الدكتور علي زين العابدين الحسيني
الدكتور علي زين العابدين الحسيني
February 24, 2025 at 02:52 PM
كان أستاذنا (بالإجازة) العلامة المؤرخ السيد عبد الرحمن بن محمد الجيلالي (ت 1431) – رحمه الله – عَلَمًا في تاريخ الجزائر، ومن آخر أعلامها الكبار، ممن حفظوا العلم في صدورهم كما حفظوه في أسفارهم. ظللتُ لسنواتٍ أتواصل معه هاتفيًا، أستفسر منه عن تراجم العلماء، وأستجلي منه دقائق المواقف والأحداث، فكان يفيض عليّ من ذاكرته الحيّة بنفائس لا تُدرك إلا بمشافهة الأكابر، حتى صار لديّ من درره ما لم أكن لأحصّله لولا كرمه وسعة صدره. وكان في النفس شوقٌ إلى أن يجمعني به سندٌ موصول، فطلبتُ منه غير مرة أن يجيزني بمروياته عن أساتذته، وله إسناد نفيس عن أستاذه العالم عبد الحليم ابن سماية (ت 1933م) عن السيد الشهير أبي المحاسن القاوقجي وغيره من أعيان بلده، وأستاذه ابن سماية من مشايخ السيد محمد عبد الحي الكتاني، لكنه كان يأبى في كل مرة، لا تهاونًا، بل تورّعًا، مؤكدًا أن الإجازة لا تُمنح إلا بالملازمة، وأنه لابد من اللقاء حتى يجيز. وقد ألحت ابنته الفاضلة كثيرًا، وأكثرت من التوسل إليه، لكنه ظل ثابتًا لا يتزحزح، كأنما يرى في التساهل تفريطًا في ميراث الأكابر. فاكتفيتُ بعد ذلك بالسؤال عن أساتذته ومن لقيهم من العلماء، دون أن أطرق باب الإجازة مجددًا، إذ كان شرف سماع صوته أجلّ عندي من إجازة لم يُرد منحها. ومضت الأعوام، حتى زار أحد أساتذة الإسناد والرواية بلاده، فحدّثني يسأل عن أهل العلو هناك، فدللته على الأستاذ الجيلالي، فقصد إليه، فأجازه، وأجاز معه جملةً من الطلاب في استدعاء خاص كنت واحدًا منهم، فإذا بالإجازة التي طالما تمنيتها تأتيني من حيث لم أحتسب، بعد أن ظننتُ أن الباب قد أوصد. رحم الله الأستاذ الجيلالي، فقد كان رجلًا يأبى أن يمنح العلم إلا كما أخذه، عزيزًا مصونًا، فلا يُؤخذ إلّا بحقّه. ُسْرُجة و ُهْجَة

Comments