مكتب المحامي أحمد فضل أحمد السريحي( الحمودي للمحاماة )
مكتب المحامي أحمد فضل أحمد السريحي( الحمودي للمحاماة )
February 11, 2025 at 07:27 PM
وجوب التحديد الدقيق لنصيب الوارث عند القسمة أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء الغرض من قسمة التركة هو إزالة الشيوع في التركة الشائعة قبل قسمتها وتحديد نصيب كل وارث بدقة وعلى حدة ،وفرز وتعيين نصيب كل وارث على حدة، وتمكين كل واحد من الورثة الشرعيين من الإنتفاع والتصرف في نصيبه الشرعي بصفة مستقلة عن غيره من الورثة الآخرين المتقاسمين. ولذلك يجب على القسام عند إجراء القسمة أن يحدد نصيب كل وارث تحديداً دقيقاً حتى يكون نصيب كل وارث معلوماً علماً نافياً للجهالة يقطع أي نزاع بين الورثة في المستقبل ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 8-1-2012م في الطعن رقم (43698)، المسبوق بالحكم الاستئنافي الذي قضى بأنه: (لما كان الحكم قد حقق مطالب النقض واقتنع بعدم صحة القسمة المدفوع بها في مواجهة الدعوى ، بناءً على الأسباب الواردة في الحكم الابتدائي التي استند فيها إلى المادتين (1217 و 1218) مدني، وحيث لم يتم تعيين نصيب الوارثة تعييناً ينفي الجهل عنه ولعدم فرزه ، وذلك ظاهر من ألفاظ المحرر التي تفيد العموم، فضلاً عن غياب المقاسمة عند القسمة)، وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي أقرت الدائرة الشخصية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: (اما من حيث الموضوع فقد تبين للدائرة: أن الطعن غير مؤثر في الحكم الاستئنافي موضوع الطعن لخلوه من حالات الطعن الواردة في المادة (292) مرافعات، لأن ما ورد في الطعن عبارة عن وقائع نزاع ناقشتها محكمة الموضوع وتوصلت من خلال ذلك إلى نتيجة موافقة للشرع والقانون مما يستوجب رفض الطعن)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية: الوجه الأول: التحديد العام لنصيب الوارث الذي يؤدي إلى الجهالة: ذكرنا أن الغرض من قسمة التركة هو إزالة الشيوع القائم في التركة الشائعة قبل قسمتها ، فعن طريق القسمة يتم ازالة الشيوع وتحديد وفرز نصيب كل وارث على حدة ، وجمع نصيب كل وارث من اموال التركة في وثيقة تسمى (الفصل/الفرز/التخروج) ، وتتضمن هذه الوثيقة البيان الاجمالي عن الأموال التي صارت من نصيب الوارث من حيث اوصافها العامة كمقاديرها وعددها ومساحاتها وحدودها واوزانها ومكاييلها اذا كانت من ذوات الوزن أو الكيل واماكن وجودها. وبخلاف التحديد الدقيق لنصيب الوارث يأتي التحديد العام للأنصبة عن طريق الالفاظ العامة كربع التركة أو ربع المنزل أو ربع الدكان ..الخ ، فالتحديد العام لنصيب الوارث لايحقق العلة والحكمة المقصودة من قسمة التركة الشائعة. والتحديد العام هو الذي يأتي بالفاظ وعبارات عامة كالقول: نصيب فلان ربع المنزل أو ربع المزرعة أو ربع السيارة أو ربع الشيول أو ربع الصيدلية أو المطعم...إلخ، دون تحديد مقدار أو مساحة هذا الربع وتعيينه وفرزه. والتحديد العام لأنصبة الورثة على النحو السابق بيانه يؤدي إلى جهالة النصيب ويفضي إلى النزاع بين الورثة في المستقبل مثلما حصل في القضية التي أشار إليها الحكم محل تعليقنا ، فضلاً عن أن التحديد العام ليس قسمة شرعية حقيقية بحسب المفهوم الشرعي والقانوني، فالتحديد العام لنصيب الوارث إجراء ناقص من إجراءات القسمة وقف القسام عنده فلم يواصل بقية اجراءات القسمة، فهناك إجراءات قسمة تالية كان يجب على القسام إتباعها بعد التحديد العام وهو فرز وتعيين الربع من الأرض مثلاً في وثيقة فصل الوارث ثم تنفيذ ذلك عن طريق تنفيذ الفصل وفرز وتعيين نصيب الوارث على ارض الواقع وتسليم نصيب الوارث. علاوة على أن التحديد العام لنصيب الوارث يؤدي إلى إطالة إجراءات القسمة ، مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا ، فقد تم رفعها إلى المحكمة العليا مرتين بسبب التحديد