلْتُ: إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ»[1]. فهذا نص صريح يؤكد أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لا يعلم حقيقة ما رآه في المنام، هل هو وَحْي من الله -عز وجل- عن طريق الإلهام في المنام، أم مجرد حديث النفس في أثناء النوم. فإذا كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم لا يستطيع الجزم بمصدر «الرُّؤى الْمَنَامِيَّة»؛ فغيره أولى بعدم القدرة على تحديد مصدرها؛ هل هي من الله -سبحانه وتعالى-، أم من أحاديث النفس في أثناء النوم؛ خاصةً وأن غير النبي صلى الله عليه وسلم يوجد في حقه الاحتمال الثالث، وهو الأسوأ، وهو احتمال تلاعب الشيطان بالإنسان... هذا بخصوص مصداقية الرؤيا. أمَّا بخصوص مصداقية التأويل؛ فحتَّى وإن وقع الجزم بأن إحدى «الرُّؤى الْمَنَامِيَّة» من عند الله -سبحانه وتعالى-؛ فإنَّ هذا الجزم لا ينطبق على تأويلها الذي قد يصح في بعضها، ويخطئ تأويلَ البعض الآخر؛ وذلك كما في الحديث الذي رواه ابْن عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ فِي المَنَامِ ظُلَّةً تَنْطُفُ السَّمْنَ وَالعَسَلَ، فَأَرَى النَّاسَ يَتَكَفَّفُونَ مِنْهَا، فَالْمُسْتَكْثِرُ وَالمُسْتَقِلُّ، وَإِذَا سَبَبٌ وَاصِلٌ مِنَ الأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ، فَأَرَاكَ أَخَذْتَ بِهِ فَعَلَوْتَ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَعَلاَ بِهِ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَعَلاَ بِهِ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَانْقَطَعَ ثُمَّ وُصِلَ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! بِأَبِي أَنْتَ، وَاللَّهِ لَتَدَعَنِّي فَأَعْبُرَهَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : «اعْبُرْهَا». قَالَ: أَمَّا الظُّلَّةُ فَالإِسْلاَمُ. وَأَمَّا الَّذِي يَنْطُفُ مِنَ العَسَلِ وَالسَّمْنِ فَالقُرْآنُ، حَلاَوَتُهُ تَنْطُفُ، فَالْمُسْتَكْثِرُ مِنَ القُرْآنِ وَالمُسْتَقِلُّ. وَأَمَّا السَّبَبُ الوَاصِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ فَالحَقُّ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ، تَأْخُذُ بِهِ فَيُعْلِيكَ اللَّهُ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ مِنْ بَعْدِكَ فَيَعْلُو بِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَيَعْلُو بِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُ رَجُلٌ آخَرُ فَيَنْقَطِعُ بِهِ، ثُمَّ يُوَصَّلُ لَهُ فَيَعْلُو بِهِ. فَأَخْبِرْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ! بِأَبِي أَنْتَ، أَصَبْتُ أَمْ أَخْطَأْتُ؟ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : «أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا»[2]. فهذا الصِّدِّيق -رضي الله عنه، على جلال قَدْره، وعلوّ شأوه، ورُقي منزلته- أخطأ في تأويل بعض رؤيا حقٍّ من عند الله -سبحانه وتعالى-؛ وإذا وقع الخطأُ في تأويل الرُّؤيا في حقِّ الصدِّيق -رضي الله عنه-؛ فاحتمال الخطأ عند غيره أكثر. والأعجب من ذلك أن الخطأ في التأويل قد يقع من النبي صلى الله عليه وسلم نفسه. كما في الحديث عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه-؛ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ قَالَ: «رَأَيْتُ فِي المَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهَلِي إِلَى أَنَّهَا اليَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ، فَإِذَا هِيَ المَدِينَةُ يَثْرِبُ»[3]. ومن فوائد هذا الحديث... المقال https://albayan.co.uk/MGZarticle2.aspx?ID=33372 🔴 من مقالات #مجلة_البيان عدد(459) لشهر ذو القعدة 1446هـ

#دراسات_تاريخية (أرشيف) الإمام جوري الصومالي.. فاتح الحبشة بقلم/ أحمد الظرافي (إن أشهر دور من أدوار التاريخ الإثيوبي التي بقيت أخبارها محفوظة لدى الغربيين هو «أحمد جوري الصومالي» الذي كاد يسحق النصرانية الحبشية ويعيدها كبلاد النوبة إلى الإسلام). [المستشرق الفرنسي رينيه باسه 1924-1855م]. هناك الكثير من المسلمين لا يعلمون شيئًا عن جهاد إخوانهم في القرن الإفريقي وشرق القارة السمراء، وجهودهم وتضحياتهم الكثيرة والكبيرة في مواجهة الحملات الصليبية، التي شنتها ضدهم الإمبراطورية الحبشية، المعروفة تاريخيًا باسم مملكة «أكسوم»، على مدى قرون، برعاية ودعم وتحريض الكنيسة الأرثوذوكسية اليعقوبية في الحبشة، فالحروب الصليبية قديمة في هذه المنطقة، قدم وجود الإسلام فيها. وقد بدأ الإسلام بالانتشار في شرق إفريقيا والصومال منذ أواخر القرن الأول الهجري، وذلك على أيدي التجار العرب القادمين من اليمن والحجاز، وعلى إثر ذلك تكونت العديد من الإمارات الإسلامية في هذه المنطقة، والتي حملت على عاتقها نشر الإسلام في داخل هذه البلاد، وكذلك التصدي لأعدائه وعلى رأسهم الدولة النصرانية في الحبشة، وقد عرفت هذه السلطنات عند المؤرخين العرب باسم «إمارات الطراز الإسلامي». أولًا: التحالف البرتغالي الحبشي: وقد كانت تلك الحروب الدينية، سجالًا بين النصارى الأحباش من جهة، وبين المسلمين الصوماليين والعفاريين والعرب، من جهة أخرى. واستمرت كذلك حتى بداية القرن السادس عشر الميلادي/ العاشر الهجري. ففي هذه الفترة وصلت الأساطيل البرتغالية الصليبية الغازية إلى سواحل القرن الإفريقي المشرفة على المحيط الهندي، والبحر الأحمر، بعد أن كانوا قد اكتشفوا طريق رأس الرجاء الصالح سنة 905هـ/ 1498م، الذي مكنهم من الدوران حول إفريقيا، والوصول إلى سواحل هذه المنطقة، ومنها إلى الهند، لأول مرة في تاريخهم، وذلك في إطار خطتهم المبيتة لتطويق العالم الإسلامي من الجنوب، وتسديد ضربة قاتلة له من الخلف. وقد فرح النجاشي ملك الحبشة، فرحًا عظيمًا بمقدمهم، وأسرع بالتحالف معهم، طالبًا منهم الدعم والمساعدة في حربه ضد المسلمين، وفي تطهير منطقة القرن الإفريقي وشرق إفريقيا