مجلة البيان
مجلة البيان
March 1, 2025 at 12:55 PM
#افتتاحية_البيان بعنوان دروس الصبر في شهر رمضان - بقلم التحرير الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. رمضان هو شهر الخير والبركات، شهر يُجدِّد فيه المسلمون صِلَتهم بالله، ويُقْبِلُون على الطاعات، ويُحَسِّنون من أخلاقهم، وينهلون من دروسه الكثيرة والعظيمة. ومن أبرز القِيَم التي يُرسِّخها في نفس المسلم: فضيلة «الصبر»؛ تلك الفضيلة التي تُعدّ مفتاحًا للنجاح في الدنيا والآخرة. ولا غرابة في ذلك؛ فقد سمَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم شهر رمضان بـ«شهر الصبر»؛ كما في حديث أبي ذر -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «صوم شهر الصبر، وثلاثة أيام من كل شهر؛ صوم الدهر، ويُذْهِب مَغَلَّة الصَّدْر»، قال: قلت: وما مَغَلَّة الصدر؟ قال: «رِجْس الشيطان»[1]. قال ابن رجب الحنبلي: «وأفضل أنواع الصبر: الصيام، فإنه يجمع الصبر على الأنواع الثلاثة؛ لأنه صبر على طاعة الله -عز وجل-، وصبر عن معاصي الله؛ لأن العبد يترك شهواته لله، ونفسه قد تنازعه إليها»[2]. والصبر في رمضان ليس درسًا مفردًا بذاته من دروس رمضان، بل هو مجموعة دروس يتلقاها الصائمون، ويعيشونها واقعًا في هذا الشهر الفضيل، ويمكن إجمال هذه الدروس فيما يلي: 1- الصبر على الجوع والعطش الصيام هو العمل الأساس الذي يقوم عليه رمضان، وهو تدريب عملي على الصبر الجسدي، فعندما يمتنع المسلم عن الطعام والشراب لفترة طويلة، يتعلم كيف يتحمَّل المشقة الجسدية، ممَّا يُقوِّي إرادته، ويُعلِّمه التحكُّم في شهواته، وكيف يسيطر على رغباته، ممَّا يساعده في مواجهة التحديات الأخرى في الحياة. كما أن الشعور بالجوع والعطش يُذكِّر المسلم بمعاناة الفقراء والمحتاجين، مما يُعزِّز لديه روح العطاء والرحمة. 2- الصبر على إخلاص النية تميزت عبادة الصيام بتلك الخاصية التي جاءت في الحديث القدسي في قول الله -سبحانه-: «إلا الصوم؛ فإنه لي وأنا أجزي به»؛ فلَمَّا كان ثَوابُ الصِّيام لا يُحْصِيه إلَّا اللهُ -تعالَى-، لم يَكِله -تعالَى- إلى مَلائكتِه، بلْ تَولَّى جَزاءَه -تعالَى- بنفْسِه، واللهُ -تعالَى- إذا تَولَّى شَيئًا بنفْسِه دلَّ على عِظَمِ ذلك الشَّيءِ وخَطَرِ قَدْرِه، وبيَّن -سبحانه- سبب هذه الخاصية بقوله: «يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي»[3]؛ فالصائم يجد فقد شهوته، وتتوق نفسه إليها، وهذا لا يوجد بهذه المدة في غير الصيام، لا سيما في نهار الصيف لطوله وشدة حرّه، وترك الإنسان ما يشتهيه لله -تعالى- هو عبادة مقصودة يُثاب عليها، ولأن الصيام سرّ بين العبد وربه لا يَطَّلع عليه إلا الله -تعالى-، فهو عمل باطن لا يراه الخلق ولا يدخله رياء. ومن هنا يتعلم المسلم أن الإخلاص يحتاج إلى مجاهدة وصبر، فيُنقِّي المسلم قلبه وعمله من كل شائبة تنافي الإخلاص ليسلم له عمله ويعظم أجره؛ ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف: ١١٠]. 3- الصبر على الطاعات رمضان هو شهر تكثيف العبادات، مثل الصلاة، وقراءة القرآن، والذِّكر، والدعاء، وقيام الليل، وغيرها، وهذه العبادات تتطلب صبرًا ومثابرةً، خاصةً مع انشغالات الحياة اليومية. والصبر هنا يعني: - أداء هذه العبادات: مثل صلاة التراويح والقيام والتهجد، والتي قد تكون طويلة وتتطلب جهدًا بدنيًّا، والمعتكف في العشر الأواخر لا يخرج من المسجد إلا لقضاء حوائجه الضرورية، ولا ريب أن هذا العمل يحتاج إلى الصبر العظيم؛ لأن المعتكف ينقطع عن الدنيا وعلائقها، ويترك بيته وأهله وعمله وأمواله وأشغاله، ولا ينشغل إلا بطاعة الله من ذِكْر وقراءة قرآن، وصلاة ودعاء واستغفار، ويتجنَّب تمامًا ما لا يَعنيه من حديث الدنيا، ولا يخرج من المسجد لبيع أو شراء، ولا لعيادة مريض ولا شهود جنازة. - والمواظبة على أدائها: فختم القرآن في رمضان يتطلب صبرًا على القراءة اليومية، والتفكر والتدبر في الآيات، كما أن أجر قيام رمضان يتطلب المواظبة على صلاة التراويح مع الإمام حتى ينصرف كل ليلة، والدعاء يتطلب الصبر على تكراره، وانتظار الاستجابة من الله، خاصةً أن حال الصيام من أسباب الإجابة، كما جاء في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ثلاثُ دعواتٍ مستجابات: دعوة الصائم، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم»[4]. وهذا النوع من الصبر يُقوِّي العلاقة مع الله، ويزيد من التقوى؛ كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ﴾ [البقرة: 153]، وقوله تبارك وتعالى: ﴿وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا﴾ [النور: ٥٤]، وقوله: سبحانه: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ﴾ [آل عمران: 31]..... المقال https://albayan.co.uk/MGZarticle2.aspx?ID=33290 🔴 #مجلة_البيان عدد (457) لشهر رمضان 1446هـ

Comments