🖋جَوَابُ الشَّيْخِ أَبِي عَبْد المُعِزِّ مُحَمَّد عَلِي فَرْكُوس ـ حَفِظَهُ اللهُ ـ عَلَى شُبْهَةِ اخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي الإِنْكَارِ العَلَنِيِّ وَالتَّفْرِيقِ بَيْنَ حُضُورِ الحَاكِمِ وَغِيَابِهِ 📜السؤال: عِندي شُبهَةٌ أُرِيدُ إِزَالَتَهَا؛ يُقَالُ: إِنَّ الصَّحَابَةَ اخْتَلَفوا في الإنْكَارِ العَلَنِيِّ... وَنَحْنُ وَجَدْنا حَديثَ: (مَن كانَ لَه نَصِيحَةٌ...) ولَم نَجِدْ أحَادِيثَ تُؤَكِّدُ الإَنكارَ عَلىَ الحَاكِمِ فِي غَيْبَتِهِ. 🎙جَوَابُ الشَّيْخ: أَنْتَ تَرَى الإنْكَارَ بِحَضْرَةِ الحَاكِمِ أَدْنَى أَو أَشَدَّ مِنَ الإنْكَارِ في غَيبَتِهِ؟ مَن أَشَدُّ؟ في حَضْرَتِهِ أو فِي غَيبَتِهِ؟ في حَضْرَتِهِ أَشَدُّ؛ لِأَنّهُ يُعَرِّضُ صَاحِبَهُ للخَطَرِ، فَإِذَا كَانَ فِي حَضْرَتِهِ أَشَدَّ، أَلاَ يَكونُ مَا دُونَهُ منْ بَابِ أَوْلَى؟! لَما تَقُولُ: أَشَدُّ، يَدْخُلُ فِيهِ الأَدْنَى. مَثَلاً: نَهيُهُ ﷺ عنِ الإسْبَالِ، بَعْضُهُم قَالَ: الإسْبالُ أَنْ يكُونَ صُورَتُهُ صُورَةَ خُيَلَاءَ؛ هذِهِ لاَ يَختَلِفونَ فِيهَا، لَكنْ صُورَةُ الإسْبَالِ دُونَ خُيلاَءَ، هلْ هْيَ إِسْبَالٌ؟ نَعَم، لأَنَّ فيهِ عُقُوبةٌ أَقَلَّ؛ إذَا كَانَ فِيهِ نَهْيٌ عَن شَيْءٍ أَشَدَّ، يَدْخُلُ فيهِ الأخَفُّ، والعَكسُ أَيْضاً؛ إِذَا نَهَى اللَّهُ عنِ التَّأفِيفِ للوَالِدَيْنِ، فَالضَّرْبُ والشَّتْمُ مِن بَابِ أَوْلَى، وَلَا نَقُولُ: إِنَّ الآيةَ ذَكَرَتْ التَّأْفِيفَ، وَلَم تَذْكُرِ الضَّرْبَ والشَّتْمَ؛ فَنَقُولُ: الضَّرْبُ والشَّتْمُ منْ بَابِ أَوْلَى لأنَّهُ أَشَدُّ. لَوْ جَاءَتِ الآيةُ نَهْياً عَنِ الضَّرْبِ والشَّتْمِ؛ نَقولُ: الضَّرْبُ والشَّتْمُ فِيهِ إِِيذَاءٌ، فَنَقُولُ: التَّأْفِيفُ وَ إِنْ لَم يُذْكَرْ فِي الآيةِ يَدْخُلُ فِيهِ؛ لأنَّهُ مِنَ الإِِيذَاءِ، إذَنْ فِيهِ أَمْرَانِ: الأَمْرُ الأَوَّلُ: إذَا كَانَ شَيءٌ يَدْخُلُ فِي فَحْوى الخِطَابِ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ...} [الزلزلة: 7] الآيةِ؛ إذا عَمِلَ جَبَلاً فَمِنْ بابِ أَوْلَى، وَذَكَرَ الأَشَدَّ إذَا كَانَ يَنطَوِي عَلَيهِ مَا دُونَهُ، لَكِنَّهُمَا فِي العِلَّةِ سَوَاءٌ إِذًا هِيَ نَصِيحَةٌ؛ فَهَذَا يَدْخُلُ فِيهِ مِنْ بَابِ التَّنْبِيهِ بِالتَّخْفِيفِِ عَلَى الأَشَدِّ، فَإِِذَا كَانَ يُنكِرُ فِي حَضْرَتِهِ، نَقُولُ: الإنْكارُ فِي غَيبَتِهِ تَنْبِيهٌ بالأَشَدِّ عَلَى الأَخَفِّ، لِأَنَّ مُعَاوِيَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ قال رسول الله ﷺ: (سَتَكُونُ أَئِمَّةٌ مِنْ بَعْدِي، يَقُولُونَ فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُمْ، يَتَقَاحَمُونَ فِي النَّارِ كَمَا تَقَاحَمَتِ القِرَدَةُ). (1) إذَنْ لَا يَرُدُّ عَلَيْهِمْ؟ الو‌َاجِبُ الرَّدُّ عَلَيْهِمْ وَ هُو الإِنْكَارُ العَلَنِيُّ؛ وفَسَّرَها مُعَاوِيَةُ بفِعْلِهِ ولَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ، ثُمَّ الجُمُعةُ الأُخْرَى اغْتاظَ، وَفِي الثَّالِثَةِ قامَ رَجُلٌ وأَنْكَرَ ... فَفَرِحَ بِذَلِكَ. فَرِحَ لأنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي هَذَا التَّقَاحُمِ لِأنَّهُ رَدَّ عَلَيْهِ. إذَنْ هَذَا فِيهِ إِنْكَارٌ عَلَيْهِ فِي حَضْرَتِهِ، وحَدِيثُ ابنِ عَبَّاسٍ هُوَ ذَاتُهُ وَرَدَ عَنهُ حَديثُ إنْكَارِهِ عَلَى عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- حَيْثُ قَالَ : {لاَ يُحْرِقُ بِالنَّارِ إِلاَّ رَبُّ النَّارِ...