
أنابيش الكنانيش
February 25, 2025 at 09:09 PM
رد المتاع وإيفاء الميزان بنسبة لامية "الجد في الجد" إلى العلامة بهران!
لعل الجم العمّ، قد قرأ هذه اللامية الرائعة الذائعة الشائعة، وتمعن في أبياتها، وتنعم بمعانيها، والتي مطلعها:
الجد في الجد والحرمان في الكسل *** فانصب تصب عن قريب غاية الأمل
وشم بروق الأماني في مخايلها *** بناظر القلب يكفي مؤنة العمل
ولكنها، لم تنسب لفاتقها، ولم تعز لراتقها، بل هجنت ودجنت، فوقع في عزوها خلط وخبط وغمط وغلط، فنفيت من أمها، وأخطئ في والدها، وألصقت إلى أبوين آخرين: الصفدي، وابن الوردي!
فامتطيت حصاني، وسللت حسامي؛ لأرد الدرة إلى صاحبها، وأعيد الغرة إلى ربها، فوفقت وهديت، "وما بكم من نعمة فمن الله".
وها أنا أكشف اللثام عن قائلها، وأزيل الظلام لنائلها، فقلت مستعيناً بالمعين:
إن الحقيقة الجالية المجلية.. أن هذه القصيدة السيارة، للقاضي العلامة محمد بن يحيى بهران الصعدي، تـ٩٥٧، وذلك لأمور:
١- أنها لم تُعز في تراجم الثلاثة، إلا له، فلم تذكر في ترجمة الصفدي، ولا في ترجمة ابن الوردي.
٢- عزاها لبهران؛ أهل بلده، وهم به أدرى، وله أورى -وسيأتيك نبؤهم، فتصبر-.
٣- تصحف حرف "العين" من الصعدي، نسبة فاتقها "بهران"، إلى حرف "الفاء" من الصفدي، نسبة العلامة خليل بن أيبك، وقد كانوا قبلاً، يغفلون النقط، فرسم الصعدي لا يختلف عن رسم الصفدي، فتصحفت للأشهر، وهذا ساير سيار.
٤- أعان على قبول هذا التصحيف؛ خمول ذكر ابن بهران، -وهكذا هم أهل بلدي، وكما هي عادتهم- وذيوع اسم الصفدي، فنسبت للأشهر!
٥- تسبّب في هذا التصحيف؛ أن للعلامة الصفدي -بالفا- شرحا على "لامية العجم" للطغرائي، بعنوان "الغيث المسجم" فلعله التبس! (وكنت أتدارسها مع بعض الخلوم)
وقد سارت مسير الشمس في الرابعة، وهي على غرارها: زنة وقافية ومعنى، والتي مطلعها:
أصالة الرأي صانتني عن الخطلِ *** وحلية الفضل زانتني لدى العطلِ
وأودعه بعض شعره.. قال الشوكاني: "ونظمه مشهور، قد أودع منه في شرح لامية العجم، وغيرها ما يُعرف به مقداره".
ثم قال: "وكان يختلس معاني شعر شيخه ابن نباتة وينظمها لنفسه، وقد صنف ابن نباتة في ذلك مصنفاً سماه "خبز الشعير المأكول المذموم"، وبيّن سرقاته لشعره".
وقال في ترجمة محمد بن يحيى بهران، من كتابه (البدر الطالع: ٢/ ٢٧٩): "وله نظم مشهور، منه القصيدة التى سلك فيها مسلك الطغرائي في "لامية العجم" ومطلعها:
الجَد في الجِد والحرمان في الكسل *** فانصب تصب عن قريب غاية الأمل".
٦- من نسبها لبهران، فكّ رمزها، الذي أشار إليه الناظم، بقوله:
تمّت برسم أخٍ لا زال يسألني *** إنشاءها أبداً في الصبح والطفلِ
والمشار إليه، هو تلميذه، العلامة محمد بن علي بن عمر الضمدي.
كما ذكر ذلك، المؤرخ ابن أبي الرجال، قال: "وهي أشهر من أن تذكر، وقد سارت مسير الأمثال، والذي عوّل عليه في إنشائها؛ تلميذه العلامة محمد بن علي بن عمر الضمدي، وإليه لمح بقوله:
تمت برسم أخ ما زال يسألني *** إنشاء أحرفها في الصبح والطفل".