منهم. كما أبدى النجاشي الحبشي تحمسًا كبيرًا لخطة البرتغاليين التي ترمي إلى سحق المسلمين، وتدمير الأماكن المقدسة في مكة والمدينة، ثم الزحف شمالًا لاسترداد بيت المقدس، وتحويل مجرى النيل إلى البحر الأحمر لجعل مصر بأسرها صحراء قاحلة، وطلب نجاشي الحبشة، أن يكون له دور في تنفيذ تلك الخطة. ولذلك فقد أتاح لهم المجال لتوطيد نفوذهم في القرن الإفريقي وشرق إفريقيا وفي البحر الأحمر، وجزر دهلك، المقابلة لميناء جدة، الذي يريدون العبور إليه تمهيدًا للوصول إلى مكة والمدينة لتخريبهما. فقد وحد الدين المسيحي بينهم برغم الفوارق المذهبية الكبيرة بينهم، فالأحباش يعاقبة أرثوذكس، والبرتغاليون كاثوليك. وفي خطاباته لملك البرتغال ومحاوراته مع السفير البرتغالي، ركز نجاشي الحبشة على ما يلي: 1 - حث ملك البرتغال على أن يواصل الحرب ضد المسلمين حتى يتم القضاء عليهم نهائيًا، وحتى يتم الاستيلاء على بيت المقدس. 2 - الطلب إلى البرتغاليين بأن يقدموا كل معونة ومساعدة له حتى يتمكن من الوقوف أمام القوى الإسلامية المحيطة به. 3 - الطلب إليهم أيضًا إرسال الخبراء والفنيين لمساعدته في تطوير بلاده وفي صنع الأسلحة لمحاربة المسلمين. 4 - رأى النجاشي أنه يجب على دول أوربا أن تتعاون معًا في إرسال قواتها إلى البحر الأحمر مع البرتغاليين وأن يقوموا بمساعدة القوات الحبشية في الاستيلاء على جدة ومكة والقاهرة وغيرها من المدن الإسلامية، ولكن هذا الاقتراح لم يعجب البرتغاليين. ثانيًا: سطوع نجم الإمام أحمد جوري: وفي هذه الفترة سطع نجم بطل من أبطال الإسلام، مجاهد من كبار المجاهدين، في شرق إفريقيا والصومال، ألا وهو أحمد بن إبراهيم الغازي، موحد المسلمين في هذه الديار، والقائد الفذ، صاحب الفتوح الواسعة في بلاد الحبشة ومناطق شرق إفريقيا. وكان ميلاد هذا البطل، الذي عرف فيما بعد باسم «أحمد جوري» أو «غُري»، وتعني الأعسر في اللغة الصومالية، في عام 908هـ، وكان مسقط رأسه في «هوبت» التي تقع على مقربة من «هرر» المدينة التاريخية التي أنشأها المسلمون في أواخر القرن الأول الهجري. وكانت هرر، إذ ذاك، إحدى الولايات الهامة التي تتكون منها إمارة «عدل» الإسلامية، وإحدى أهم مراكز العلم والإشعاع الإسلامي في شرق إفريقيا، الأمر الذي أتاح له أن يتثقف ثقافة دينية غزيرة، وأن ينال قسطًا من العلم والفقه، على مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه، وهو المذهب السائد في هذه المنطقة وفي اليمن والحجاز... المقال https://www.albayan.co.uk/MGZarticle2.aspx?id=4178 🔴 من مقالات #مجلة_البيان عدد(333) لشهر جمادى الأولى 1436 هـ

#الباب_المفتوح (أرشيف) المرأة في مرآة المفكر مالك بن نبي بقلم/ أ.د. حفيظ اسليماني إن المطلع على ما كتب حول المرأة سيجد كماً كبيراً من الكتب والمقالات حول هذا الموضوع، إلا إن الكتب التي أعطت الموضوع حقه منهجياً قليلة، وسنتوقف في هذا المقال مع المفكر الجزائري مالك بن نبي ومقاربته لموضوع «المرأة»، خصوصاً أنه صاحب نظرة إصلاحية مبنية على المنهج، ويكفي القارئ أن يعود إلى كتبه ليقف على سعة فكره وتصوره للتغيير الحقيقي. «قضية المرأة» وفق رؤية المفكر مالك بن نبي ليست قضية يتم البحث فيها بعيداً عن قضية الرجل، بل القضيتان معاً في حقيقتيهما قضية واحدة، وهي قضية «الفرد والمجتمع»، وهنا يرى ابن نبي أنه عند التطرق للموضوع من الضروري استبعاد أولئك الذين نصبوا أنفسهم ذادة عن الحقوق المرأة من كتاب الشرق أو الغرب، كما يرى أيضاً أنه ليس بمجدٍ عقد مقارنة بين الرجل والمرأة ثم نخرج بنتائج كمية تشير إلى قيمة المرأة في المجتمع وأنها أكبر أو أصغر من قيمة الرجل، أو تساويها، فليست هذه الأحكام سوى افتئات على حقيقة الأمر ومحض افتراء، بل أكد أن الأقاويل عن حقوق المرأة وتحريرها أو المطالبة بإبعادها من المجتمع مجرد تعبير عن نزعات جنسية لاشعورية. يرى ابن نبي أنه ينبغي أولاً أن تصفى هذه النزاعات، ثم تُحل القضية حلاً يكون الاعتبار فيه لمصلحة المجتمع، فالمرأة والرجل يكونان الفرد في المجتمع: فهي شق الفرد، كما أن الرجل شقه الآخر. وبين الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: «النساء شقائق الرجال»، والله عز وجل خلقهما من نفس واحدة، مصداقاً لقوله الكريم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} [النساء: ١]، يقول ابن نبي: «المرأة والرجل قطبا الإنسانية، ولا معنى لأحدهما بغير الآخر، فلئن كان الرجل قد أتى في مجال الفن بالمعجزات، فإن المرأة قد كونت نوابغ الرجال. ونحن نرى لزاماً علينا أن يكون تناولنا للموضوع بعيداً عن تلك الأناشيد الشعرية، التي تدعو إلى تحرير المرأة، فالمشكلة لا تتحدد في الجنس اللطيف فحسب، أو في بنات المدن، أو بنات الأسر الراقية، بل هي فوق ذلك تتعلق بتقدم المجتمع وتحديد مستقبله وحضارته»[1]. يؤكد ابن نبي أيضاً أنه إذا ما تساءلنا: هل يجب نزع الحجاب؟ هل يسوغ للمرأة التدخين؟ أو التصويت في الانتخابات؟ أو هل يجب عليها أن تتعلم؟ فينبغي ألا يكون الجواب على هذه الأسئلة بدافع مصلحة المرأة وحدها، بل بدافع حاجة المجتمع وتقدمه الحضاري، إذ ليست الغاية في إشراكها في هذا المجتمع إلا الإفادة منها في رفع مستوى المرأة ذاتها، إذن ليس من المفيد النظر إلى مشكلة المرأة بغير هذا المنظار. يقول ابن نبي: «ولقد نعلم أنه يضيق صدر بعض ذوي الأذواق الرقيقة بما نقول. فيحتجون علينا بأن مثل هذا الموقف يذيب المرأة في المجتمع، ولكننا نقول لهم: إن إعطاء حقوق المرأة على حساب المجتمع معناه تدهور المجتمع، وبالتالي تدهورها، أليست عضواً فيه؟ فالقضية ليست قضية فرد، وإنما هي قضية مجتمع»[2]. كما انتقد ابن نبي قضية اللباس وصلتها بحل المشكلة، قائلاً: «لقد بدأت المرأة المسلمة التي كانت إلى زمن قريب تلبس (الملاية) في إفراط تسلك في سيرها الاجتماعي الطريق الذي رسمته أوربا لنسائها، متخيلة أن في ذلك حلاً لمشكلتها الاجتماعية»[3]، وهنا يتأسف ابن نبي من حصر نساء الشرق مشكلتهن في الزي، مؤكداً أن مشكلة المرأة مشكلة إنسانية يتوقف على حلها تقدم المدنية، فلا يكون حلها بمجرد تقليد ظاهري لأفعال المرأة الأوربية، دون نظر إلى الأسس التي بنت عليها المرأة الأوربية سيرها. إن مسألة تحديد مهمة المرأة في المجتمع، ينبغي النظر إليها وهي تسير منسجمة مع المشكلات الاجتماعية الأخرى في سبيل تقدم المدنية. ويتساءل ابن نبي: هل من المفيد للمرأة المسلمة أن نجعلها في مركز تشبه فيه أختها الأوربية؟ وهنا يقول ابن نبي إنه بشيء «من النظر نرى أن انتقالنا بالمرأة من امرأة محجبة إلى امرأة سافرة، تطالع الصحف وتنتخب، وتعمل في المصنع لم يحل المشكلة، فهي لا تزال قائمة، وكل الذي فعلناه أننا نقلنا المرأة من حالة إلى حالة»[4]. يعطي ابن نبي المثال بمشكلة النسل لدى أوربا، فبمشكلة النسل فقدت أوربا تنظيمها الاجتماعي إلى حد ما. هكذا إذن يرى ابن نبي أنه من الواجب أن توضع المرأة هنا وهناك حيث تؤدي دورها خادمة للحضارة، وملهمة لذوق الجمال وروح الأخلاق، ذلك الدور الذي بعثها الله فيه أماً، وزوجة للرجل. وحبذا لو أن نساءنا عقدن مؤتمراً عاماً يحددن فيه مهمة المرأة بالنسبة لصالح المجتمع، حتى لا تكون ضحية جهلها، وجهل الرجل بطبيعة دورها فإن ذلك أجدى علينا من كلمات جوفاء ليس لها في منطق العلم مدلول، يقول: «إني لا أرى مشكلة المرأة بالشيء الذي يحله قلم كاتب في مقال أو في كتاب. ولكني أرى أن هذه المشكلة متعددة الجوانب، ولها في كل ناحية من نواحي المجتمع نصيب؛ فالمرأة كإنسان تشترك في كل نتاج إنساني أو هكذا يجب أن تكون»[5]. وقد انتقد مالك بن نبي عمل المرأة الأوربية، معتبراً أن المجتمع الذي حررها قذف بها إلى أتون المصنع في بيئة مليئة بالأخطار على أخلاقها، وتركها في حرية مشؤومة، ليس لها ولا للمجتمع فيها نفع، يقول ابن نبي: «نعم إننا نرى المرأة في تطور، ولكننا لم نشرع بعد في التخطيط الدقيق لجميع أطوارها، فنحن نراها في مظاهرها الجديدة فتاة في المدرسة، وفي حركة كشفية، وفي تسابق في الحياة العامة، عاملة، ومولدة، وطبيبة، ومدرسة، وعاملة في المصنع والأوتوبيس، ونائبة...»[6]. ونبه ابن نبي إلى أنه مهما يكن عجزنا كبيراً عن تخطيط مراحل تطور الفتاة المسلمة، فإنه يلزمنا عند أي تخطيط ألا نغفل بعض القضايا الجوهرية، كقضية «الحضور» أي حضور المرأة في المجتمع حضوراً بيِّناً. يقول ابن نبي: «القضية إذن من حيث إنها تتطلب التنفيذ هي في النهاية موقوفة على من بيده وسائل التنفيذ. ولا شك أن مؤتمراً يحدث فيه ما يسميه الفقهاء بالإجماع هو الكفيل بهذا، فالقضية تتطلب بالضبط إجماعاً»[7]. وما تجدر الإشارة إليه أن المسايرة ضرورية لينجح المشروع، مشروع تكون فيه المرأة إلى جانب أخيها الرجل يداً في يد لبناء مجتمع حضاري بعيداً عن الشعارات النظرية. وجملة القول، إن المفكر مالك بن نبي قد أفلح في التطرق لموضوع المرأة، مبيناً عيوب غيره في مقاربة الموضوع، مقدماً الحل والمنهجية الصحيحة التي يجب على الجميع اتباعها لتكون المرأة عنصر التغيير الحقيقي رفقة للرجل، بعيداً عن التفرقة غير المعقولة التي لن تزيد الطين إلا بلة، فالمرأة ركيزة أساسية في عملية البناء الحضاري، فتهميشها هو تعطيل لمشاريع النهوض التي تعيد للأمة مجدها... المقال https://www.albayan.co.uk/MGZArticle2.aspx?ID=5905 🔴 من مقالات #مجلة_البيان عدد(363) لشهر ذو الـقـعـدة 1438 هـ

#بين_يدي_الساعة_وقفات_تربوية معارف شتَّى وجَهْلٌ كثير (1 - 2) بقلم/ فايز بن سعيد الزهراني عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن من أشراط الساعة أن يُرْفَع العِلْم، ويَثبت الجهل»[1]. هذا حديث صحيح صريح في خفوت العلم بين يدي الساعة وتفشّي الجهل. والمقصود هو عِلْم الدين الأصيل، المأخوذ من الكتاب والسنة وعمل الصحابة -رضي الله عنهم-. ثم إن لهذا الحديث تكملةً وألفاظًا تدلّ على امتدادات واقترانات؛ ففي هذا الحديث عن أنس -رضي الله عنه-: «إن من أشراط الساعة أن يُرْفَع العِلْم، ويَثبت الجهل، ويُشْرَب الخمر ويظهر الزنا». وفي بعض النُّسخ لصحيح مسلم: «ويُبَثّ الجهل»[2]. وفي لفظ: «إن من أشراط الساعة أن يُرفع العلم، ويكثر الجهل، ويكثر الزنا، ويكثر شرب الخمر، ويقل الرجال، ويكثر النساء حتى يكون لخمسين امرأة القَيّم الواحد»[3]. وفي رواية عن أبي وائل قال: كنت جالسًا مع عبد الله بن مسعود وأبي موسى -رضي الله عنهما- فقالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن بين يدي الساعة أيامًا يُرفَع فيها العلم، وينزل فيها الجهل، ويكثر فيها الهرج؛ والهرج القتل»[4]. وفي رواية أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يتقارب الزمان، ويُقبَض العِلْم، وتظهر الفتن، ويُلقَى الشُّح، ويكثر الهرج، قالوا: وما الهرج؟ قال: القتل»[5]. وفي لفظ: «وينقص العلم». العلم الشرعي قوام المجتمعات لقد أدرك السلف قوة العلم الشرعي في نهضة المجتمعات ورقيّها الإنساني، فعن عبد الله بن المبارك، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب قال: بلغنا عن رجال من أهل العلم قالوا: «الاعتصام بالسُّنن نجاة، والعلم يُقْبَض قبضًا سريعًا؛ فَنَعْشُ العِلْم ثباتُ الدين والدنيا، وذهاب ذلك كله في ذهاب العلم»[6]. وقد قال بعض أهل التفسير من السلف، مثل ابن عباس وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير في قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا﴾ [الرعد: ٤١]: إن نقص الأرض من أطرافها «موت العلماء والفقهاء»[7]. قال ابن عطية: «وكل ما ذُكِرَ يدخل في لفظ الآية»[8]، بوصفه جزءًا من خراب الأرض. هذا، وإن روايات «رفع العلم» تفيد أمرين: 1- نقص العلم وازدياد الجهل قبل قيام الساعة. 