} [صحيح البخاري]، الحَدِيثُ؛ فَلَمَّا بَلَغَ عَلِيّاً قَوْلَهُ، قَالَ:{لِمَ لَمْ تُبَلِِّغْني؟}، وَ هُوَ رَاوي الحَدِيثِ عنه ﷺ: «مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ نَصِيحَةٌ لِذِي سُلْطَانٍ فَلَا يُكَلِّمُهُ بِهَا عَلَانِيَةً، وَلْيَأْخُذْ بِيَدِهِ، وَلْيُخْلِ بِهِ، فَإِنْ قَبِلَهَا قَبِلَهَا، وَإِلَّا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ وَالَّذِي لَهُ}. أَمَّا قَولُكَ: الصَّحَابَةُ اخْتَلَفُوا، لَمْ يَخْتَلِفُوا؛ فَمَن اسْتَطَاعَ أَنْ يُنكِرَ سِرًّا فَلْيُنكِرْ سِرًّا، وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُنكِرَ سِرًّا، لا يَجُوزُ أَنْ يَتْرُكَ المُنْكَرَاتِ تَتَفَشَّى؛ لِأَنَّ المُنكَرَاتِ تُصْبِحُ مَعْرُوفَةً، ويَخْرُجُ النَّاسُ ويَقُولُونَ لَوْ كَانَ حَرَاماً لَأَنْكَرَهُ فُلَانٌ، وتَنْتَشِرُ المُنكَرَاتُ في المُجْتَمَعِ وتُصْبِحُ مَعْرُوفَةً ؛ فَتُصْبِحُ أُمُورًا كَبِيرَةً، إذَنْ نَحْنُ عِنْدَنا الأَصْلُ فِي الإنْكَارِ {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110] الآيَةِ، وَ قَولُهُ: {تَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ} [آل عمران: 104]، يَدْخُلُ فِيهَا أُمُورٌ كَثِيرَةٌ؛ كُلُّ المَعَاصِي والمُنكَرَاتِ {مَن رَأَى مِنكُم مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيَدِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسانِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وذلكَ أضْعَفُ الإيمانِ} [صحيح مسلم: ] المُنكَرُ هَذَا عَامٌّ يَشْمُلُ كُلَّ المُنكَرَاتِ. الآنَ ثَبَتَ الإنْكَارُ عَلَى الحَاكِمِ في سِرِّهِ وحَضْرَتِهِ، ولَمْ يَثْبُتْ فِي غَيْبَتِهِ، نَقُولُ هَذا مَشْمُولٌ بالإنْكَارِ العَامِّ؛ نَقُولُ هَذَا عَامٌّ بَيّنَ العُمُومِ والخُصُوصِ يَقُولُ: (وجُعِلَتْ لي الأرْضُ مَسْجِدًا وطَهُورًا) [صحيح مسلم:]، أَيْ الأَرْضُ كُلُّها مَسْجِدٌ، إذَنْ نَقولُ أنَّهُ عَامٌّ. الآن تُزِيلُ أَنتَ منَ النَّصِ المَقْبَرَةُ لا يَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهَا، الأَمَاكِنُ النَّجِسَةُ لا يَجُوزُ، الحَمَّامُ لا يَجُوزُ، فَمَا بَقِيَ يَجُوزُ. تَقُولُ الأَرْضُ فِي الجَزَائِرِ لَمْ يَذكُرْها، نَقُولُ دَاخِلَةٌ فِي العُمُوم، تَقولُ لَم يَذكُرِ الجِبَالَ والسُّفُنَ، نَقُولُ هَذَا شَامِلٌ لِهَذَا. زَمَانَ كَانَتِ الصَّلَاةُ فِي البِيَعِ والمَسَاجِدِ، لَكِنْ فِي زَمَانِنا الأَرْضُ كُلُّها نَفْسَ الشَّيء؛ إنْ لَمْ يُذْكَرْ هَذَا هُوَ مَشْمُولٌ بالنَّهيِ العَامِّ {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ...} [آل عمران: 110] هَذَا أَوَّلاً. وَ ثَانِيًا أَنَّ الأَشَدَّ شَامِلٌ لِلأَخَفِّ ، فَالحَدِيثُ الأَوَّلُ يُعَرِّضُ فِيهِ نَفْسَهُ لِكَذا، مِثلَ حَديثِ: (كَلِمَةُ حَقٍّ عِندَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ) [صحيح مسلم: ]، وَ هَذَا أَخَفُّ مِنْهُ، مِثلَ الإِسْبَالِ فِيهِ خُيَلاَءَ؟! هَذَا مُحَرَّمٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ خُيَلاَءٌ، فَإِنَّهُ يَتَّصِفُ بِالإِسْبالِ أَيْضاً. والعِلْمُ عِندَ اللهِ تَعَالَى. 📍 القُبَّةِ بَعْدَ فَجْرِ يَوْمِ 7 شَعْبَانَ 1446هـ المُوَافِقِ لِـ 6 فِيفَرِي 2025م ___ (1) قال الشيخ الألباني : ( صحيح ) صحيح الجامع