(مطلع البدور: ٤/ ٤٠٠)
٧- قام بتخميس اللامية، القاضي العلامة المقرئ سعيد بن داوود الآنسي الصعدي، تـ١٠١٠، وهو بلدي الناظم.
والتي مطلعها:
لا تجنحن إلى الإهمال والملل ***
وتُتبع النفس في التسويف والعلل
واعمل بقول الذي أسمى على زحل
الجد في الجد والحرمان في الكسل *** فانصب تصب عن قريب غاية الأمل
وهي بكمالها، في (عقد الجواهر بتراجم أعيان صعدة بعد القرن العاشر: ١/ ١٩٧)
قال ابن أبي الرجال، في ترجمته، من (مطلع البدور: ٢/ ٣٣١) "وله تخميس قصيدة العلامة ابن بهران اللامية".
٨- نسبها إلى العلامة بهران، كل من:
-العلامة يحيي بن محمد حُميد المقرائي، في (مكنون السر في تحرير نحارير السر: ٨٨) أوردها، ثم قال: "انتهى الموجود من القصيدة الفريدة، الحائزة لجيد البلاغة بلآليها النضيدة".
ونقل المقرائي عن عبد العزيز بن العلامة محمد بن يحيى بهران؛ أن والده لم يرض بظهورها وانتشارها؛ لأنها لم تك من البلاغة والفصاحة في الغاية، وأنه نظمها في أول أمره!
وهذا مسلسل أثبات بالإثبات، لا سيما، وأنهما -ولده عبد العزيز والمقرائي-؛ "أجل تلامذته" كما قال المؤيد، في (طبقاته الكبرى: ١١٠٥)
بل كان عبد العزيز "من العلماء الكبار، ومن الجلة الخيار" -كما يقول ابن أبي الرجال، في (مطلع البدور: ٤/ ٣٩٩)
-والعلامة ابن أبي الرجال، في (مطلع البدور: ٤/ ٤٠٠)
-والعلامة يحيى بن الحسين، في كتابه: (طبقات الزيدية= المستطاب: ٢/ ٢٤٥) ورواها كاملة.
والجنداري في (الجامع الوجيز: ٣٩٢)
-والعلامة الشوكاني، في (البدر الطالع: ٢/ ٢٧٩) وقال: "وهي قصيدة فائقة مشتملة على حكم نافعة".
-والمؤرخ محمد بن محمد زبارة، له مقال، بعنوان "للحقيقة .. الجد في الجد" في (مجلة الحكمة اليمانية، عدد ٥ ربيع أول، ١٣٥٨) وقد دُلل على إثباتها، بابن أبي الرجال والشوكاني، وأثبتها كاملة؛ "لبيان الغلط والتصحيف في نسبتها" وأورد نموذجاً من تخميس المقرئ سعيد بن داوود الآنسي الصعدي.
-والمؤرخ إسماعيل الأكوع، في (هجر العلم ومعاقله في اليمن: / ٢٩)
وأشار في الحاشية، إلى خطأ نسبتها إلى الصفدي.
-والمؤرخ خير الدين الزركلي، في كتابه: (الأعلام: ٧/ ١٣٩)
-والشيخ زيد الوزير، في تحقيقه (مكنون السر: ٨٨)
وأشار إلى أن الشرواني، نسبها إلى الصفدي.
وأخبر القاضي أحمد الروافي؛ أن لديهم مخطوطة قديمة؛ تنسب اللامية، للعلامة بهران.
ولها مخطوطة أخرى في مكتبة الحرم، وأحدس أن لها مخطوطات أخر، لم أتهدى لها.
هذا..
ولعل أول من نسبها، للعلامة الصفدي، هو العلامة أحمد بن محمد الأنصاري الشرواني، في كتابه: (نفحة اليمن: ١٤٨) ثم تابعه غيره. وممن وجدتهم:
-العلامة حسين بن محمد المهدي اليمني، في (صيد الأفكار في الأدب والأخلاق والحكم والأمثال)
-والأستاذ أحمد الهاشمي، في (جواهر الأدب) ولعل بسببه؛ نشرت وشهرت في الأقطار، وطارت كل مطار.