2- هذه العلامة لها ما يتبعها من اضطراب ديني واختلال اجتماعي. قال ابن هبيرة: «في هذا الحديث من الفقه أنّ قدَر الله -تعالى- قد سبق أن يكون خراب الأرض عقيب كثرة الفساد فيها، وأنه إذا رُفع العلم ووُضِع الجهل»[9]. إن هذه الروايات تدل على خطر عظيم قادم، أو ربما بدأت بوادره في الظهور من زمن، كما حكى العلماء شيئًا من ذلك، قال ابن بطال: «وجميع ما تضمَّنه هذا الحديث من الأشراط قد رأيناها عيانًا؛ فقد نقص العلم، وظهر الجهل، وأُلقي الشُّح في القلوب، وعمَّت الفتن وكثُر القتل». وتعقَّبه ابن حجر فقال: «الذي يظهر أن الذي شاهَده كان منه الكثير مع وجود مقابله، والمراد من الحديث استحكام ذلك حتى لا يبقى مما يقابله إلا النادر، وإليه الإشارة بالتعبير بقَبْض العلم فلا يبقى إلا الجهل الصِّرف. ولا يمنع من ذلك وجود طائفة من أهل العلم؛ لأنهم يكونون حينئذ مغمورين في أولئك، ويؤيد ذلك ما أخرجه ابن ماجه بسند قوي عن حذيفة قال: «يُدْرَسُ الإسلامُ، كما يُدْرَسُ وشْيُ الثوبِ، حتى لا يُدْرَى ما صيامٌ، ولا صلاةٌ ولا نُسُكٌ ولا صدَقَةٌ، ويُسْرَى على كتابِ اللهِ في ليلةٍ، فلا يبقى في الأرضِ منه آيَةٌ، وتبقى طوائفٌ من الناسِ؛ الشيخُ الكبيرُ والعجوزُ يقولونَ: أدركْنا آباءَنا على هذِهِ الكلِمَةِ، يقولونَ: لا إلَهَ إلَّا اللهُ، فنحنُ نقولُها»[10]. ثم قال ابن حجر: «والواقع أن الصفات المذكورة وُجِدَت مباديها من عهد الصحابة، ثم صارت تكثر في بعض الأماكن دون بعض. والذي يعقبه قيام الساعة استحكام ذلك كما قررته، وقد مضى من الوقت الذي قال فيه ابن بطال ما قال نحو ثلاثمائة وخمسين سنة؛ والصفات المذكورة في ازدياد في جميع البلاد، لكن يقل بعضها في بعض، ويكثر بعضها في بعض، وكلما مضت طبقة ظهر النقص الكثير في التي تليها»[11]. وتأمل ما يقترن بتفشّي الجهل وخفوت العِلْم من الفتن والبلايا والرزايا، تُدرك أن خبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ليس لمجرد الإخبار وإظهار معجزات النبوة، فإن هناك تكليفًا يكمن وراء هذه الإخبارات، على صاحبها الصادق المصدوق أفضل الصلاة والسلام. قال ابن حجر: «وكأن هذه الأمور خُصَّت بالذِّكر لكونها مُشعِرة باختلال الأمور التي يحصل بحفظها صلاح المعاش والمعاد، وهي: الدِّين؛ لأن رَفْع العلم يُخِلّ به، والعقل لأن شرب الخمر يُخِلّ به، والنسب لأن الزنا يُخِلّ به، والنفس والمال لأن كثرة الفتن تُخِل بهما»[12]. الطريق إلى مجتمعات جاهلة ألفاظ الأحاديث راوحت بين الرفع والقبض والنقص، فاعتُبِرَ البدء بالنقص والانتهاء بالرفع. ولنَقْص العلم الشرعي في المجتمعات أسباب وصُور يُعرَف بها تحقُّق الحديث؛ فمن ذلك: - فقد العلماء: وهو من أبرز صور التراجع العلمي، وقد جاء في ذلك حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يترك عالمًا اتخذ الناس رُؤوسًا جهالاً، فسُئلوا فأفتوا بغير علم، فضلُّوا وأَضلُّوا»[13]. ولما سمع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أبا هريرة يقول: «يُرفَع العِلْم» قال عمر: «أمَا إنه ليس يُنزَع من صدور العلماء، ولكن يذهب العلماء»[14]. فموت العالم يُحْدِث ثغرة في الجدار العلمي للمجتمع، فيحصل اضطراب ما، فيبحث الناس عمَّن يُفتيهم في نوازلهم وأقضيتهم فيتجرأ الجهلاء على التصدّي لهذا الشأن العلمي الكبير. وكم رأينا ممن يتطاول على العلم الشرعي بعد وفاة الأكابر من أهل العلم، ولم يجد مَن يردعه، فإلى الله المشتكى. ويُشبه موت العلماء: عَزْلهم عن المجتمع، وعزل المجتمع عنهم، فإن العالم إذا لم يكن متداخلاً مع قضايا مجتمعه وأُمّته، فكأنه مات، ولم يُنتفع به، وتخبَّط الناس في دينهم ودنياهم، وتسبَّب ذلك في وقوع الأخطاء الكبرى. ومن صور عزلهم: ما تقوم به كثير من الجامعات والكليات من إغراق المنتسبين للهيئات التعليمية بها في الأعمال الإدارية والأبحاث العقيمة التي لا تتصل بالمجتمع، ولا تنهض بالأمة، ولا تصنع الحلول لأزماتها، ولا تبدع في إنتاج أفكار جديدة مُؤصَّلة شرعًا، حتى إنك لربما رأيت في المدينة الواحدة عشرات من العلماء وعشرات من طلبة العلم، لكنّ المجتمعات تَفتقدهم ولا تعرفهم.... المقال https://albayan.co.uk/MGZarticle2.aspx?ID=33372 🔴 من مقالات #مجلة_البيان عدد(459) لشهر ذو القعدة 1446هـ

#قضايا_تربوية (أرشيف) دعائم تربوية من خلال الموعظة القرآنية بقلم/ د. أحمد بن بازز الحديث عن التربية حديث مهم تنبع أهميته من أهمية التربية نفسها، وذلك باعتبارها المدخل الصحيح لإيجاد الشخصية المسلمة المتزنة المستقيمة، وتنشئة جيل فاقهٍ لدينه متمسك به، عامل به وداعٍ إليه، ليحقق خيرية الأمة[1]. ويَحسُن بنا في بداية هذا المقال أن نعرِّف بالتربية من جانبيها (اللغوي والاصطلاحي): التربية في اللغة: يقول الراغب الأصفهاني: الرب في الأصل: التربية، وهو إنشاء الشيء حالاً فحالاً، إلى حد التمام، يقال: ربه ورباه ورببه[2]. أما في الاصطلاح الشرعي فهي: تنشئة الفرد وإعداده على نحو متكامل في جميع الجوانب العقدية والعبادية والأخلاقية، والعقلية والصحية، وتنظيم سلوكه وعواطفه في إطار كلِّي يستند إلى شريعة الإسلام[3]. من هنا يتبين أن التربية - بمفهومها الإسلامي - تُعنَى بتصحيح التصورات، ثم تصحيح التعبدات، ثم تصحيح السلوك الاجتماعي[4]. وهذا ما تجسده موعظة لقمان التي نحن بصدد استخراج الدعائم التربوية منها. تتضمن الآيات - موضوع الدراسة - منهجاً تربوياً سامياً لمن امتثلها وعمل بمقتضاها كما يريد الآباء ورجال التربية... وهي تغنيهم عن غث النظريات التربوية المستوردة. جاءت هذه الموعظة تحمل إلينا دعائم تربوية من الأهمية بمكان، يستفيد منها المربي قبل المُربَّى (المتلقي)، ولا يستطيع المهتم بمجال التربية - مهما كان متضلعاً ومتخصصاً في هذا العلم - أن ينكر أهميتها وشموليتها لكل المناحي (الدينية والدنيوية)، في الأخلاق والآداب والمعاملات. قال - تعالى -: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْـحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ 12 وَإذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ13 وَوَصَّيْنَا الإنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إلَيَّ الْـمَصِيرُ 14 وَإن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إلَيَّ ثُمَّ إلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ 15 يَا بُنَيَّ إنَّهَا إن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ 16 يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْـمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْـمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ 17 وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ 18وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْـحَمِيرِ} [لقمان: 12 - 19]. بين يدي الموعظة: مما ينبغي أن نشير إليه ها هنا أن هذه الموعظة اتسمت بأمور جعلتْها بليغة ومثمرة: أولاً: أنها حكيمة وصادرة من حكيم[5]. ثانياً: استعمل لقمان الحكيم أسلوب النداء من باب المجاز لطلب حضور الذهن لوعي الخطاب. ثالثاً: استعمل التصغير لكلمة الابن (بني) لتنزيل المخاطَب الكبير منزلة الصغير كناية على الشفقة به والتحبب له، وفي مقام الموعظة يدل على تمحض النصح، وفيه حث على امتثال الموعظة. رابعاً: تكرار أسلوب النداء بين هذه الوصايا التي ضمتها الموعظة لتجديد نشاط السامع لوعي فحوى الخطاب. ويستفاد مما ذكر أن استقبال الخطاب وفهم مراميه يختلف من شخص لآخر وَفْق استعداداته وإمكاناته العقلية، ولذلك ينبغي مراعاة ذلك حتى يكون لما يُلقيه المربي (أباً كان أو مدرساً) من أقوال أو توجيهات قبول حسن ينتفع به سامعه[6]. إن القرآن قد زكى هذه الموعظة الحكمة فسطرها - سبحانه – في كتابه وصية ذهبية صالحة لكل زمان ومكان، متى امتثلها الإنسان انتفع بها أيما انتفاع، ونحن من منطلق عقيدتنا الإسلامية أَوْلى بها من غيرنا، وأن نستفيد منها كما سطرها الوحي في ثنايا المصحف الشريف، دون أن تحتاج إلى صياغتها في قوالب تشبه تلك النظريات التربوية الفاشلة المستوردة (بأموال طائلة) من غرب عالمنا وشرقه لأسماء بشرية يعتري النقص والقصور أفكارهم. وقفة مع لقمان الحكيم: من باب الوقوف على قائل هذه الموعظة البليغة لمعرفة أسبابها ونتائجها والعلاقة بين القائل والسامع يَحسُن بنا أن نعرِّف بصاحب النص (الذي حكى القرآن موعظته) على عكس البنيويين الذين يقولون بموت صاحب النص. فلقمان: اسمه لقمان بن عنقاء بن سدون، وكان أسود البشرة، اختلف أهل العلم في شأنه: هل هو نبي أم حكيم صالح فقط، غير أن ما ذهب إليه الجمهور أنه لم يكن نبياً بل كان حكيماً قذف الله في قلبه الحكمة فنطق بها[7]، وقد قال الله - تعالى -: {وَمَن يُؤْتَ الْـحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [البقرة: 269]. مع الموعظة: بيَّن أهل العلم أن الأقوال المنسوبة إلى لقمان كثيرة، وقد عدَّ الطاهر بن عاشور[8] في تفسيره حِكَمه المأثورة في سبعين حكمة غير ما ذُكر في سورة لقمان موضوع بحثنا التي جمعت أصول الشريعة، وهي... المقال https://albayan.co.uk/MGZArticle2.aspx?ID=1544 🔴 من مقالات #مجلة_البيان عدد(293) لشهر محرم 1433 هـ

#قراءة (أرشيف) خصائص الأمة الإسلامية عند المجدد "محمد رشيد رضا" بقلم/ د. محمود سعد الوسطية من خصائص الأمة الإسلامية: يفرض التأسيس السابق لمفهوم الأمة الإسلامية عند الشيخ محمد رشيد رضا أن نلمس الخصائص المميزة لها، وهي التي يُخلَص إليها من خلال ذلك المفهوم وأبعاده في علاقته بعقيدتها وقيمها، ولعلها من التعدد بما يناسب تطور تجربة الأمة التاريخية المؤسَّسة على هذه العقيدة وتلك القيم؛ غير أن هذه الخصائص من الكثرة بمكان؛ بحيث يستطيع القارئ أن يستشف بعضها في ما سطره في مفهوم الأمة؛ فهي - مثلاً - أمة التوحيد الخالص، وأمة العلم، والأمة الحافظة لتراث النبوات (الإسلام)، وأمة الحوار، أو يرى بعضها في ثنايا تفسير المنار؛ فمن خصائص الأمة القبلة، والتعبُّد بها إنما يكون بطاعة الله بها لا بسرٍّ في ذاتها أو مكانها، وأن حكمتها اجتماع الأمة عليها الذي هو من أسباب اتحادهم وجمع كلمتهم[1]. تجدر الإشارة بداية أن هذه الخصيصة التي تميز بها الإسلام منهجاً، قد تميزت بها أمة الإسلام عن أمم الشرائع السابقة التي حُرِّف بعضها إلى الغلو المادي، وحُرِّف بعضها الآخر إلى الغلو الروحاني. فإذا ما عدنا إلى رشيد رضا فإننا سنجده يلتقي مع شيخه محمد عبده في مفهوم الوسطية الإسلامية؛ فهي القائمة على أساس الاستقلال العقلي في فهم حقيقة الدين وجوهره، وكونه وسطاً بين أطراف مذمومة؛ كالتوحيد بين الشرك والتعطيل، واتباع الوحي بين الابتداع والتقليد، والسخاء بين البخل والتقتير، وهي الوسطية المحقِّقة لمعنى الإنسانية بالجمع بين مصالح الروح والجسد[2]. وأما الأمة الإسلامية فقد جمع الله لها في دينها الحقين: حق الروح وحق الجسد؛ فهي روحانية جسمانية، وإن شئت قلت: إنه أعطاها جميع حقوق الإنسانية؛ فإن الإنسان جسم وروح، حيوان ومَلَك، فكأنه قال: جعلناكم أمة وسطاً، تعرفون الحقَّين وتبلغون الكمالَين[3]. وهي عند محمد عمارة (الوسطية الجامعة) التي تمثل بالنسبة للإصلاح الإسلامي طوق النجاة من تمزق وانشطارية وثنائية المتقابلات المتناقضة؛ على النحو الذي حدث في حضارات أخرى، وفي الحضارة الغربية على وجه التحديد. وهي الشمول الذي تبلغه تأثيراتها عندما تُراعى وتوضَع في الممارسة والتطبيق[4]. إلا أن رشيد رضا يضيف بُعداً آخر لمعنى الوسطية فيرى أنها (مبنية على أساس الاستقلال البشري اللائق بسنِّ الرشد وطور ارتقاء العقل؛ ولذلك كانت الأحكام الدنيوية في كتابها قليلة، وفرض فيها الاجتهاد؛ لأن الراشد يفوَّض إليه أمر نفسه؛ فلا يقيد إلا بما يمكن أن يعقله من الأصول القطعية، ومن مقومات أمته الملِّية التي لا تختلف باختلاف الزمان والمكان)[5]. وتتفق نظرة رشيد رضا مع الدريني الذي يرى أن الإسلام احتكم إلى العقل في أعظم قضاياه: من الإيمان بعقائده وقيمه العليا، وحقيقتها؛ فلأن يحتكم إليها في التصرف في مقررات التشريع اجتهاداً، واستنباطاً، وتطبيقاً، بما يحقق مفاهيمها وغاياتها في المجتمع الإنساني من باب أَوْلَى[6]. وفي إطار مفهوم الأمة وخصائصها عند رشيد رضا نلمح مجموعة من المؤثرات التي تعتبر من مقومات الرفعة أو الضعة في تكوين الأمة، وعندما