
عروة الصادق 𝒪𝓇𝓌𝒶 𝒜𝓁𝓈𝒶𝒹𝒾𝑔
February 15, 2025 at 11:21 AM
`الزلزال الجيوسياسي في السودان على منضدة الاتحاد الأفريقي`
𝙀-𝙈𝘼𝙄𝙇: 𝙊𝙍𝙒𝘼𝘼𝙇𝙎𝘼𝘿𝙄𝙂@𝙂𝙈𝘼𝙄𝙇.𝘾𝙊𝙈
`Ⓞ.Ⓢ عُــــــروة الصّــــــادق`
15 فبراير 2025م
https://x.com/orwaalsadig/status/1890722555415212206?t=lAOHKTgssQSD7LQAuQmNIg&s=19
● بينما تتصاعد ألسنة اللهب في أرجاء السودان، ويخيم الظلام على آمال شعبه في السلام والاستقرار، يتواصل الصراع بلا هوادة ليخلف وراءه مشهدًا من الدمار الإنساني والجيوسياسي يهدد مصير الأمة، فالأزمة السودانية اليوم تجاوزت حدود الخلافات المحلية، وأصبحت صراعًا إقليميًا ودوليًا تتداخل فيه مصالح الأطراف المختلفة، وهو ما يهدد بإغراق البلاد في هاوية أعمق من أي وقت مضى، وتحت قبة الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، رغم تكرار الحديث عن السودان، ما زال العالم يتفرج على عجز المجتمع الدولي والإقليمي في صياغة رؤية استراتيجية لحل الأزمة، ويستمر الصراع في كبح جماح طموحات الشعب السوداني في بناء دولة حرة، عادلة، وديمقراطية.
- وتستمر وحشية الحرب السودانية وآثارها الجسيمة، فالحرب التي تجتاح السودان اليوم ليست مجرد صراع بين قوتين عسكريتين، بل هي مذبحة حقيقية يروح ضحيتها كل شيء: الأرواح، الأرض، والمستقبل، وفيها تسفك الدماء على الأرض، وتتعالى صيحات الأطفال والنساء في مدن الخرطوم ودارفور وكردفان ومدن النزوح وعواصم اللجوء، بينما يجلس العالم في مقاعده يتبادل الحديث عن ضرورة "إيجاد حل"، لكن الحل ليس مجرد كلمات بل هو وقفة حقيقية من قبل القوى الدولية التي يجب أن تضع حداً لهذه المجزرة.
- لقد أفضت الحرب إلى تفجير وتدمير البنية الاجتماعية والسياسية التي كانت قائمة وتنذر بتفكك الأوضاع القادمة، كما أدت إلى نزوح الملايين من أبناء الشعب السوداني، بين نازح داخلي ولاجئ إلى الدول المجاورة، إلا أن الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية في مشهد غير مسبوق من العجز، تتسابق لتوفير أدنى احتياجات الناس الأساسية، في وقت يحتاج فيه السودان إلى تدخلات جادة، وليس مجرد مساعدات عابرة لم تفِ كثير من الدول بالتزامات الاستجابة الإنسانية واكتفت فقط بإعلان تعهداتها وتبرعاتها.
- إن الزلزال الجيوسياسي الحالي وأثره على السودان والمنطقة سيكون أكبر من كل احتمال وتوقع، فالحرب السودانية ليست مجرد صراع داخلي، بل هي حجر زاوية في خريطة جديدة للمنطقة برمتها، فالمصالح الإقليمية والدولية تداخلت بشكل فوضوي، وأسهمت في تعقيد الأزمة في ليبيا، وفي تشاد وجنوب السودان، وفي إثيوبيا، وفي دول أخرى، تتداخل مصالح اللاعبين المحليين والإقليميين في مسارات متوازية بين مصر والإمارات، أو حتى متناقضة بين الولايات المتحدة وروسيا، ما يضع السودان في مهب الريح بين القوى الكبرى في المنطقة.
