
مجلة البيان
February 19, 2025 at 03:41 PM
#مـِلل_ونـِحل (أرشيف)
قانون الجـذب.. من «السِّر» إلى «السِّحر»
بقلم/ فيصل الكاملي
إذا ما تجوَّلت يوماً في مكتبة عربية فلفت ناظريك كثرة الكتب التي تتحدث عن «قانون الجذب»، فلا تظنن أنك في جناح الفيزياء أو الفلك، بل أنت أمام كتب تحوي عقائد وثنية قديمة في لباس علمي قشيب.
يُعدُّ «قانون الجذب» Law of Attraction من أخطر المبادئ الوثنية التي تروج لها البرمجة اللغوية العصبية في مراحلها المتقدمة، وهي تسمية ليست بالحديثة كما قد يُتوهم، بل هي حاضرة في كتابات الباطنيين الغربيين منذ مائة عام على الأقل. من بين هؤلاءِ البريطانيةُ «آني بيزنت» Annie Besant (1847-1933م) مؤسِّسة «الكلية الهندوسية المركزية»، وراعية الفرع البريطاني للتنظيم الماسوني Le Droit Humain في مستهل القرن العشرين.
في كتاب «محاضراتٌ شعبية في الثيوصوفية[1]» أفردت هذه الباطنيةُ فصلاً للحديث عن «الكارما» أو ما أسمته «قانون الفعل وردة الفعل». والكارما كما يُعرِّفها «قاموس الفلسفة والدين» المعتبر هي «بِنْيةُ حياةِ المرءِ باعتبارها نتاجاً لما قدم من عملٍ في وجوداته الأولى. وبناء عليه فإن هذه النظرة تتطلب إعادة التجسد أو تناسخ الأرواح كمكمِّلٍ لها»[2].
أما التناسخ أو إعادة التجسد Reincarnation فهو عقيدة وثنية شرقية معروفة تذهب إلى أن الأرواح عندما تفارق الجسد بالموت تعود فتتقمَّص ثوباً آخر خيّراً أو شريراً بحسب ما استحقت في حياتها الأولى؛ ولذا فإن أتباع هذه العقيدة ينكرون الجزاء الأخروي. وهذه عقيدة رائجة بين الباطنيين على اختلاف مشاربهم حتى من ينتسب منهم إلى الإسلام – وهو منهم براء – كالنصيرية والدروز.
وقانون الكارما – كما تزعم «بيزنت» – هو حقيقة العلاقة بين الغيب والشهادة. وهذه العلاقة المستترة بين ما نراه وما لا نراه، أو بين الطبيعي والميتافيزيقي؛ تتبع سنة مطردة تتجاذب فيها المتماثلات[3]. فالكون مؤلف من ذبذبات vibrations، وتفكير الإنسان عبارة عن صور أو مُثُل تحوي ذبذبات هي الأخرى، فإذا استطاع المرء أن يُحكِم هذه المعادلة بين ذبذبات أفكاره وذبذبات الكون من حوله، صار شريكاً في تدبيره[4].
وقد صرحت «بيزنت» بتسمية «قانون الجذب» الذي نحن بصدده عندما وصفت قانون الجاذبية الأرضية بأنه «حالةٌ خاصةٌ من قانون الجذب» الكلي الذي لا يمكن الخلاص منه إلا بملاطفته[5]. وهي تتحدث عن قانون الجذب باعتباره جزءاً من عقيدة الكارما. ثم تتساءلُ عما إذا كان بالإمكان تطبيق هذا «القانون اليقيني» (الكارما) إلى عالَمَي العقل والأخلاق. وتجيب عن تساؤلها قائلة: «إن هذا ما تقوله الأديان القديمة؛ وبعض الأديان الحديثة تقولُ الشيء ذاته، لكن ليس بنفس الدرجة من الاستيعاب والوضوح».
ثم تضيف عبارة هي مربط الفرس في هذا المعتقد الشرقي: «إن كان هذا ممكناً [تعني تطبيق قانون الكارما في عالَمَي العقل والأخلاق] فإن الإنسان بالفعل سيدٌ لقَدَره (master of his destiny)، فإن بإمكانه حينها أن يعمل في ذينك العالَمَين اللذين يشكلان المستقبل فيجعل من نفسه ما يريدها أن تكون»[6]، فهو بذلك شريكٌ في صناعة القدر! وهذه الحقيقة المبطَّنة هي ما يحوم حوله أصحاب قانون الجذب من المعاصرين.
