مجلة البيان
مجلة البيان
February 25, 2025 at 05:32 PM
#دراسات_تاريخية (أرشيف) تشويه التاريخ الإسلامي.. في روايات جرجي زيدان بقلم/ د. مصطفى عطية جمعة إن المتتبِّع لسلسلة روايات تاريخ الإسلام للأديب اللبناني الراحل جرجي زيدان (1861- 1914م)؛ يتبين له سَعْيه المتعمَّد إلى تشويه التاريخ الإسلامي؛ باختياره لموضوعات رواياته في فترات القلق والاضطرابات السياسية والاجتماعية في تاريخ الإسلام، مثل أحداث الفتنة الكبرى، ومقتل عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، ثم الحرب بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهما-، غير ناظِر إلى الحِقَب الذهبية المتمثلة في الفتوحات الكبرى، ولا إلى ترحيب الشعوب بالإسلام، وامتزاجها معه لغويًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا. كما صوَّر قادة الفتوحات على أنهم غزاة عسكريون، هدفهم الهيمنة السياسية والتَّسلُّط على الشعوب، وقدّم التاريخ الإسلامي بوصفه تاريخًا حافلاً باللصوص وقُطّاع الطرق، مليء بالدسائس والمؤامرات، وأن مسبّبات الأحداث عائدة إلى الصراع على السلطة، أو من أجل الفوز بالفاتنات والجواري الغانيات، والتي تذعن لهن أعناقُ أشجع الشجعان. كما أمعن في تأجيج النعرات المذهبية والطائفية والصراعات الشعوبية[1]، دون أدنى اهتمام برسالة الإيمان والخيرية التي حمَلها المسلمون لشعوب الأقطار المفتوحة، ولا المنجَز الإسلامي الحضاري المتمثل في إبداعات وكُتب وعلوم سامية، وتراث علمي رفيع، وفنون وعمارة وثقافة راسخة. فلم يختر زيدان الزوايا والشخصيات والموضوعات التي يمكن أن تجعل التاريخ مصدرًا للفخر والاعتزاز، فــــ«لو أعمل فكره، وأمعن النظر في المادة التاريخية المتوافرة لديه، ثم تناولها بحسّ الفنان وروح الناقد، ومن زاوية صاحب الرأي؛ لاستطاع أن يبلغ مرتبة الكُتّاب العالميين الذين سبقوه إلى ارتياد هذا الطريق»[2]. فتجربة الروائي الإنجليزي «والتر سكوت» على سبيل المثال، سعت إلى إبراز الطابع القومي للشعب الإنجليزي، وإظهار أبرز التحديات التي واجهت قادته، وكيف استطاعوا تجاوزها، عبر رواياته التي ألّفها بطابع درامي فعّال، وبمواقف قصصية مؤثرة، وتسليط الضوء على التطور السياسي وحقائق التطور الاجتماعي، بعد الثورة الإنجليزية البيضاء خلال عام 1688م، وقد عدّها سكوت مثلًا أعلى في الفكر والممارسة السياسية للمجتمعات؛ مما أدَّى إلى تقديم التاريخ الإنجليزي بشكل ملحمي بديع. وكانت رُؤية سكوت في رواياته معتدلة ووسطًا بين الأطراف المتصارعة؛ فمن صراع السكسونيين والنورمانديين، تكونت الأمة الإنجليزية من تمازجهما، بعد عملية استقرار اجتماعي طويل. وكل هذا ناتج عن الرؤية الإيجابية التي قرأ بها سكوت تاريخ إنجلترا، واستطاع أن يصوغ تاريخها سردًا، بما يملأ القارئ بقيم عظمى، ويجعله ينظر للتاريخ نظرة تعلُّم واستفادة. كما أن أبطال رواياته المتخيلين، كانوا من الطبقة الوسطى أو أقل، وكافحوا لبلوغ المجد وإفادة الوطن بتضحياتهم[3]. وإذا كان بعض مناصري زيدان يحتجّ بأن له روايات مجَّدت شخصيات تاريخية عظيمة مثل روايات: صلاح الدين الأيوبي، وأحمد بن طولون...؛ فإن القارئ لهذه الروايات لا يجد الاحتفاء بهم كأصحاب مُنجزات تاريخية عظيمة، وإنما يتفاجأ بصراعات القصور، والمؤامرات والدسائس من أجل الوصول إلى السُّلطة. ومثال على ذلك رواية «صلاح الدين الأيوبي»، ومعروف أن له الفضل الأكبر -بعد الله سبحانه وتعالى- في تحرير بيت المقدس من الصليبيين، وقيامه بتوحيد مصر والشام في دولة واحدة تحت قيادته، ونشر السُّنَّة...، ولكن نتفاجأ أن أحداث الرواية التي صاغها جرجي زيدان؛ تُظْهِر صلاح الدين شخصًا وصوليًّا انتهازيًّا، رافضًا مبايعة (الخليفة) نجم الدين أيوب إلا بعد الفوز بحكم مصر، قائلاً: إنني قد دبَّرت أمر مصر، وضبطت شؤونها بسيفي وتدبيري، وبسيف عمي من قبلي، وكان نور الدين (الخليفة) قاعدًا في قصره بدمشق، ومملكته واسعة، ومماليكه كثيرون. فهل من العدل أن تكون مصر له، ونبقى نحن مِن خدمه أو قوّاده؟ ما الذي يمتاز به نور الدين عنّا؟ هل ابتاعنا بماله؟ نحن لسنا من مماليكه. إننا قواد. وهذه مصر يستحيل عليه إخضاعها بدوني، فأنا لا أبايع للخليفة العباسي إلا على أن أكون صاحب مصر وليس نور الدين»[4]. وقد ألمح المؤلف -بنزعة عنصرية ساخرة- لجنسية صلاح الدين ووالده؛ من خلال إشارات عديدة في متن السرد بأنهما من الجنس الكردي، ولا ينتميان إلى شعب مصر العربي، فيتكلمان باللغة الكردية حتى لا يفهم الحراس مناجاتهما.... المقال https://www.albayan.co.uk/MGZarticle2.aspx?ID=20348 🔴 من مقالات #مجلة_البيان عدد(434) شوال 1444 هـ

Comments