
مكتب المحامي أحمد فضل أحمد السريحي( الحمودي للمحاماة )
February 27, 2025 at 12:02 AM
إرضاء الوارث بزيادة نصيبه
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
▪️في القسمة الرضائية وفي قسمات كثيرة يرفض احد أو قلة من الورثة يرفضوا المصادقة أو الموافقة أو القبول بنتائج القسمة الرضائية عندما يظهر لهم أن أنصبتهم الشرعية أقل مما كانوا يتوقعوا أو كانوا يحتسبوا، وعندئذٍ يمتنع هؤلاء عن إستكمال إجراءات القسمة اوالمصادقة والتوقيع على وثائق القسمة الرضائية، وحتى تتم اجراءات القسمة الرضائية يقوم الورثة المتقاسمون بالتفاهم لإحتواء الموقف حرصا منهم على نجاح القسمة الرضائية وتمامها ، اذ تسفر هذه التفاهمات عن تنازل الورثة عن بعض اموال التركة للوارث الممتنع وضمها الى نصيب الوارث الانتهازي الممتنع ، وفي بعض الحالات يقوم احد الورثة أصحاب النخوة والشهامة بمنح الوارث المقاسم الممتنع االانتهازي بعض المال حتى يرضى ويقبل المقاسم الانتهازي المحتال يقبل باستكمال إجراءات القسمة والتوقيع على وثائق القسمة المتبقية، ويُطلق في اللهجة السائدة في اليمن على الزيادة التي يحصل عليها الوارث الممتنع مصطلح (مراضاة) .
وقد أشار إلى هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ ٣-١٠-٢٠٢١م في الطعن رقم (٤٥٧٧٤)، المسبوق بالحكم الابتدائي الذي ورد ضمن أسبابه: (فقد ثبت لدى المحكمة سبق القسمة لمخلف مؤرث المتداعين وذلك من خلال الفصل المؤرخ... وكذا من خلال ورقة المراضاة المؤرخة...)، وقد قضت الشعبة الاستئنافية بتأييد الحكم الابتدائي، وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي، أقرت الدائرة الشخصية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: (وقد كان الاطلاع على عريضة الطعن والرد عليها والحكم الاستئنافي المؤيد للحكم الابتدائي، ومن خلال ذلك اتضح أن عريضة طعن الطاعن لم تأتِ بجديد يؤثر على الحكم الاستئنافي المطعون فيه، لأن أسباب الطعن لم تتضمن أيّة حالة من حالات الطعن بالنقض المقررة في المادة (٢٩٢) مرافعات، فتلك الأسباب متعلقة بمسائل واقعية سبقت مناقشتها، مما يستوجب رفض الطعن موضوعًا). وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
➖➖➖➖➖
الوجه الأول: ماهية (المراضاة) بين الورثة:
➖➖➖➖➖
▪️في بعض الأحيان يظهر لأحد الورثة أن نصيبه من التركة أقل مما كان يحتسب أو يتوقع في حساباتهم الخاصة،وقد يطمع احد الورثة المتقاسمين بان يكون له اكثر من نصيبه او ان يكون من نصيبه مال معين من اموال التركة الجارية قسمتها . تظهر أنصبه كل وارث من التركة عند إعداد التركيز الذي يتضمن أموال التركة وأثمانها ونصيب كل وارث منها، فعندئذٍ قد يرفض أحد الورثة التوقيع والمصادقة على وثيقة التركيز وعندئذٍ تتم مراضاة الوارث الممتنع، وفي بعض الحالات يمتنع أحد الورثة عن القبول بنتائج التخارج التي تلي عملية المصادقة على التركيز، فقد يرفض أحد الورثة نتيجة القرعة وعندئذٍ تتم مراضاة الوارث الممتنع.
والمراضاة عبارة عن: مال إضافي يتم إحتسابه للوارث الممتنع زيادة على نصيبه الشرعي، وتتم المراضاة في القسمة الرضائية أو الإختيارية ، ولا مراضاة في القسمة الجبرية، وقد يتحمل الزيادة التي يتم دفعها أو إحتسابها على سبيل المراضاة قد يتحملها أحد الورثة أو جميع الورثة، بمعنى إنه قد يتم إحتساب الزيادة على أحد الورثة الذي يقبل بذلك أو على بقية الورثة.