العام المجهول لنصيب المورثة. الوجه الثاني: ماهية القسمة الشرعية وعدم إنطباقها على التحديد العام لنصيب الوارث: عرَّفت المادة (1197) مدني القسمة الشرعية وبينت معناها، فقد نصت هذه المادة على أن (القسمة هي معرفة مقدار ما لكل شريك في المال وإفرازه بعد موازاة السهام في المثليات وتعديلها في القيميات)، فهذا النص صريح في وجوب إفراز وتعيين أنصبة الورثة وتمييزها عن بعضها البعض وتحديد مقدار نصيب كل وارث وفرزه وتعيينه وبيان مساحته وحدوده التي تميزه عن غيره، وذلك بتحرير وثيقة مستقلة باسم كل وارث على حدة ثم تطبيقها على الواقع وتسليم كل وارث نصيبه الشرعي. وهذا المفهوم الشرعي والقانوني للقسمة المذكور في النص القانوني السابق لا ينطبق على تحديد أنصبة الورثة بألفاظ عامة تؤدي إلى جهالة الأنصبة كتحديد الأنصبة بنسب معينة كالقول للوارث 20% أو 10% من التركة أو الحقل أو الجربة أو المزرعة أو السفل أو الحر أو له الثمُن أو الربع من الارض...الخ، وعلى هذا الأساس فإن تحديد نصيب الوارث بألفاظ عامة لا يعد قسمة بالمفهوم الشرعي والقانوني السابق بيانه، فإذا لم يتمكن الورثة أو القسام من قسمة مال معين من أموال التركة قسمة عينية يستلم بموحبها كل وارث نصيبه من العين ،فاذا لم يتمكن الورثة او القسام من فرز نصيب كل وراث في احد أموال التركة وتسليمه لصاحبه ففي هذه الحالة ينبغي على الورثة بيع المال وتقسيم قيمته بين الورثة بحسب الأنصبة الشرعية بدلاً من تحديد أنصبة الورثة تحديداً عاماً كالربع أو 20% ، عملا بالمادة (1202) مدني التي نصت على إنه (إذا كان المال المشترك عيناً لا تقبل القسمة وكان في المهايأة ضرر فتباع ويقسم ثمنها على الشركاء فيها كلٍ بقدر حصته ويجبر المتمرد ويقدم الشريك في الشراء). الوجه الثالث: مضار التحديد العام في القسمة: إذا تم تحديد نصيب الوارث أو الورثة تحديداً عاماً على النحو السابق بيانه، فإن ذلك لا يعد فرزاً أو تعييناً لنصيب الوارث أي أن حالة الشيوع في مال أو أموال التركة لازالت قائمة، وبقاء الورثة على حالة الشيوع يحوّل أو يحد من إنتفاع الوارث بنصيبه أو التصرف فيه بصفة مستقلة عن غيره من الورثة، إضافة إلى أن التحديد العام للأنصبة فيه غرر فاحش فلا يعلم الوارث مقدار نصيبه وكم مساحته وكم قيمته وفي أي جهة يقع نصيبه؟. فضلاً عن أن التحديد العام لأنصبة الورثة يفضى إلى الخلاف بين الورثة في المستقبل بسبب الجهالة الفاحشة التي تلابس التحديد العام لنصيب الوارث، فالتحديد العام لنصيب الوارث لا يحسم شيوع التركة، ولذلك تقع الخلافات والخصومات بين الورثة فتطول إجراءات القسمة مثلما وقع في القضية التي اشار إليها الحكم محل تعليقنا. الوجه الرابع: جزاء عدم التحديد الدقيق لأنصبة الورثة أو الوارث: قضى الحكم محل تعليقنا بأنه يترتب على التحديد العام لأنصبة الورثة في أموال التركة يترتب على ذلك بطلان القسمة ، لأن التحديد العام لانصبة الورثة بألفاظ عامة لا يكون قسمة بمفهومها الشرعي والقانوني، ومع ذلك فإن بطلان القسمة في هذه الحالة قابل للتصحيح، بمعنى إنه إذا كانت إجراءات الحصر قد تمت صحيحة فتم حصر أموال التركة وتم حصر ديون المورث والإلتزامات القائمة على التركة، وتم تحديد أنصبة الورثة تحديداً عاما صحيحا مطابقا لاحكام الشريعة الاسلامية ونصوص القانون،فعندئذ ينبغي إستكمال بقية إجراءات القسمة عن طريق تثمين اموال التركة وتحرير وثيقة التركيز المتضمنة أموال التركة وأثمانها وأنصبة الورثة ثم تحرير فصول القسمة وتنفيذها في الواقع عن طريق تمييز وتعيين نصيب كل وارث وتسليمه نصيبه بموجب فصله، وقد قضى الحكم محل تعليقنا ببطلان القسمة بسبب غياب المورثة عند إجراء القسمة وليس بسبب التحديد العام ، فلو كانت المورثة حاضرة اجراءات القسمة المتضمنة التحديد العام لقضى الحكم محل تعليقنا بإستكمال بقية اجراءات القسمة ، ولم يقض ببطلان القسمة، والله أعلم.

Comments