محمد بن علي بن فضل الكعبي
محمد بن علي بن فضل الكعبي
February 6, 2025 at 07:17 PM
*الترخُّص بالدفّ للنساء بعد عقد النكاح* * الحمد لله رب العالمين، الذي هدانا لصراطه المستقيم، وصلى الله وسلَّم على عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد: * ⁠فإنَّ منزلة النكاح في الشرع عظيمة، لما فيه من المصالح العظيمة من بقاء النسل البشري إلى يوم القيامة، ومن ثمَّ رخص الشرعُ باستعمال الدفّ فقط دون بقية آلات المعازف للنساء؛ تعبيرًا عن فرحة الناس بنعمة النكاح، وفي ذلك عِدَّة أحاديث منها: * ⁠روى النسائي في "المُجتبى" (3383)، وحسَّنه الألباني، عن عامر بن سعد البجلي قال: "دخلتُ على قَرَظةَ بنِ كَعبٍ وأبي مسعودٍ، وجوارٍ يَضرِبنَ بالدُّفِّ ويُغَنِّينَ، فقلتُ: "أنتما صاحبا رسول الله، ومن أهل بدر، يُفعل هذا عندكم"، فقال: *«اجلِس إن شئتَ، فاسمع معنا، وإن شئتَ اذهب، قد رُخِّصَ لنا في اللَّهوِ عند العُرسِ»* * وروى البخاري في "الصحيح" (5162)، عن عائشة رضي الله عنها أنَّها زُفّتِ امرأة إلى رجل من الأنصار"، فقال نبي الله ﷺ: *«يا عائشة، ما كان معكم لهو؛ فإنَّ الأنصار يعجبُهُم اللهو؟»* * وروى الترمذي في "الجامع الكبير" (1088)، والنسائي في "المُجتبى" (3369)، وحسَّنه الألباني، عن أبي بلج يحيى بن سليم قال: قلتُ لمحمد بن حاطب: "تزوجتُ امرأتين ما كان في واحدةٍ منهما صوتٌ يعني دفًّا"، فقال محمد: قال رسول الله ﷺ: *«فصلُ ما بينَ الحرامِ والحلالِ الدُّفُّ والصوتُ»* * *والحِكمة من ذلك تمييز النكاح الشرعي عن السِّفاح المحرم من الإشهار والإعلان له، لقول النبي ﷺ: «أعلِنوا النِّكاح»* [ أخرجه أحمد في "المُسند" (16175)، والبزار في "البحر الزخَّار" (2214)، من حديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، وحسَّنه الألباني في "صحيح الجامع" (1072) ] * *ومن خلال ما سبق فالأحاديث الصحيحة دالَّة على رخصة استعمال الدُف للنساء والصغار فقط، بخلاف الواقع المعاصر من وقوع التجاوُزات بدخول الرجال في استعمال الدف والطبل وغيرها من آلات المعازف المحرمة، وكذلك الأمر في النساء* * *وتعبير الشرع بالرُّخصة دليل على أنَّ الأصل في آلات الطرب التحريم والمنع* * *واستعمالُ الرجال لآلات الطرب داخل في عموم النهي عن التشبُّه بالنساء* * روى الترمذي في "الجامع الكبير" (1005)، والبزار في "البحر الزخَّار" (7513)، واللفظ له، وحسَّنه الألباني، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ رسول الله ﷺ قال: *«صَوتانِ ملعونانِ، صَوتُ مزمارٍ عند نِعمةٍ، وصَوتُ وَيلٍ عند مصيبةٍ»* * *ولا شكَّ أن النكاح من أعظم النعم على الإنسان، فوجود المعازف داخل في النهي باستثناء رخصة الدف للنساء* * قال شيخ الإسلام ابن تيمية (ت728هـ) رحمه الله: *"وأما الرجال على عهده فلم يَكُنْ أحدٌ منهم يضرب بدف ولا يصفق بكَفٍّ، … ولمَّا كان الضربُ بالدف والتصفيق بالكف من عمل النساء، كان السلفُ يسمون من يفعل ذلك من الرجال مخانيث، وهذا مشهورٌ في كلامهم"* [ "مجموع الفتاوى" (565/11) ] * وقال الحافِظُ ابنُ رَجبٍ (ت795هـ) رحمه الله: *"ولهذا كان جمهورُ العلماءِ على أنَّ الضَّربَ بالدُّفِّ للغِناءِ لا يُباحُ فِعلُه للرِّجالِ؛ فإنَّه من التشبُّه بالنِّساء، وهو ممنوعٌ منه، ... فأمَّا الغِناءُ بغَيرِ ضَربِ دُفٍّ، فإن كان على وجهِ الحُداء والنَّصْبِ [وهو ضَربٌ من أغانِي العرَبِ شِبْه الحُداء]، فهو جائزٌ، وقد رُوِيَت الرخصةُ فيه عن كثيرٍ من الصَّحابة"* [ "فتح الباري بشرح صحيح البخاري" (6/82) ] * وقال الحافظ ابن حجر (ت852هـ) رحمه الله: *"والأحاديث القوية فيها الإذن في ذلك للنساء، فلا يلتحقُ بهنَّ الرجال؛ لعموم النهي عن التشبُّه بهنِّ"* [ "فتح الباري بشرح صحيح البخاري" (9/226) ] *وخيرُ الهدي هديُ محمد ﷺ*

Comments