يذكرها رشيد رضا في هذا السياق فإنما يقصد بها رسم طريق الإصلاح ومعالجة أمراض الأمة والمفاهيم المادية التي سيطرت عليها فأضعفتها: 1 - علاقة النفس البشرية بالمنهج: من طبائع الاجتماع - والكلام في الأمم كلام في طبائع الاجتماع[7]- عند رشيد رضا أن النفس البشرية إذا صلحت أصلحت كل شيء تأخذ به وتتولى أمره؛ فالإنسان سيد هذه الأرض، وصلاحها وفسادها منوط بصلاحه وفساده، وليست الثروة ولا وسائلها (من صناعة وزراعة وتجارة) هي المعيار لصلاح البشر، ولا الملك ووسائله (من القوة والسياسة). فإن البشر قد أوجدوا كل وسائل الملك والحضارة من علوم وفنون وأعمال بعد أن لم تكن فهي إذاً نابعة من مَعِين الاستعداد الإنساني، تابعة له دون العكس، ودليل ذلك في العكس كدليله في الطرد، فإننا نحن المسلمين وكثيراً من الشعوب التي ورثت الملك والحضارة عن سلف أوجدهما من العدم: ممن أضاعوهما بعد وجودهما بفساد أنفسهم[8]. 2 - خصائص الأفراد: يرى رشيد رضا أن صلاح الأمم يُرَد إلى صلاح أفرادها في إطار منهج الهداية؛ إلا أنه يعتبر أن صلاح الفرد مقيس بولائه لأمته ومدى ارتباطه بها وإفادته لها؛ لأن خصائص الأمة تنبع من خصائص الأفراد (ولا يكتفي من المؤمن أن يكتسب بالحلال، ويتمتع بالحلال، وينفع نفسه ولا يضر غيره، وأن يصلي ويصوم؛ لأن كل هذا يعمله لنفسه خاصة، بل يجب أن يكون وجوده أوسع وعمله أشمل وأنفع؛ فيساعد على نفع الناس ودرء الضرر عنهم بحفظ الشريعة، وتعزيز الأمة بالمال والأعمال، والدعوة إلى الخير ومقاومة الشر؛ ولو أفضى ذلك إلى بذل روحه. فإن قصَّر في واجب يتعلق بحفظ الملَّة وعزة الأمة من غير عذر شرعي فقد آثر نفسه على مرضاة الله - تعالى - وخرج من زمرة كَمَلة المؤمنين الذين باعوا أنفسهم لله - تعالى - وكان أكبر إجراماً ممن يقصِّر في واجب لا يضر تقصيره فيه إلا بنفسه؛ ذلك أن الحكمة في تربية النفس بالأعمال الحسنة والأخلاق الفاضلة هي أن ترتقي ويتسع وجودها في الدنيا، فيعظُم خيرها وينتفع الناس بها، وتكون في الآخرة أهلاً لجوار الله - تعالى - مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين الذين بذلوا أنفسهم وأموالهم، وجعلوا أكثر أعمالهم خدمة للناس وسعياً في خيرهم؛ فإن الله - سبحانه وتعالى - لم يشتر أنفس المؤمنين من الحظوظ والشهوات الشخصية الخسيسة لأجل نفعه - سبحانه - أو دفع الضر عنه - جل شأنه - فهو غني عن العالمين؛ وإنما شرع هذا ليكون المؤمن - باتساع وجوده وعموم نفعه - سيد الناس، فَلْيَعرض مدَّعو الإيمان أنفسهم على الآية وأمثالها؛ فمن ادَّعى أنه من الذين باعوا أنفسهم لله وآثروا مرضاته على ما سواه، فَلْيَعرِضْه غيره من المنصفين عليها؛ ولا سيما إذا ادَّعى أنه واسع الوجود خادم للأمة والملة. لا جرم أن كثيراً منهم لا يصدق عليهم شيء من ذلك)[9]. ثم يضرب رشيد رضا مثلاً في حاجة الأمة للمال لدفع الفساد والإنفاق في المصالح العامة يقول: (ومن الواجب على أغنياء المسلمين إذا وقع الفساد في الأمة وتوقفت إزالته على المال أن يبذلوه لدفع المفاسد الفاشية والغوائل الغاشية، وحفظ المصالح العامة)... المقال https://www.albayan.co.uk/MGZarticle2.aspx?ID=1421 🔴 من مقالات #مجلة_البيان عدد(291) لشهر ذو القعدة 1432 هـ

#قراءة (أرشيف) تغير العقل بقلم/ عبدالله بن عبدالرحمن الوهيبي العنوان: «تغير العقل.. كيف تترك التقنيات الرقمية بصماتها على أدمغتنا». المؤلف: سوزان غرينفيلد. الناشر: عالم المعرفة. تاريخ النشر: فبراير 2017م. في ديسمبر 2011م عقد مجلس اللوردات البريطاني حلقة نقاش حول تأثير التقنيات الرقمية على العقل، وشاركت المؤلفة (سوزان غرينفيلد) في هذه الحلقة بتقديم وجهة نظرها في هذا الصدد من منظور تخصصها في العلوم العصبية، وبدا كما تقول المؤلفة حماس معظم اللوردات للتأكيد على فوائد التقنية، وانبرى وكيل الوزارة البريطاني للمدارس حينها للقول إنه «ليس على علم بوجود قاعدة أدلة واسعة على الآثار السلبية للاستخدام المعقول والمتسق للتقنية»، وهذا ما استفز المؤلفة للرد، وفي هذا الوقت طُلب من المؤلفة تأليف كتاب عن الموضوع، فكانت الفرصة مواتية لتقديم مرافعة موسعة لنقض أطروحة الوزير المذكور، وتلبية الاحتياج المجتمعي لهذا النوع من الأبحاث. يقع الكتاب في عشرين فصلاً، تستعرض المؤلفة من خلالها ملامح الثورة التقنية الرقمية الجديدة وآثارها، وقبل ذلك خصصت عدة فصول لشرح تركيبة الدماغ وطرق عمله، وتسعى لتدعيم القول بأن الدماغ يجري نحته ليس بفعل الجينات وحسب، بل وبسبب الخبرات المتراكمة، أي إن التغيرات السلوكية تعكس تغيرات في الدماغ، والعكس صحيح أيضاً، فمن الممكن أن يغيّر السلوك الدماغ. وفي الفصول نفسها تحاول المؤلفة تقريب ما تقوله العلوم العصبية بخصوص الأساس الفيزيائي المحتمل للعقل والوعي. وبعد ذلك يناقش الكتاب عبر فصوله العديدة ثلاثة موضوعات رئيسة: تأثير الشبكات الاجتماعية في الهوية والعلاقات: وتشير المؤلفة هنا ابتداء لظاهرة الانغماس المفرط في شبكات التواصل، ففي 2011م اعترف 24% من مستخدمي مواقع شبكات التواصل الاجتماعي في الولايات المتحدة بأنهم غابوا عن فعالية رئيسة أو لحظة مهمة في حياتهم لأنهم كانوا مستغرقين تماماً في تحديث صفحاتهم على الشبكات حول هذه الفعالية أو اللحظة. كما تلاحظ ظاهرة التحول الكبيرة في الكيفية التي يتواصل بها البالغون اجتماعياً في العقدين الأخيرين، فبحسب بعض التقديرات كنا في العام 1978م نقضي في المتوسط 6 ساعات يومياً من التفاعل الاجتماعي وجهاً لوجه، و4 ساعات في التواصل عبر وسائل الإعلام الإلكترونية، وفي العام 2007م بتنا نقضي ما يقرب من 8 ساعات يومياً في التواصل عبر وسائل الإعلام الإلكترونية، وساعتين ونصف فقط من التفاعل الاجتماعي وجهاً لوجه. ويلخص عنوان كتاب عالمة النفس شيري تاركل (بمفردنا معاً) تأثيراً شائعاً لشبكات التواصل، وهو أنه كلما ازداد تواصل الناس عبر العوالم الافتراضية ازداد شعورهم بالوحدة. وتسهب المؤلفة في بيان مسببات انتشار الإفصاح عن الذات عبر شبكات التواصل