مجلة البيان
مجلة البيان
February 18, 2025 at 03:50 PM
#دراسات_تاريخية (أرشيف) فتنة الخوارج في المغرب وأثرها على الفتوحات الإسلامية في أوروبا بقلم/ أحمد الظرافي «لولا ثورة البربر على العرب ما كان أمكن شارل مارتل أن يضم جنوبي فرنسا إلى مملكته ويخلص بروفانس ولا نغدوق وسبتمانيا من أيدي المسلمين».. الأمير شكيب أرسلان أولاً: أثر معركة البلاط على سير الفتوح في غالة رغم ما يقال دائماً من أن معركة «بلاط الشهداء» التي استشهد فيها القائد عبد الرحمن الغافقي فيمن استشهد من أبطال المسلمين، في سهول تور وبواتية في وسط فرنسا، في رمضان سنة 114هـ/ 732م؛ كانت علامة على أن موجة الفتوح الإسلامية في غربي دولة الخلافة، التي بدأت باليرموك سنة 13هـ، وسارت عبر مصر وشمال إفريقيا وإسبانيا؛ قد بلغت غايتها، واستنفدت قوتها؛ إلا أن هذه المعركة الشهيرة - في حقيقة الأمر - لم تكن خاتمة المطاف في نشاط المسلمين الجهادي، وراء جبال ألبرت، في عهد الولاة في الأندلس.. هذا العهد الذي اتسم بالنشاط العالي في هذا الميدان[1]، رغم ما تخلله من فتن واضطرابات. ورغم مبالغة المؤرخين الغربيين في قيمة الانتصار الذي أحرزه شارل مارتل في هذه المعركة، وزعمهم أنه حمى غرب أوروبا من غزو المسلمين وسيطرتهم، وليس فرنسا فحسب؛ فإن نظرة دقيقة إلى الحوادث التي تلت معركة البلاط، تثبت لنا أن ما جرى بعد هذه المعركة يخالف ذلك جملة وتفضيلاً.. فما ترتب على معركة بلاط الشهداء - حقيقة - هو تحول ميادين المعارك بين المسلمين والفرنجة من سهول تور وبواتية وحوض نهر الجارون في الوسط والقلب، إلى ضفاف نهري أود والرون في جنوب وجنوب شرقي فرنسا. فالمسلمون لم يلبثوا أن عادوا في العام التالي إلى تهديد آرل وأفينيون وغيرهما من المدن، وبخاصة في إقليم بروفانس[2]. وقد استعاد جهاد المسلمين في فرنسا زخمه مع تعيين عقبة بن الحجاج السلولي والياً على الأندلس في شوال سنة 116هـ، واستمر لفترة من الوقت تجاوزت ثماني سنوات بعد معركة البلاط. فكان هذا الجزء المهم من فرنسا خلال هذه السنوات - بالتالي - مسرحاً لعديد من المعارك بين المسلمين والفرنجة. وحتى إن كانت هذه المعارك أموراً محلية ولم تكن تتمة لموجة الفتوحات السابقة، إلا أن هذا لا يقلل من أهمية هذه الفتوحات وما تخللها من معارك، علماً أن بعض هذه المعارك لم تكن تقل في شدتها وعنفها وضراوتها عن معركة بلاط الشهداء، الأمر الذي يعني - فيما يعني - أن انتصار الفرنجة في تور وبواتية لم يكن بتلك الأهمية التي يتشدق بها المؤرخون الغربيون. وفي حقيقة الأمر أنّ الانتصار الذي حققه شارل مارتل في معركة البلاط تم توظيفه على مدى القرون 13 الماضية في مجال الدعاية السلبية ضد الإسلام والفتوحات، ولأغراض تعبئة المجتمعات الغربية عقدياً، وتحصينها فكرياً من الإسلام، وتحريضها ضده، وتنفيرها منه، وإقامة جدار نفسي ومعنوي عال وسميك يحجزه عنها، ويحجزها عنه، ويحول دون محاولتها فهمه ودراسته، دراسة موضوعية وبعقلية منفتحة، من دون عقد ولا عاهات مزمنة. ثانياً: عقبة بن الحجاج يجدد الفتوحات في غالة وقد كان عقبة بن الحجاج هذا «مجاهداً مظفراً»[3]، «من طراز الغافقي (والسمح وعنبسة)، تقوى وحباً للجهاد وشجاعة وعزيمة