
مجلة البيان
February 22, 2025 at 03:39 PM
#الباب_المفتوح (أرشيف)
أثر الثقافة العربية في ثقافة الطوائف اليهودية
بقلم/ عرفه عبده علي
دائماً ما يسرف الباحثون والمؤرخون الإسرائيليون في استخدام مصطلحات مثل: الأدب اليهودي، الشعر اليهودي، الثقافة اليهودية، وهم يتحدثون عن تميز اليهود الذين عاشوا في رحاب الحضارة العربية الإسلامية؛ في محاولة لاختلاق جذور ثقافية وحضارية وتاريخية، من غيابات الأوهام والأساطير والتعصب الديني والعنصري!
إذا كان لليهود بعض الخصائص الثقافية التي تميزهم؛ فمن المؤكد أنها كانت ثقافة فرعية ذات أصول دينية نمت داخل الإطار العام لثقافة المجتمع الإسلامي، خاصة في العصر الوسيط، ولقد أدى النشاط الثقافي الهائل الذي شهدته حقبة إشراق الحضارة العربية الإسلامية إلى تخلي اليهود في جميع أرجاء العالم الإسلامي - خاصة في مصر - عن اللغة الآرامية واللغة العبرية، واتخاذهم اللغة العربية لغة للكتابة والإنتاج الفكري.
عصر الدولة الإسلامية في الأندلس:
قبيل الفتح الإسلامي للأندلس لاقت طائفة اليهود الأندلسيين عنتاً ورَهَقاً، واضطُهدت اضطهاداً شديداً، وفرَّ كثير منهم إلى المغرب العربي، الذي كان ينعم بعدالة وسماحة الحكم الإسلامي، وقد استنجد بالعرب كثير من يهود الأندلس، حتى أمنوا على حياتهم وحريتهم وأموالهم ومعتقداتهم.
وكان للثقافة العربية أثر رائع في اللغة والآداب العبرية في ذلك العصر خاصة؛ فقد أسهمت بقدْر كبير في تطور اللغة العبرية، والمحافظة عليها من الانقراض، ودأب علماء اليهود الذين عاشوا في الأقطار الإسلامية، على وضع الكتب اللغوية على نسق المؤلفات العربية في قواعد اللغة، وتناولت فنونُ الشعر العبري جميعَ الأغراض المعروفة في الشعر العربي، وبدا تأثُّر شعراء اليهود - لا سيما الأندلسيين - واضحاً بالآداب العربية ونسجوا على منوال ما درسوه من الاتجاهات الشعرية العربية، كذلك انتهجوا الأساليب البلاغية العربية الشائعة نفسها، كما قلدوهم في نظم الأحاجي والألغاز، وانفرد الشعراء اليهود بفن واحد هو (الحنين إلى أرض الميعاد)، ولم يؤلف اليهود كتاباً علمياً في قواعد اللغة العبرية إلا بعد أن تتلمذوا للعرب، وبعد أن نشؤوا في مهد الثقافة الإسلامية نشأة مكَّنتهم من فهم العلوم العربية على اختلاف أنواعها.
يأتي على رأس الأدباء اليهود الفيلسوف الشاعر (شلومو بن جبريول) الذي وُصِف بأنه سيد شعراء أهل ملَّته في عصره، وقد صبَّ شعره في قوالب الشعر العربي، كما أنه درس جميع اتجاهات الفلسفة باللغة العربية حتى أنه وضع فيها كتابه (ينبوع الحياة) وترجم هذا الكتاب إلى اللاتينية، ويُنسَب إليه نظم قصيدةٍ بلغت نحو أربعمائة بيت، ضمَّنها كلَّ ما كان معروفاً من قواعد العبـرية التي كان يجيـدها، وقد أبدى في كتاباته ألماً وحسرة على تَرْك أبناء ملَّته لغتَهم وتمسُّكِهم باللغة العربية.
كما ظهر من أدباء اليهود (مناحم بن سروق الطرطوشي) الذي كتب في الأدب العبري نظماً ونثراً، منتهِجاً نهج الأدباء العرب.
ومن يهود الأندلس من كتب في الرياضيات والطب وعلم الأخلاق، الذي برع فيه (يحيى بن يوسف بن فاقوذا) صاحب كتاب الهداية الذي يدعو فيه إلى إصلاح الحكم والأخلاق، وقد تأثر في هذا بكتابات الإمام أبي حامد الغزالي. ومنهم (سليمان بن زقبيل) الذي حاكى الحريري في مقاماته.
ومن الشعراء العبرانيين الذين تأثروا بالشعر الأندلسي في تراكيبه وأغراضة شاعر غرناطة (موسى بن عزرا) الذي برع في فنون الشعر وقصص الحب والغزل ووصْف مجالس اللهو، متأثراً تماماً بالبيئة الأندلسية وشعرائها كما أن له عدة مؤلفات في الفلسفة وهو صاحب المؤلف المشهور (المحاضرة والمذاكرة) في تاريخ النظم والنثر في اللسانين العربي والعبري والموازنة بينهما في اللغتين، كما برع موسى بن عزرا و (الحريزي) في فن النقد الأدبي.
وأمير الشعر العبري هو (يهوذا هاليفي) الملقب بـ (أبي الحسن اللاوي) ويُعدُّ أيضاً من كبار فلاسفة اليهود، وله كتاب مشهور في الفلسفة الدينية بعنوان (الخوزري) ألَّفه بالعربية ثم تُرجِم إلى العبرية. ومنهم (أبراهام بن عزرا) الذي أمضى شطر حياته الأول في قرطبة ساحة العلم والأدب حيث درس أصول الدين والحكمة. ثم (يهودا بن داود حيوج) المعروف عند العرب بأبي زكريا يحيى، و (يونا بن جناح) القرطبي المعروف بأبي الوليد، اللذان سلكا أيضاًً مسلك النحاة العرب؛ خاصة النحوي الكبير سيبويه. وإن نظرة سريعة في كتابَي (الأصول) و (اللمع) لابن جناح، تطلعنا على مقدار ما للعرب من فضل على اليهود...
المقال https://www.albayan.co.uk/MGZarticle2.aspx?id=13740
🔴 من مقالات #مجلة_البيان عدد(417) لشهر جمادى الأولى 1443 هـ