ونشر المعلومات الشخصية، والتخفف من الخصوصية، ومن النتائج البحثية المهمة في هذا الصدد تلك التي ترى أن غياب التواصل وجهاً لوجه يؤدي إلى ارتفاع معدل الإفصاح الذاتي، لأننا لا نملك تلميحات بصرية، ولا نشاهد لغة جسد الطرف الآخر والتي قد تثنينا عن الاستمرار بالاعتراف والكشف عن ذواتنا، فلغة الجسد وتجنب التقاء العيون والمسافة المادية ونبرة الصوت قد تعمل جميعها بمنزلة تحذيرات تدعو لعدم إعطاء أكثر من اللازم في مرحلة مبكرة من العلاقة. وفي السياق نفسه تشير المؤلفة لظاهرة نقصان التعاطف و«التنمّر» في الشبكات التواصلية للسبب نفسه تقريباً الذي أدى لازدياد الإفصاح الذاتي، فعدم مشاهدة ردة فعل الطرف الآخر ولغة جسده وما يحتف بها قد يسهل من إيذاء مشاعره والتهجم عليه، كما يفتقر الفضاء الافتراضي للظروف التي تتيح الاعتذار أو القيام ببعض الإجراءات التعويضية. ويخبرنا الكتاب عن نتيجة لافتة في دراسة أجريت بجامعة هارفارد وهي أن مشاركة المرء للمعلومات الشخصية عن نفسه كما يحدث في شبكات التواصل ينشط أنظمة المكافأة في الدماغ بالطريقة نفسها التي يفعلها الغذاء والجنس. أما الآثار في مجال الهوية، فتتحدث المؤلفة عن مفارقة تستند لأبحاث أجريت على طلاب الجامعات لاستكشاف دوافعهم لاستخدام الفيسبوك، وهي أن أشد الناس رغبة في التعبير عن هويتهم الحقيقية في الفضاء الشبكي هم أولئك الذين يعتمدون بشدة على العلاقات في الفضاء الإلكتروني. وتظهر الأبحاث أن هوية الأفراد الذاتية التي يقدمونها عن أنفسهم عبر شبكات التواصل ليست هي الذات الحقيقية التي كانت تعرض سابقاً في البيئات الحاسوبية مجهولة الهوية (المنتديات مثلاً)، وإنما هي ذات مصممة بقصد ومرغوبة اجتماعياً، يطمح إليها الأفراد وإن لم يتمكنوا من تحقيقها. أو بعبارة أخرى يمكن القول أن صورة الذات المقدَّمة في شبكات التواصل هي نسخة مبالغ فيها من الذات الحقيقية. وتذهب المؤلفة للاعتقاد بأن ثقافة التواصل الاجتماعي قد تؤهل المستخدمين لامتلاك عقلية نرجسية، وهذا يفرض بدوره تدني احترام الذات، ومن خلال الاعتماد على شبكات التواصل لتلبية الحاجة للاستحسان فإن نظرة المستخدمين لأنفسهم تتضاءل بصورة مطردة، كما يستميتون في الآن ذاته لأن يلاحظ الآخرون وجودهم ويتفاعلوا معهم. إن التعلق المفرط باللحظة الحاضرة وبصورة متزايدة مع ما يرافقه من تكريس الوقت الطويل لمتطلبات العالم الخارجي يضعف من الشعور الحقيقي بالهوية الداخلية، فالاستمرار في نشر صورة المطعم الذي تزوره الآن أو المكان السياحي الذي تقطن فيه الآن وتلقي التفاعلات حيالها في اللحظة نفسها، والتوق للإعجابات والتعليقات، يفضي إلى توليد قدر من الإثارة أكبر من التجربة الحياتية نفسها. وتتحدث المؤلفة عن تزايد السطحية في التفاعلات الشبكية والتقييمات بسبب السرعة العالية اللازمة للاستجابة وتناقص الوقت المتاح للتأمل. ومع توافر بعض الأبحاث التي تحاول اكتشاف آثار التواصل الشبكي على بنية الدماغ إلا أنه لا ينبغي الإفراط في تأويلها في رأي المؤلفة، وبدلاً من ذلك علينا التفكير في الطرق المعقدة التي يستجيب بها الدماغ لهذه التطورات الرقمية، «من لحظة تفعيل نبضة من الدوبامين بفعل الاستجابة لأحدث تغريدة وحتى التشكيل الطويل الأجل لارتباطية الخلايا الدماغية، الأمر الذي سيؤدي في نهاية المطاف إلى إعادة ترتيب للمشابك العصبية تستمر طوال الحياة في أدمغة أولئك الذين قد يعتبرون نرجسيين أو قليلي الثقة بالنفس». تأثير ممارسة الألعاب الإلكترونية على الإدمان، والانتباه، والعدوانية: لقد ساعد ظهور الهواتف الذكية ربما على زيادة الإقبال على الألعاب الإلكترونية، وتشير بعض الدراسات إلى أن 36% من اللاعبين الأمريكيين يمارسون ألعابهم عبر هواتفهم الذكية. تتحدث المؤلفة باستفاضة في هذا السياق عن ظاهرة الإدمان على الألعاب الإلكترونية، ثم تطرح السؤال التالي: هل تركيبة الدماغ (تحديداً كبر منطقة المخطط البطني في الدماغ) لها تأثير على ميول أصحابها نحو ممارسة الألعاب أم أن الإفراط في ممارسة الألعاب قد ترك بصمته على الدماغ؟ وتقدم جواباً محتملاً وذلك أنه يمكن فهم كلا الأمرين بلا تعارض، فالهوس بالألعاب يؤثر في الحالة الدماغية، كما أن نمط تركيب الدماغ قد يوفر استعداداً خاصاً يزيد من احتمال الوقوع في إدمان الألعاب. وإن كانت الإجابة تحتمل أطروحة تفسيرية أكثر تعقيداً وتركيباً كما تلمح المؤلفة... المقال https://www.albayan.co.uk/MGZarticle2.aspx?ID=5904 🔴 من مقالات #مجلة_البيان عدد(363) لشهر ذو الـقـعـدة 1438 هـ

#نص_شعري إن المضاف إلى الجليل جليل بقلم/ ياسين أحمد مثقال القشعم أنَّــى لمثلــك فــي الأنــام عديـــلُ بل أين منـــك مــن العبــاد مثيــلُ أمَّن سواك إلى السماء قـد ارتقــى فــــي ليلـــةٍ أســرى بهــا جبـريــلُ يا سيد العُرب الكمـــاة وسيــد الـ رســل الكـــرام أنــا إليـــك أقــولُ أنا في لواك وفي رضاك مجاهـــدٌ وعلــى يمينــك مرهــفٌ وصليـــلُ خُضْ في الأعادي كلنا بك نقتدي وحُنيـن إن حمـي الوطيـس دليـلُ ما قد نطقتَ عن الهوى في لفظـة وإليــك كــان الوحـي والتنزيــــل ما حاط وصفك ذو الدراية والنهـى أنَّـى ومثلـك فــي العبـــاد كميـــلُ بشـــرٌ فلا تعـــرو سنــــاك نقيصــةٌ كـــلا ولا جـــرحٌ ولا تعـــديــــــــلُ أروي ترابك يا ابن هاشم من فمي حبــرًا علــى تُـرب البقيــع يسيـلُ إن قلت شعرًا فـي جنابك فـاق ما قــد قــال قبلـــي نهشــلٌ وطفيـلُ فزهيد شعري في مديحك ساطعٌ نجـــمٌ سمــا لــو للنجــــوم أفــولُ ولــك القصيــد وإن أتــاك مشذبًا فأمـــام كَلمـِــكَ خانـــــع وذليـــل صلَّى العلــيُّ عليــك يا ابـن كنانـة وملائــكُ الفُلـــك المنيــر تقــول إن الإلـــه بمــا حبـــــاك لواهبٌ والله يُعطــي والعطـــاءُ جزيــــلُ نظـم البيـان على بهائــك مسهـبٌ وكذا الكلامُ علــى الكمـال يطـولُ عيّا اللسان أمام حسنك واجمًـا والصمـت في حرم السناء قليـل أنا مـن أحبتــك الذيـن تشوقـــوا وهــمُ بحبّــك هـائـــــم