
مجلة البيان
February 11, 2025 at 03:26 PM
#في_دائرة_الضو
المَدّ الربويّ والاحتلال العسكري للبلاد الإسلامية
بقلم/ أحمد الظرافي
كان الربا في جاهلية العرب منتشرًا بلا حدود أو قيود، وخاصةً في مكة، وكان مصدرًا آخر لثراء المجتمع المكي، بجانب التجارة، ولكنه كان، في الوقت نفسه، مصدر شقاء للكثيرين، وعندما جـاء الإسـلام، حرَّم الربا تحريمًا مطلقًا، وأنذر مَن يستمر في تعاطيه بحربٍ من الله ورسوله؛ فقال تعـالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﯓ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 278- 279].
وقد ظل المسلمون متمسكين بتعاليم الإسلام القاضية بتحريم الربا، حتى القرن التاسع عشر عندما بدأت رءوس الأموال الأوروبية تتدفق على بلدان العالم الإسلامي، على شكل قروض بفائدة لحكام المسلمين، وأيضًا على شكل رؤوس أموال باحثة عن فرص أفضل للاستثمار، من خلال الإقراض بفائدة.
الربا والديون والاستعمار
في تلك الفترة، قامت الدول الأوروبية الرأسمالية، بمنح قروض عديدة لدول معينة في الشرق؛ لضمان الحصول على الموادّ الخامّ منها وتصدير منتجاتها إليها، وأيضًا لزيادة معدل الربح من خلال أسعار الفائدة المرتفعة التي كان يحصل عليها رأس المال الأجنبي، مقارنةً بما كان يحصل عليه في موطنه الأصلي، وتولَّت القيام بذلك المصارف الكبرى التي تحوَّلت من مجرد وسيط بين المدخرين والمستثمرين إلى أصيل يندمج بداخله رأس المال المصرفي في رأس المال الصناعي، ويقوم بخَلْق النقود خلقًا.
وكانت الدول الغربية تستخدم هذه القروض الربوية وسيلةً للتدخُّل في شؤون البلدان الشرقية المدينة، ومِن ثَمَّ، فَرْض سيطرتها العسكرية عليها؛ عندما تعجز عن سداد القروض وفوائدها المُركَّبة. ولقد وقعت في هذا الفخّ عدد من الدول الإسلامية، آنذاك، والتي لجأ حُكّامها لعقد صفقات القروض الربوية مع البنوك الأجنبية، التي كان أغلبها يملكها يهود، وذلك بغرض الخروج من الضوائق المالية التي كانوا يُعانون منها، بحسب اعتقادهم؛ نتيجةً لعدم اكتفائهم بما يحصلون عليه من وسائل دخلٍ عديدة -ومنها الضرائب والرسوم الجمركية-؛ لإشباع ملذاتهم، وكان مستشاروهم الأوروبيون يُشجّعونهم على الاقتراض، ويخدعونهم باسم الإصلاح؛ لأنهم كانوا يحصلون على نسبة من القرض.
وقد تم تأسيس العديد من البنوك الأجنبية في بلاد المسلمين، آنذاك، لتكون قريبة من الحكام المسلمين، فيكون ذلك أسهل في أن يقترضوا منها، حينما شاءوا.
وكانت هذه البنوك في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي سلاحًا فتّاكًا بيد القوى الاستعمارية. وفي بعض الأحيان كانت حكومات هذه الدول الإسلامية تقترض من أموال المُرابين الذين صار لهم وجود ماليّ وتجاري في بلدانهم، وتكون هذه الحكومة الأوروبية أو تلك، والتي يحمل جنسيتها المُرابي، هي الواسطة بين الطرفين، ويرتهنون إحدى وسائل الدخل المهمة عند الحكومات المقترضة -مثل الجمارك-؛ لضمان الوفاء بمبالغ هذه القروض وفوائدها.
وعندما كان يحدث تأخُّر في السداد، كانت تلك الحكومات الأوروبية تتدخل لصالح المرابين الحاملين لجنسيتها، ولذلك في حالات كثيرة كان يتم إضافة دخل مورد ثانٍ وثالث بجانب المورد الأول؛ ضمانًا لسداد الديون وفوائدها.
ثم ماذا كانت النتيجة؟
الجواب: النتيجة كانت كارثية، فقد كانت هذه القروض الربوية، وبالاً على أولئك الحكام، وعلى شعوبهم وأُمّتهم، ولم يجنوا من ورائها سوى الفقر والعار وضياع استقلال البلدان الإسلامية، وإيقاعها فريسةً للاستعمار الرأسمالي الغربي، ورهن إمكانياتها وموارد الدخل فيها للوفاء بهذه الديون وفوائدها، وجَعْلها تَصُبّ في خزائن الحكومات الاستعمارية، فما استعمرت إنجلترا مصر إلا عن طريق الديون، وما احتلت فرنسا الجزائر وتونس والمغرب إلا عن طريق الديون، وما بسطت الدول الغربية نفوذها على دولة الخلافة العثمانية، في أواخر أيامها، إلا عن طريق الديون...
المقال https://albayan.co.uk/MGZarticle2.aspx?ID=33257
🔴 من مقالات #مجلة_البيان عدد(456) لشهر شعبان 1446هـ