مجلة البيان
مجلة البيان
February 8, 2025 at 03:35 PM
#الباب_المفتوح الفرح بهلاك الطغاة بقلم/ د. علي مدني رضوان الخطيب مقدّمة مِن المعتاد على مرّ العصور والأزمان أن يضيق الطغاة بكل المصلحين، وخاصةً إذا ما استشعروا شيئًا يُهدِّد كيانهم ويُعطّل مصالحهم أو يُوقف رغباتهم. ولن يطول ليلهم، فدائمًا وأبدًا تأتي نهايتهم وبوارهم من حيث يظنون أنهم قد أحكموا أمرهم، وشَيَّدوا بنيانهم، ورسموا خطتهم؛ فإذا بالقواعد والأسس التي ظنُّوا أنَّ فيها حمايتهم تهوي بهم ويَخِرّ عليهم السقف من فوقهم؛ فتظهر العورات، وتنكشف السوءات، وتبرز حقيقة الأشباح التي كانت تقطع الطريق، وتُخيف المارة، وتُهلك الحرث والنسل؛ قال الله تعالى: {قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ} [النحل: 26]. قال الشيخ أبو زهرة: «كادوا لأهل الإيمان كيدًا ظنُّوا معه أنهم قضوا على الدعوة واقتلعوها، ولكنَّ الله -تعالى- أفسدَ عليهم تدبيرهم، وردَّ كيدهم في نحورهم». ولا يخفي على أحد أن الطغاة الظالمين في كل مكان هم جرثومة خبيثة ونبت سامّ، عكّروا ماء النهر، وتجرّع الناس منهم الغصص؛ فيجري عليهم قانون العدالة الإلهية، أنهم لا يستحقون البقاء؛ لأن قانون البقاء هو للأنفع لا للأقوى؛ قال تعالى: {وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد: 17]؛ قال البقاعي: «هذا مثل الباطل من الشكوك والشُّبَه، وما أثاره أهل العناد لا بقاء له، وإن جالَ جولةً يمتحن الله بها عباده ليُظْهِر الثَّابِت من المُزَلْزَل، ثم ينمحق سريعًا» (نظم الدرر في تناسب الآيات والسور: ١٠/‏٣١٨). إذن هي المنايا التي تحمل البلايا لهؤلاء الطغاة، هي الدواهي والقوارع والصواعق والنوازل والكوارث؛ و«البغي مضيعة وشؤم»، كلمة عرفتها العرب من واقع التجربة ومن مرارة الأحداث التي خبروها وعاينوها. وفي الحديث الصحيح: «مَا من ذنبٍ أجدرُ أن يُعجِّلَ اللهُ تعالى لصاحبِه العقوبةَ في الدنيا، مع ما يَدَّخِرُه له في الآخرةِ؛ من البَغْيِ، وقطيعةِ الرَّحِمِ» (صحيح الجامع: ٥٧٠٤). وسرّ المسألة -كما يقول سبط ابن الجوزي-: «أن كلمة لا إله إلا الله انقسمت بين الظالم والمظلوم، فمع الظالم لا إله، وليس مع المظلوم إلا الله. ولو تأملتَ مليًّا سوف تجد شرر قلب المظلوم محمولًا بفحيح صوته إلى سقف بيت الظالم ونبال أدعيته مصيبة مسدَّدة حتى وإن تأخَّر الوقت؛ فقوسه قلبه المجروح، ووتره سواد الليل، ورب العالمين يقول: «وعزَّتي وجلالي لأنصرَنَّكَ ولَو بعدَ حينٍ» (صحيح الترغيب: ٢٢٣٠). وربما يطول الليل أحيانًا، أو يظن الظانّ أنه كذلك، وقد يتململ المريض فوق فراشه؛ يئنّ من وَجعه، ويتوجع من ألمه، وهو يحسب أنّ صباحًا منبلجًا لن يشرق، وأنّ مِلْح الأرض قد صُبَّ فوق جراحه، فألهبها وفَجَّرها وبلغ منها مبلغًا من الألم لم يحتمله. وقلّما تخلو الحياة عن مشكلة أو تصدر عن بلية، ولستُ أظنّ أنّ الزمان يمر ويمضي بغير كُلفة أو معاناة؛ حتى يكون المرء بين الكدح والكَبَد، والعاقل مَن يفهم ذلك، ويعلم أنّ الأيام دُوَل؛ وأن الليالي حُبَالى، وأنّ دوام الحال من المحال، ولن يغلب عسرٌ يسرين. وأفعال العباد جميعهم محاطة بسياج القدرة، وأقسى ما يفعله الظالم هو أن يوقع قدَر الله الذي قدَّره ابتلاءً واختبارًا؛ ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ﴾ [الأنعام: ١١٢]، ﴿وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٠٢]. وهناك ثمة موعد مُحدَّد لإهلاك الطغاة؛ ﴿وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا﴾ [الكهف: ٥٩]؛ ليثق المؤمنون الصابرون العاملون في خالقهم، وهم يَدْعُون في جوف الليل على هؤلاء الطغاة الظالمين، ثم ليفرحوا بفضل الله وبرحمته وإتمام نعمته على زوال هؤلاء وانكسارهم وهوانهم. وتفصيلاً لما سبق، نتناول قضية هلاك الطغاة في المحاور التالية... المقال https://albayan.co.uk/MGZarticle2.aspx?ID=33260 🔴 من مقالات #مجلة_البيان عدد(456) لشهر شعبان 1446هـ

Comments