وقـتيـــلُ إن جــاءت الأبيــات تتـرى لا تلم قلبـــي فإنـــي للحبيـــب أميـــلُ شوقي الذي أحيا الفؤاد ومات في شـــوق الأحبــة قيسهـم وجميلُ إيــهٍ رســول الله إن قصـائـــدي منـي إليكــم يـا رســولُ رســولُ جُـــلّ القصيــد إذا استعار بيانَـكم إنّ المضاف إلى الجميل جميــلُ وحكى اللسان عن الفؤاد قصيدة فالقلب ينطـق واللســان سبيــلُ نهــج النبـوة سفـر نـور لـم يـزل تروي خطاه صحائـف وفصــول وتراثُ أحمد في الخليقة لم يزل والشمس في كبد السمـاء دليـلُ والبــدر بعض من منازل حُسنـه بــل إن هــذا عنــد ذاك قليــــلُ والصبح غيضٌ من مباسم ثغره والنجـــم فـــي عليائـــه لنزيــلُ فإذا نظرت فمن سناك تجملــت عيــنٌ ويشفـى بالغـــرام غليــل هو ذلك النور السمـــاوي الــذي وهج النهــار براحتيــه ضئيــل المفــردات أبا البيــان هزيلــــة حاشا الكتاب فكل قول مُعجِبٍ وكذا القريض وإن أطلتُ قليل فيمــا ســواك فناقص وهزيلُ لو أن لي فيض البحار قوافيـا فعلى سبيل الحب سوف تسيل حبرًا يضوِّعه المديحُ وقرطسـا في عارضيه سينشــر التبجيـــل للهاشمـــي أبي البتـول محمــد خير الأنام مجاهد ورســــــول 🔴 من مقالات #مجلة_البيان عدد(459) لشهر ذو القعدة 1446هـ https://albayan.co.uk/MGZadadarticles.aspx?ID=20207

#قراءة مقدمة في الطريق إلى أصالتنا وتراثنا بقلم/ أحمد متولي محمود السيد في أواسط الثمانينيات صنَّف الدكتور محمود الطناحي كتاب «الموجز في مراجع التراجم والبلدان والمصنفات وتعريفات العلوم»[1]؛ ليكون دليلًا لطلبة الدراسات العليا في جامعة أُم القرى بمكة المكرمة، يستعينون به في دراستهم وأبحاثهم. وكان هذا المُصنّف الأقرب إلى رسالة مفصّلة أكثر من كونه كتابًا يحوي مقدمة جرى بها قلم صاحبها بالاستطراد والاسترسال، فوصل حجمها إلى قرابة ثلث المصنّف. وليس هذا ما يعنينا فيما كتبه الطناحي -رحمه الله- بقدر ما تعنينا أفكار الطناحي نفسه في هذه المقدمة التي لم تحظَ -رغم أهميتها وقيمة ما فيها من أفكار- بأهمية المقدمة التي كتبها شيخه؛ ربما لعدم انتباه أغلب الناس إلى كتابٍ يتحدَّث عن عناوين وطبعات الكتب التراثية في التراجم والبلدان، وغيرها! يبدأ الطناحي مقدمته بتصوير الحالة الثقافية في وقته؛ من حيث التشكيك الممنهج في تراث الأمة -لغةً وتاريخًا وعلومًا وثقافةً- تشكيكًا لم يقتصر فقط على وسائل الإعلام المرئي والمقروء، وإنما وصل إلى قاعات الدرس في الجامعات، وهذا التشكيك تُرْجِم بعد ذلك إلى ظاهرتين يلمّح إليهما الطناحي، ويذكر أثريهما فيما يذكر؛ ألا وهما: 1- وصول هذه الأفكار إلى الكتب والمناهج والمقررات التي يدرسها الطلبة في أقسام اللغة والأدب، وتحوّل بعضها إلى فلسفات غريبة لا يُفهَم منها شيء، ولا تُعبِّر عن فكر ملموس يستدلّ به أو عليه. 2- تلقّي المناهج الغربية والمستوردة في اللسانيات الحديثة وعلم الأصوات والنحو، والفرح بها، وترديد ما ذكره أهل هذه العلوم من أسبقية إبداعها وإنتاجها، في حين أن أصول هذه العلوم، وكثير مما يتباهى به الفرحون بالدعاية لها؛ موجود في تراثنا، معلوم مصدره عند مَن أقام عليه، ودرس في مصادر التراث دراسة واعية متأنية متمهلة لا تتعجل الحكم على الأشياء[2]. ثم ماذا كانت نتائج ذلك؟ كانت النتيجة تعميق سطحية الفكر عند أكثر طلبة الجامعات، وغياب أبسط بديهيات البحث لمعرفة مطالب دراساتهم. ويذكر الطناحي -مثالًا- أن أحد الطالب جاءه مُنكرًا على ابن منظور الذي لم يُورد معنى مصدر (التراث)، في حين أنه كان يجهل معرفة مصدر الكلمة الذي يُفترَض أن يبحث عنه أصلًا![3] أما أهمّ ما ذكره الطناحي في هذه المقدمة -بعد أن عرج على أثر هذه الأفكار ونتاجها في نفسه وفي أهل جيله ورفاقه والطلاب الذين عايشهم، ثم قدَّم لأهمية معرفة الطبيعة العامة للكتب والمراجع ومصادر التراث المختلفة وضرورة الإلمام بمفاتحها وتنوعها- فهو إشارته إلى حقيقتين مهمتين: أولهما: أنه لا يغني كتاب عن كتاب وهي نقد فكرة ذاعت وانتشرت ولا زالت للأسف تجد مَن يُروِّج لها حتى يومنا هذا؛ مفادها أن كتب التراث تتشابه كثيرًا، ولا بأس بأن يكتفي الدارس أو المُطالع بكتاب مِن كل فنّ، ويا حبذا لو كان مِن كتب المتأخرين؛ لأنه يُغني عن غيره، فلا حاجة للباحث أن يُطالع في أكثر من كتاب لنفس الفنّ؛ لأنها تتشابه في النهاية، ولا بأس أن تكون هناك مشاريع لغربلة هذا التراث وتنقيته، وانتقاء ما يصلح منه على أساس هذه الدعوة السابق ذِكْرها. وهي فكرة يجتهد الطناحي في عرضها، والتدليل على عدم صحتها، مبينًا أن أصحاب هذا الزعم يفتقرون إلى معرفة ما يتكلمون عنه، فلا أحد منهم يُقدِّم أساسًا للتفريق أو التمييز، أو يُقدِّم معيارًا لتفضيل ما يبقى أو تنحية ما لا يُحتاج إليه. ثم ينتقل الطناحي إلى نقض فكرة أخرى متمخّضة عن هذه الفكرة الأم؛ ألا وهي أن التراث الصالح للانتفاع والاحتجاج بأصالته وإبداعه يقتصر على الخمسة قرون الأولى؛ لأنها قرون الإبداع والخلق؛ كما يقول أصحاب هذه الدعوى فيُمحِّص دعواهم، ويذكر من أهل القرون؛ الثامن والتاسع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر، أعلامًا من مُصنّفي كتب العلوم والموسوعات العلمية، مثل ابن حجر، والسيوطي، والشهاب الخفاجي، والبغدادي صاحب خزانة الأدب، والمرتضى الزبيدي، والشوكاني، بكل ما لهم من مُؤلَّفات ومُصنَّفات. ويضرب الطناحي مثالًا بأحد القضايا اللغوية التي شاع ذكرها في معاجم المتأخرين (لسان العرب) و(تاج العروس)؛ وكلاهما يُعدّ من أشهر معاجم اللغة، وأغلب الباحثين يستغني بهما عن غيرهما، ودلل على تعاقب ذِكْرهما لخطأ تكرر ذِكْره دون تمحيص مع وجود دليل على عدم صحته. ويذكر الطناحي أيضًا قيمة المختصرات في التراث العربي، وأن بعضها يحوي من الفوائد ما لا يوجد في الأصل المختصر عنه[4]. أما القضية الثانية التي أشار إليها الطناحي فهي أن مجاز كتب التراث كتاب واحد… المقال https://albayan.co.uk/MGZarticle2.aspx?ID=33387 🔴 من مقالات #مجلة_البيان عدد(459) لشهر ذو القعدة 1446هـ