وحسن سيرة وعدلاً[4]»، وقد اختار الأندلس لأنه يحب الجهاد، ولأنها موضع جهاد[5]؛ لذلك قرر العبور بنفسه لتولي الفتوح فيما وراء جبال ألبرت، أي في فرنسا، وذلك بعد أن كان قد قضى فترة من الوقت في تنظيم أمور الأندلس، وتطهير مناطق جبال ألبرت من بقايا فلول القوط، التي اعتصمت بمرتفعات جبال جليقية الوعرة والمجدبة، وبفتح المناطق التي ظلت مستعصية على المسلمين في تلك المنطقة. وقبل عبوره جبال ألبرت إلى جنوب فرنسا، كان عقبة قد «افتتح جلِّيقية وألبة وبنبلونة، ولم يتبق في جليقية قرية لم تفتح غير الصخرة، التي لاذ بها بلاي[6]». وبعد ذلك استقر عقبة في أربونة وأسكنها المسلمين، وذلك في ربيع سنة120هـ/ 738م. وبعد نجاحه في إعادة هيبة المسلمين في سبتمانيا إلى مكانتها، شرع في استرداد ما انتزعه شارل مارتل من القواعد من المسلمين بعد هزيمتهم في معركة البلاط، وكان عقد العزم على أن يعيد عهد الجهاد والفتوحات العظيمة. وهكذا عبر عقبة على رأس جيشه نهر الرون، واستعاد آرل للمرة الثالثة أو الرابعة، نظراً لأهمية موقعها عند مصب نهر الرون شمالي مرسيليا، لضمان حرية التحرك شمالاً من جهة، ولتأمين وصول أي قوات من الأندلس إلى شاطئ البروفانس عن طريق البحر من جهة أخرى. كما «تمكن من استعادة أفنيون والعديد من المعاقل الأخرى، وجعلوا من أفنيون رباطاً لهم»[7]، «وأصبحوا بذلك أسياداً على ضفتي نهر الرون من مصبه حتى مدينة ليون»[8]. ويذكر المؤرخ المعاصر الدكتور حسين مؤنس أن عقبة بن الحجاج أعاد فتح إقليم بورجونيا كله، واستولى على ليون من جديد، وأن جناح المسلمين الشرقي امتد في إقليم دوفينيه حتى وصل إلى بيدمنت في شمالي إيطاليا، وبدا أن المسلمين مستعيدون مراكزهم كلها في غالة عن قريب[9]. وقد أبدى عقبة أثناء فتوحاته في غالة اهتماماً كبيراً بدعوة الناس إلى الإسلام، تحقيقاً للغاية من هذه الفتوحات، «فكان صاحب جهاد ورباط، وذا نجدة وبأس ورغبة في نكاية المشركين، وكان إذا أسر الأسير لم يقتله حتى يعرض عليه الإسلام حيناً، ويرغبه فيه، ويبصره بفضله، ويبيّن له عيوب دينه الذي هو عليه، فيذكر المؤرخون أنه أسلم على يديه ألفا رجل، وكان قد اتخذ بالأندلس مقراً مدينة يقال لها أربونة[10]». وقد ساعد عقبة على القيام بهذا الجهد حالة الاستقرار التي كانت تسود الأندلس، إذ إنه حتى ذلك الوقت لم تكن وصلت إليها الخلافات [التي شهدتها المشرق]، وكان المجاهدون فيها بعيدين عن التناحر. لكنه لم يلبث أن دخل إليهم[11]. ففي غضون ذلك، وتحديداً في سنة 122هـ، هبّت من المغرب عاصفة هوجاء مزلزلة لم تكن بحسبان المسلمين في الأندلس، فصرفوا لمواجهتها جل جهدهم، وصارت هي الشغل الشاغل لهم، فحالت بالتالي بين عقبة وتحقيق حلمه في تجديد الفتوح في غالة، بل بين البقاء في أربونة، كما كانت السبب الأساسي لاندلاع الحروب الأهلية بين العرب والأندلس. وكانت هذه العاصفة الهوجاء بداية النهاية لوجود المسلمين في غالة، وليس هزيمة المسلمين في معركة بلاط الشهداء كما هو شائع ومتداول على نطاق واسع. فما الذي حدث يا ترى>... المقال https://www.albayan.co.uk/MGZarticle2.aspx?ID=3524 🔴 من مقالات #مجلة_البيان عدد(321) لشهر جمادى الأولى 1435 هـ
👍 2

Comments