- لم يعد الحديث عن السودان محصورًا في حدود البلد ذاته، بل أصبح جزءًا من لعبة كبرى تهدف إلى فرض نفوذ القوى الإقليمية والدولية وتنفيذ مخطط تقسيمي صاغته منذ عقود المخابرات الاسرائيلية، والتحالفات الآنية والعرضية التي نشأت على أساس المصالح الضيقة تهدد بأن السودان سيكون أرضًا خصبة لصراعات أخرى قد تطول آمادها وتمتد نيرانها لتحرق مياه البحر الأحمر وتتمدد للعمق الأفريقي وتلتهم قرنه، ما لم يتدخل المجتمع الدولي بشكل قوي ومؤثر.
- لطالما كان الاتحاد الأفريقي منبرًا للسلام في القارة، لكن دوره في الأزمة السودانية لم يكن بالمستوى المنتظر، رغم موقفه القوى والحاسم ضد انقلاب أكتوبر 2021م، فقد استمر في السير على طريق المفاوضات العقيمة، واكتفى بإصدار بيانات استنكارية تنديدية رتيبة، دون أن يمتلك القدرة أو الإرادة للضغط على الأطراف المتحاربة، وعندما يُسحب الزمان والمكان من تحت أقدام الشعب السوداني، يصبح من غير المقبول أن يظل الاتحاد الأفريقي مجرد متفرج على الأحداث، بدلاً من أن يكون لاعبًا فاعلًا حقيقيًّا في تحقيق السلام.
- النظام الدولي برمته معطوب وعطن ويتطلب إصلاحات حقيقية واستراتيجيات ومقاربات جادة وحاسمة، لا مجرد تصريحات دبلوماسية فارغة لا تسمن المسغبين أو تغني المعدمين أو تؤوي اللاجئين، وليس هناك وقت للانتظار في مسار المفاوضات اللامنتهي، بل يجب أن يضع الاتحاد الأفريقي أجندة طارئة تنطلق من مبدأ واحد: وقف الحرب فورًا، وسحب القوات العسكرية من المدن، وفرض حظر طيران عسكري على المدن الآمنة، ودعوة جميع الأطراف السودانية إلى طاولة حوار حقيقي تحت إشراف دولي.
- كما ينبغي أن يتعدى دور القوى الدولية من القول إلى الفعل، وذلك لأن المجتمع الدولي، رغم تصريحاته المتعددة حول ضرورة "حماية المدنيين" و"دعم عملية الانتقال الديمقراطي"، لا يزال غارقًا في حالة من التردد واللامبالاة والانشغال بحروب أولوياتها أهم من السودان (فلسطين، أوكرانيا، لبنان) والبلدان الكبرى مثل الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والدول العربية الكبرى بحاجة إلى التوقف عن فرض الحلول الجزئية والانتقال إلى خطة شاملة، لأن ما يحتاجه السودان ليس المزيد من "المساعدات الإنسانية"، بل هو ضغط حقيقي يفرض على الأطراف المسلحة القبول بخطة السلام، لأن السودان حينما كان مستقرا في الفترة الانتقالية كانت الأمم المتحدة ووكالاتها تشتري منه الحبوب لإرسالها كمساعدات إنسانية لجنوب السودان، وهذا أكبر دليل على أن السودان إذا تم انتشاله من وهدته سيكون معينا ومعيلا إقليما ودوليا معولاً عليه لا معول هدم وتدمير لاستقرار المنطقة.
- هذه القوى ينبغي أن تكون جزءًا من تحالف دولي قادر وحازم، يعمل على فرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية على النظام العسكري المتحكم في زمام الأمر والمرتهن لإرادة أيدولوجية يقودها فلول النظام السابق وحركته الإخوانية، وأن يُربط أي دعم دولي بالالتزام بخطة انتقالية يقودها المدنيون، وليس العسكريون، إن المجتمع الدولي اليوم أمام اختبار حقيقي؛ إما أن يكون طرفًا فاعلًا في حماية الشعب السوداني، أو أن يبقى شاهدًا على تقويض استقرار المنطقة.