-والأستاذ أحمد قبش، في (مجمع الحكم والأمثال في الشعر العربي)
-والأستاذ عبد الرحمن بن درهم، في (نزهة الأبصار بطرائف الأخبار والأشعار)
-والأستاذ محمد محمود زيتون، كما في (مجلة الرسالة)
والأستاذ محمد عبد المجيد لاشين، في كتابه (الصفدي وآثاره في الأدب والنقد) مع شك وتشكك، كما في كتابه (الصفدي وآثاره)
ونسبها بعضهم، للإمام عمر بن مظفر ابن الوردي، صاحب (تحفة الخلان) وقد شرحتها -والحمد لله- شرحاً موسعاً، -يسره الميسر-.
ونسيتُ من نسبها إليه.
هذا، ولا يحتاج الإثبات كل هذه الأثبات، لكني، وجدتها في طريق البحث، فأثبتها، فائدة وحسن عائدة!
ولولا الشهرة الطاغية، الملصقة القصيدة بغير فارعها، لما احتجت إلى كل هاته الإثباتات، وعلى كل، لا يعدم مطالعها خيرا.
فائدة: ليست هي اللامية البهرانية، التي فصلت عن ناظمها، بل قد أخطئ في اسم كتابه "الكافل" ونسبته؛ فطبع باسم (مختصر في علم أصول الفقه) ونسب للعلامة عبد الله أبا بطين!
وقد صحح الاسم والنسبة، الشيخ ثامر نصيف، في مقال له.
نكتة: "الجَد في الجٍد" هكذا ضبطت، بفتح جيم الأولى، وكسر الأخرى، وفيها نوع بلاغي، وهو الجناس، والمعنى: الحظ والنصيب في الجد والاجتهاد.
تتمة: مع جزالة ألفاظ القصيدة، وقوة معانيها، وحسن سبكها، وجميل تركيبها، إلا أن فاطرها؛ لم يكن عنها براض!
فقد نقل العلامة يحيى المقرائي، عن ابن العلامة بهران؛ أن والده لم يرض بظهورها وانتشارها؛ لأنها لم تك من البلاغة والفصاحة في الغاية، وأنه نظمها في أول أمره!
قال المقرائي: "وقد أخبرني ولده الفقيه العلامة عبد العزيز بن المذكور.. أن حي والده لم يرض بظهور هذه القصيدة وانتشارها؛ لكونهـ[ـا] لم يرقمها في البلاغة والفصاحة الغاية.
وقال ولده: أنه قالها في ابتداء أمره، فلم تكن مثل ما قاله بعد كماله، لكن حسن معانيها، نشَر مبانيها وحكمها".
(مكنون السر: ٩١)
قال أبو نعيم: حسبك، برصين سبكها، وجزيل لفظها؛ أن نسبت إلى العلامة ابن الوردي، الشاعر المفتنّ الشهير الذي سارت بقصيده الجم الغفير، وإلى العلامة الصفدي، الأديب الشاعر المتفنن الذي تعددت تصانيفه وتواليفه.
فقد رضيت وارتيضت.
تذييل: لعل هذه اللامية البديعة، مستوحاة، من لاميتين سابقتين، فهي على سمتهما: زنة وروياً ومعنى.
-لامية الحسين بن علي المعروف بالطغرائي، المشهورة بلامية العجم، ومطلعها:
أصالة الرأي زانتني عن الخطل *** وحلية الفضل زانتني لدى العطل
-لامية إسماعيل بن أبي بكر المقري الزبيدي، ومطلعها:
زيادة القول تحكي النقص في العمل *** ومنطق المرء قد يهديه للزلل
وإني لآمل وأرجو وأطمع؛ أن ييسرني ربي ويسهل لي، ويصرف عني الشواغل، ويقيني القواطع؛ فأنكت على ثلاثتها.
هذا، وما أنا إلا مقتات على فتات، ولست -بحمد الله- بالقتات.
والله الموفق والهادي.
وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي
١٤٤٠/١٠/١٤
#مقولاتي_ونقولاتي
#أنابيش_الكنانيش
https://whatsapp.com/channel/0029Vb0E5aX1noz76YkMqz1X/102
🌷
1