➖➖➖➖➖
الوجه الثاني: إثبات المراضاة:
➖➖➖➖➖
▪️في بعض الحالات قد يتم تضمين المراضاة في التركيز بهذا المسمى (مراضاة للوارث فلان) ثم يتم إثباتها أيضاً في فصل الوارث الذي تمت مراضاته بذلك المال الإضافي، وفي بعض الحالات قد تتم المراضاة في وثيقة مستقلة سيما عندما يكون الممتنعون من الورثة أكثر من وارث كما تتم المراضاة في وثيقة مستقلة إذا تمت المراضاة بعد تحرير فصول القسمة مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا.
➖➖➖➖➖
الوجه الثالث: التكييف الشرعي والقانوني للمراضاة:
➖➖➖➖➖
▪️سبق القول أن المراضاة عبارة عن تنازل احد الورثة أو بعضهم عن جزء من نصيبهم لحساب الوارث او الورثة الذين امتنعوا عن إستكمال إجراءات القسمة الرضائية، ولذلك فإن التكييف الشرعي والقانوني لهذا التصرف هو أنه عبارة: عن تنازل أو هبة من الورثة أو بعضهم أو أحدهم للوارث الممتنع، والهبة في هذه الحالة جائزة ، لأن حق الورثة في التركة قد تحقق بموت مورثهم، سيما ان حق كل وارث من الورثة قد تحدد عند إعداد التركيز أو بعد إجراء القرعة او التخارج بعد إعداد التركيز.
ومن الناحية الدينية اذا كان التنازل من الورثة او الوارث قد تم عن قناعة وطيب نفس فان المراضاة جائزة ، اما إذا لم تكن كذلك وكانت الهبة أو التنازل للوارث الممتنع قد تمت نتيجة الحرج والضرورة وإتقاء تعطيل اجراءات القسمة الرضائية فان المراضاة محرمة ديانة عملا بقول النبي صلى الله عليه واله وصحبه وَسَلَّمَ (لايحل مال مسلم الا بطيب من نفسه)، والامانة العلمية تقتضي القول بان اغلب المراضات تتم حرصا على إتمام القسمة وإتقاءا لشر المقاسم الممتنع الانتهازي، ولذلك فانها محرمة ديانة لاقضاءا.
➖➖➖➖➖
الوجه الرابع: شيوع المراضاة في القسمة الرضائية للتركات في اليمن:
➖➖➖➖➖
▪️مع أن مصطلح المراضاة كان موجوداً في بعض قسمة التركات التي تمت في القديم أي قبل مائة سنة أو أقل أو أكثر، وذلك في نطاق محدود ولها مايبررها، إلا أن المراضاة في قسمة التركات الرضائية في العصر الحاضر قد ازدادت واتسع نطاقها بسبب شيوع اطماع الدنيا وشيوع ظاهرة الخلط بين الشطارة والاحتيال والانتهازية وظهور ثقافة المغالطة ، فغالباً ما يتعمد أحد الورثة إبتزاز الورثة الآخرين عن طريق إمتناعه عن إستكمال إجراءات القسمة أو التوقيع أو المصادقة على بعض وثائق القسمة الرضائية حتى يحصل على (المراضاة)، وقد شاهدت ذلك بام عيني في عدة قسمات في السنوات الماضية، وغالباً ما يقوم الشهم من الورثة بمراضاة الوارث الممتنع من ماله الخاص أو من نصيبه.
ولمعالجة ظاهرة المراضاة فأن بعض القسامين الأذكياء يقوم بإعداد حساب خاص بالقسمة الرضائية بمسمى حساب قسمة التركة أو تصفية التركة، يتم إدراج المبالغ المتحصلة من عائدات التركة أثناء القسمة أو التصفية في ذلك الحساب الخاص ، وذلك بغرض مواجهة(المراضاة) ومواجهة إجرة العدول والقسامين .
➖➖➖➖➖
الوجه الخامس: دلالة المراضاة على تمام القسمة:
➖➖➖➖➖
▪️ذكرنا في الأوجه السابقة أن الغرض من المراضاة هو تحفيز الوارث الممتنع على إسكتمال إجراءات القسمة والتوقيع على وثائقها، ولذلك فإن المراضاة تدل على أن القسمة قد تمت مثلما أشار الحكم محل تعليقنا، والله اعلم.