
إشراق
February 6, 2025 at 02:04 PM
بيان الشريعة في حكم مصافحة المرأة الأجنبية
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد:
بادئ ذي بدء فإن الله تعبدنا بأحكام، وأمرنا أن نقابلها بالانقياد التام لها سواء علمنا أسرارها وحكمة تشريعها أم جهلناها. ومن خلال استقرائنا للنصوص، فإنَّنا نجد إشارة واضحة إلى وجوب الالتزام بما شرع الله، وهي جليَّةٌ واضحةٌ في قوله تباركت أسماؤه: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ} [البقرة: 138].
جاءت لفظة {صِبْغَةَ} هنا منصوبة بفعل الإغراء أي: التزموا صبغة الله والتصقوا بها التصاق الغِراء بالجسم الذي استعلى عليه. وفي الآية استعارة تصريحية كما يشير الآلوسي رحمه الله في تفسيره، إلى أنه لا بدَّ من ظهور أثر الإيمان بالتحاكم إلى شرع الله، كما يظهر أثر الصبغ على المصبوغ.
كما أن في الآية ذاتها، استفهامٌ تقريريٌّ أي: لا صبغة أحسن من صبغته تعالى، ومن ظنَّ غير ذلك فهو إما واهمٌ أو مكابرٌ أو جاهلٌ، مهما علا كعبُهُ في الثقافة والتنظير. ورسائل التكليف في القرآن تأخذ بأفكارنا وسلوكياتنا إلى الامتثال الكامل، وهو معنى إسلامنا لله وصحَّة انتمائنا لديننا؛ وإلا لأضحى بغير معنىً، إن لم نجسِّده في شؤوننا كلِّها!
وعند ورود النصِّ لا مجال لتحكيم الرأي، والشارع الحكيم تبارك في علاه، شرع أحكاماً لا مجال للعقل فيها، فقد أباح النظر إلى الأَمَةِ الحسناء وحرّمه بالنسبة للحرّة الشوهاء أو العجوز القبيحة المنظر، مع أن النفس تميل إلى الأولى وتنفر من الثانية. وأوجب المشرِّع قطع اليد في سرقة القليل، ولم يوجبه في غصب الكثير. وأوجب الجلْد على من قذف غيره بالزنى، ولم يوجبه على من قذف غيره بالكفر؛ مع أنّ الكفر أشدُّ وأعظم. وشرَط في شهادة الزنى أربعة شهود عدول، واكتفى في الشهادة على القتل باثنين فقط، مع أن القتل أغلظ من الزنى!
وبعدا هذا التمهيد، أقول وبالله المستعان: اتفق الفقهاء على عدم جواز مصافحة المرأة الأجنبية، واستدلوا بما يلي:
* عن معقل بن يسار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحلُّ له". رواه الطبراني والبيهقي. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، وقال المنذري: رجاله ثقات. ولا شك في أن المصافحة من المسِّ.
* عن عائشة رضي الله عنها قالت: "والله ما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم، النساء قطُّ إلا بما أمره الله تعالى، وما مسَّت كفُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كفَّ امرأة قط، وكان يقول لهن إذا أخذ عليهن البيعة: "قد بايعتكن كلاما".
وإذا امتنع المربي الأول صلى الله عليه وسلم، من المصافحة في الوقت الذي يقتضيها وهو وقت المبايعة، دلَّ ذلك على أنها لا تجوز، وليس لأحد مخالفته صلى الله عليه وسلم، لأنه هو ناقل التشريع لأمته؛ بأقواله وأفعاله وتقريره.
هذا وأُمرِنا أن نأخذ الأحكام التكليفية بقوة، ولا مكان لأن يخجل أحدنا فيجامل في المصافحة، وليكن صريحاً في موقفه ولا يقل لمن أرسلت يدها لتصافحه: عذراً منك فأنا على وضوء، بل ليعلن الحكم الشرعي بشفافية ومكاشفة ومصارحة، وأنه ملتزم به تسليماً وانقياداً لله سبحانه وتعالى، ومن الجميل أن يبين لها الحكمة الربانية في ذلك، والتي تتجلَّى في أن الشارع الحكيم يهدف، من تحريمه مصافحة المرأة الأجنبية، إلى تكريمها البالغ، في التحفُّظ على أن تمتدَّ إليها أيدي العابثين! وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين.
#اخترنا_لكم
كتبه #موفق_شيخ_إبراهيم
#قناة_إشراق
👍
❤️
3