- وهناك استراتيجيات ضرورية وبديهية لإنهاء الصراع السوداني ينبغي أن تبدأ بوقف عاجل للحرب وأن يكون الضغط الدولي على الأطراف المتحاربة لوقف الأعمال العدائية بشكل فوري أمرًا لا يقبل المساومة، ولا يمكن لأي حل سياسي أن يتحقق في ظل استمرار العنف، يليه إطلاق مسار حوار وطني شامل تكون فيه الأطراف السودانية الرافضة للحرب كافة جزءًا من الحوار، يقود هذا المسار إلى اتفاقات تلبي طموحات الشعب السوداني في الانتقال الديمقراطي وإنهاء الاستبداد وتفكيك منظومة التمكين وإنهاء عسكرة الحكم، ولن يكون ذلك ذو جدوى دون تأسيس آلية دولية راغبة وقادرة تتمتع بالحياد الكامل لمراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار، والتأكد من احترام الأطراف لأي اتفاقات يتم التوصل إليها، بما في ذلك الإشراف على انسحاب القوات العسكرية من المدن وتفكيك الكيانات المسلحة.
- ثم من بعد ذلك يمكن الحديث عن خطط المستقبل والاستقرار وسبل تقديم الدعم لإعادة بناء السودان، وكيف يبدأ المجتمع الدولي فورًا في تقديم الدعم المالي والفني لمساعدة السودان في عملية إعادة بناء اقتصاده المدمّر، مع التركيز على مشاريع تعيد الحياة إلى المناطق المتضررة، وتضمن استدامة التنمية الاقتصادية في جميع أنحاء البلاد، وتقطع الطريق أمام مغامرات العسكر، وتمنع تفتيت وحدة البلاد، وتسحب البساط من الدول التي تريد الهيمنة على ثروات البلاد عبر التهريب أو عبر تمكينها منها بواسطة عملائها بالداخل.
- كما أن الدور العقابي المرجو من الاتحاد الأفريقي ينبغي أن يتجاوز تجميد عضوية السودان إلى فرض عقوبات رادعة على الأطراف الرافضة للسلام، وأن تضع القوى الدولية والمجتمع المدني ميثاقًا دوليًا يضمن معاقبة الأطراف التي ترفض العودة إلى المفاوضات أو تلك التي تستمر في التصعيد العسكري، سواء من خلال العقوبات المالية أو التجميد السياسي، وأن يتبع ذلك توسعة لقرارات مجلس الأمن بخصوص دارفور ليشمل تفويضها جميع السودان ويؤسس لملاحقة جنائية دولية لمرتكبي جرائم الحرب والعدوان والجرائم ضد الإنسانية.
● ختاما: إن أزمتنا الحالية ليست كحرب دارفور في السودان التي استهان بها العالم، وغضت الجامعة العربية عنها النظر، وتساهل معها الاتحاد الأفريقي، بل هي حرب السودان في العالم، والتي ستكون كرة الجحيم المنبعث من قعر جهنم لتحرق المنطقة والإقليم، وهي اختبار كبير للمجتمع الدولي، وقد حان الوقت ليظهر هذا المجتمع التزامًا حقيقيًا تجاه الشعب السوداني، إما أن نكون جزءًا من الحل، أو أن نغرق مع السودان وأهله في بحر من الفوضى والدماء، لا يمكن لعالم اليوم أن يتجاهل حربًا ضارية تقضي على الأبرياء وتدمّر حلم شعب يبحث عن الحرية والسلام والعدالة خرج يهتف بها ضد أعتى الأنظمة الاستبدادية التي تحدت العالم فأجهز عليها بسلميته العزلاء، لذلك فإن السودان يستحق أكثر من مجرد بيانات تضامن؛ بل يحتاج إلى خطة استراتيجية منسقة بين الاتحاد الأفريقي والقوى الدولية والإقليمية، لخوض معركة حقيقية من أجل السلام، أو فلينتظر العالم مشاهدا غير التي تبث على الوسائط أشد بأسًا وأشد تنكيلاً في ظل تنامي صعود جماعات متطرفة وعنيفة تقتات على الدماء وتسعد بتقسيم الأوطان لصالح أجندتهم الأيدولوجية العنصرية.
𝒪𝓇𝓌𝒶 𝒜𝓁𝓈𝒶𝒹𝒾𝑔
❤️
3