
فِقْهُ الطَّبِيب"ما لا يسَعُ المسلم الطبيب جهله"
February 12, 2025 at 06:17 AM
هل للطبيب الحق في أخذ الأجر اللي هو عايزه في عيادته ؟ يعني ما فيش ضوابط معينة في الشرع بالنسبة لموضوع الأجر بتاع الطبيب ؟
ج/ بداية : على سبيل الإجمال، ليس هناك حد شرعي لمسألة الأجرة.
والتسعير الجبري مسألة كبيرة ولها تفاصيل كثيرة، ويمكن القول باختصار أن هناك حالتين لهذه المسألة:
الحالة الأولى :
إذا لم يكن هناك احتكار للسلعة، أو الخدمة، ولا غلاء عام يمنع من الانتفاع بالخدمة.
واختلف أهل العلم في هذه الحالة على قولين، و جمهور أهل العلم على المنع من التسعير.
وهو الراجح واستدلوا على ذلك عدة أدلة منها :
الحديث عَنْ أَنَسٍ قَالَ: غَلَا السِّعْرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، سَعِّرْ لَنَا، فَقَالَ «إِنَّ اللَّهَ هُوَ المُسَعِّرُ، القَابِضُ، البَاسِطُ، الرَّزَّاقُ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى رَبِّي وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَطْلُبُنِي بِمَظْلِمَةٍ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ» [صحيح: ومعنى (سَعِّرْ لَنَا) أي ضع لنا تسعيرة محددة للبضائع ].
وحديث أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلًا، جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، سَعِّرْ لَنَا. فَقَالَ: «بَلْ أَدْعُو اللَّهَ» ، ثُمَّ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، سَعِّرْ لَنَا. فَقَالَ: «بَلِ اللَّهُ يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَتْ لِأَحَدٍ عِنْدِي مَظْلَمَةٌ» [حسن]
فذلك دليل على منع التسعير، فالناس مسلطون على أملاكهم، ولا يحل مال امرئ بغير طيب نفس.
الحالة الثانية:
إذا كان هناك نوع من الغلاء أو الاحتكار، بما يكون فيه تضييق على الناس وتعطيل لمصالحهم وإدخال العنت والمشقة عليهم.
وهنا جمهور أهل العلم أيضاً على المنع من التسعير.
لكن الصحيح هو الرأي التاني أنه يجوز التسعير في هذه الحالة. يقول الإمام ابن العربي رحمه الله معلقًا على الحديث السابق: "وما قاله النبي ﷺ حق ، وما فعله حكم ، لكن على قوم صح ثباتهم واستسلموا إلى ربهم ، وأما قوم قصدوا أكل أموال الناس وتضييق عليهم فباب الله أوسع وحكمه أمضى"
وعلى كل الأحوال الصورة التي نتكلم عليها لا يتحقق فيها معنى الاحتكار والتضييق على عموم الناس، فالطبيب في عيادته الخاصة ليس هو السبيل الوحيد للحصول على الخدمة الطبية، فهناك الكثير من البدائل، هناك مستشفيات عامة، ومستشفيات خاصة، وعيادات أهلية، وغير ذلك.
نعم قد لا يكون مستوى الخدمة واحداً، لكن يظل هناك بديل، وليس هناك احتكار.
فهنا نقول الأصل أنه يجوز للطبيب إن يضع التسعيرة التي يراها متناسبة مع جهده، ومع ما بذله من وقته ومن مال وغير ذلك لتحصيل هذا العلم في عمومه، وهذا التخصص الدقيق مع الخبرة على وجه الخصوص.
لكن مع كل هذا نقول وننصح إخواننا الأطباء بالرفق واللين والرحمة ، فلا يكون غرض الإنسان فقط مجرد تحصيل المنافع الدنيوية المحضة ، فما عند الله خير وأبقى .
والإنسان يأخذ من الدنيا ما يكفيه ويبتغي فيما آتاه الله الدار الآخرة .
وليس هناك أرجى للإنسان من تحصيل رحمة الله، وباب المسامحة في المعاملات، والتيسير على الناس والرفق بهم هو باب لتحصيل رحمة الله تعالى ورضاه.
قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ : «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى» [البخاري]
فمن الممكن أن يكون باب الطب هذا من أسباب دخول الجنة، ونيل رضى الله تعالى، خاصة وهي مهنة تتعامل مع ضرورة من ضروريات الحياة، وهي حفظ النفس.
وهناك الكثير من الأطباء يبحثون عن أبواب للخير، ويسألون عن سبل عمل الخير وتحصيل الثواب، وبعضهم لا يبخل في إنفاق المال الكثير في سبيل الله.
لكن قد يضن بعلمه، ولا يتحمس أبداً للتقليل من أجرته أو المسامحة فيها.
وسبحان الله !! يتعب نفسه للبحث عن الباب الأبعد ولديه باب عظيم للخير بين يديه.
ولا يشترط أن يقلل الطبيب من أجره، إذا رأى أن هذا لا يتناسب مع مكانته، لكن يمكنه تقديم الخدمة مجاناً لغير المحتاجين، ونحو ذلك.
فأنصح لإخواني أن ينفقوا مما آتاهم الله ، ومما آتاك الله هذا العلم
وكن على يقين أن الله سبحانه وتعالى شكور فيجازي العبد على ما قدمه وهو قليل بالجزاء الوفير.
فإذا الإنسان نظر إلى هذه النقطة يعتدل لديه الميزان، وتنضبط أمور حياته ومعاملاته.
- الشيخ د. محمد فرحات
#فتاوي_الدكتور_محمد_فرحات
#فتاوي_فقه_الطبيب
#فتاوي_العمل
❤️
5