من الواضح إذن أن «آني بيزَنت» تبني فلسفتها على عقائد الهنادكة في تبرير هذه الزندقة، وتعتمد على مذهب مقتبس من وحدة الوجود هو أن الحاضر صورة للغائب متعلق به، وقادر على التأثير فيه والتأثر به، وعليه؛ فإن بمقدور الإنسان الذي هو في عالم الشهادة أن يؤثِّر عن طريق التأمل والإرادة في عالم الغيب ومنه القَدَر، فالشاهد والغائب يشتركان في الجوهر، فكلاهما ذبذبات، والشيء بطبيعة الحال منجذب إلى نظيره. وهذا الأخير هو فحوى قانون الجذب، ولذا جعلت هذه المرأةُ الباطنية قانون الجذب شكلاً من أشكال الكارما كما تقدم؛ وهو كذلك بالفعل؛ فأنت من يحدد حياتك الأخرى بما تفكر فيه في حياتك الحاضرة.
ثم تقسّم «بيزنت» مكونات قانون الكارما إلى ثلاثة عناصر:
«(1) أن الفكرة هي القوة التي تبني الشخصية؛ فكما تُفكِّر تكون.
(2) أن المحرك الذي نسميه رغبة أو إرادة يشدك إلى ما ترغب، فتصيرُ مُلزَماً بالذهاب إلى حيث يكون المرغوب، وحيث تُشبع تلك الرغبة.
(3) أن أثر سلوكك على الآخرين والتسببَ في سعادتهم أو شقائهم، يجلب لك في المقابل سعادةً أو شقاءً»[7].
ومن قرأ كتاب السر The Secret للباطنية «روندا بيرن» Rhonda Byrne، أدرك أنه اجترار للوثنية التي صرحت بها «آني بيزنت» قبل مائة عام، وأن العنصرين الأولين اللذين ذكرَتهما «بيزنت» أعلاه هما خلاصة كتاب السر وكتب قانون الجذب.
تقول «روندا بيرن» في كتابها «السر» الذي هو قانون الجذب:
«من خلال هذا القانون الأشد فاعلية تتحول أفكارك إلى وقائع ملموسة! قل هذا لنفسك ودعه يتسرب ويتغلغل في وعيك وإدراكك. أفكارك تتحول إلى وقائع ملموسة». بل إنها تنقل عن أحد الباطنيين قوله: «كل الأشياء التي تحيط بك الآن في حياتك، بما في ذلك الأمور التي تشتكي منها؛ أنت المسؤول عن اجتذابها، وأنا أعلم أنه للوهلة الأولى سيبدو لك هذا شيئاً تكره سماعه، وسوف تقول على الفور: «إنني لم أجذب حادث السيارة. لم أجتذب هذا العميل الذي قضيت معه وقتاً عصيباً، وبالطبع لم أجتذب الديون»، وأنا هنا لأقول لك بكل وضوح وثقة: بلى، لقد جذبت كل هذه الأشياء إليك»[8].
باختصار: «إن السر يعني أننا الخالقون لكوننا، وأن كل أمنية نبتغي خلقها ستتجلى في حياتنا»[9].
أما صلاح الراشد – وهو من أكبر المروجين لهذه الممارسة في العالم العربي – فيقول في كتابه «قانون الجذب»: «كن رقيقاً لطيفاً في مداعبة القدر، تودد له، إن القدر يتفاعل مع العقل على المستوى العالي»[10]. ويقول أيضاً: «فكِّر في شخص بأستراليا أو بالأرجنتين الآن، فإن طاقتك تصل له، طبعاً هذا الموضوع خطير لأن التفكير السلبي هذا ينقل أثراً سلبياً كذلك، فمثلاً مريض يفكر فيك قد ينقل لك التعب والضعف...»[11].
وهو يصرح بما ذكرته «بيزنت» في كتاباتها من وجود ذبذبات مشتركة بين الفكرة والواقع أو بين السبب والمسبب؛ فالإنسان – وفقاً لكتابه «قانون الجذب» – يرسل ذبذبات عالية أو منخفضة وفق مشاعره تؤثر فيما يُقدَّر له، فلو «أن شخصاً حافظ على ذبذبات عالية دائماً، فإن ذلك الشخص سوف لن تأتيه إلا أحداث إيجابية أو أحداث تقود إلى نتائج إيجابية أكبر»[12]!
ومع كل هذه الترهات يقول لك: «من المهم أن تقتنع بفلسفة وأدلة قانون الجذب وجديته، وإلا سوف لن يعمل معك وفق ما تريد»....
المقال https://www.albayan.co.uk/MGZarticle2.aspx?ID=2638
🔴 من مقالات #مجلة_البيان عدد(309) لشهر جمادي الأولى 1434 هـ