
مجلة البيان
February 6, 2025 at 03:32 PM
#المسلمون_والعالم
تفكيك العلاقة الملتبسة بين «إسرائيل» وإيران
بقلم/ أمير سعيد
«لقد دعم العبيديون (الفاطميون الشيعة)، الصليبيين في أول الأمر، ووجدوا فيهم حلفاء طبيعيين ضدَّ السلاجقة (السُّنَّة) خصومهم. وقد ذكرنا أنهم اتَّفقوا معهم على أن يحكم الصليبيون شمالي بلاد الشام، ويحكم العبيديون جنوبيها، وقد دخلوا بيت المقدس، غير أن الصليبيين عندما أحسُّوا بشيء من النصر تابعوا تقدُّمهم واصطدموا بالعبيديين، وبدأت الخلافات بينهما، فالعبيديون قد قاتلوا الصليبيين دفاعًا عن مناطقهم، وخوفًا على أنفسهم، ولم يقاتلوا دفاعًا عن الإسلام وحمايةً لأبنائه، ولو استمرَّ الصليبيون في اتفاقهم مع العبيديين لكان من الممكن أن يتقاسموا وإياهم ديار الإسلام».[1]
لربما لا تتغيَّر قواعد تفسير الوقائع السياسية على مرِّ العصور، لكنَّ قُدرة الناس على رؤيتها واستيعابها، تتفاوتُ بمقدار وعيها وإدراكها لتأثيرات العقيدة والسُّنن على الأحداث، واستكناه الدوافع والأسباب التي تجعل من البعيد قريبًا واللامنطقي معقولًا.
ولا تنفك الأحداث تبرهن يومًا بعد يوم، أنَّ خيالات الحالمين لا يمكنها أن تُقدِّم تفسيراتٍ دقيقةً لما يحصل من الوقائع؛ وذاك أنَّ العاطفة لا يمكن أن تكون رائدةً لأهلها في فَهْم ما يدور في الأرجاء، خصوصًا إذا كانت المشاهد معقَّدةً وملتبسةً ومتشعِّبةً كمثل حدث بحجم «طوفان الأقصى» الذي مسّت تأثيراته العالم.
بين منظورين
أعين المتعاطفين مع فكرة المقاومة -بكل ما تحويه من فصائل سُنِّيةٍ وأخرى تدَّعي المقاومة من الميليشيات الشيعية- كليلةٌ عن أن ترى أهدافًا إستراتيجية وأخرى تكتيكية تضعها طهران نصب أعينها، تتقدَّم هنا خطوةً وتتراجع أخرى، وتُناور هنا، وتُحاور هناك؛ ما دامت ترى الميدان أمامها شاهدًا على «المقاومة» و«إسنادها»، سواءٌ أكان في غزة أم لبنان أم العراق أم اليمن، أم في أيّ مكان في العالم مُواطئًا لفكرة المقاومة والتصدي للكيان الصهيوني.
وأعين الرافضين لتلوُّث هذا المفهوم (المقاومة) بإرادات باطنية إيرانية، كليلةٌ هي الأخرى عن أن ترى معارك حقيقية بين الكيان وأذرع إيران وأدواتها، ظنًّا منهم أن كل ما يكون بينهما هو من قبيل «التمثيل» والخداع المبرمَج منهما لأهل السنة، وتُحاول أن تلوي عُنُق كلِّ معركةٍ أو صدامٍ لتُصوِّره على أنه محض «مسرحية»!
جدل محتدم
هذه النظرة وتلك قد أفرزت جدلًا شديدًا في العام 2006م، حين انبهر قوم بصواريخ «حزب الله» على مواقع الكيان الصهيوني، حتى علّق بعض البسطاء من أهل السُّنة صُور زعيمه (نصر الله) في بيوتهم، ودقَّ آخرون نواقيس الخطر؛ تحذيرًا من هذا الانبهار المجرَّد أهلُه من الاهتمام بقوة العقيدة وأهميتها؛ سواء في اتخاذ المواقف أو إبداء التعاطف. ومن الفئة الثانية كان البعض يتزوّد إلى جانب العقيدة بوعي سياسي يُدرك أبعاد ما كان يجري، والبعض الآخر اقتصر على رفضه للحزب الإيراني من منطلق عقديٍّ بَحْت، ولم يُرد أن يَشْغل باله طويلًا بالبحث في علم السياسة وتقاطع المصالح بين الدول وتعارضها.
وإذا كان هذا الجدل قد اشتد أواره في أثناء وأعقاب حرب 2006م بلبنان، فإنه الآن أشدّ، كيف لا، ونحن نلحظ أن حرب لبنان قبل نحو عشرين عامًا، بكل تفاصيلها وعنفوانها لم تعُد تُشبه سوى هامشٍ مرَّ كشهابٍ في جوار ملحمة غزة، ثم ما لبث أن اختفى هو وشياطينه، وبقيت غزة وأبطالها يناضلون، تمامًا مثلما مرت حرب الشهرين في لبنان أمام طوفان الأقصى الهادر....
المقال https://albayan.co.uk/MGZarticle2.aspx?ID=33254
🔴 من مقالات #مجلة_البيان عدد(456) لشهر شعبان 1446هـ