
قَنَاةُ السَّادَةِ الْحَنَابِلَةِ
February 7, 2025 at 02:02 PM
تأمَّل هذا الكلام من إمام أهل التدقيق، ومالكِ أزمَّة التحقيق؛ الملا إبراهيم الكورانيِّ؛ فهو كلام نفيسٌ يعلِّم طالب العلم الإنصافَ، والمنهجيَّةَ، وتحريرَ محلِّ النزاع في المسائل، وغير ذلك من فوائد غزيرة عزيزة لا تخفى على الفَطِن.
قال رضي الله تعالى عنه في خاتمة كتابه "العين والأثر في عقائدِ أهلِ الأثَر" ( ص 251 - 253) في الكشف عن حقيقة حال الشيخ ابن تيميَّة وتلميذِه ابن القيِّم في عقيدتهما:
(فبعد النظر الجامع لمتفرِّقات كلامِهما.. ظَهَرَ لي أنَّه ليس في كلامِهما إثباتُ الجهة على الوجه المحذور، وأمَّا التجسيم.. ففي كلامهما التصريح بنفيه في غير ما موضعٍ.
وقد نَسَبَ إليهما القولَ بالمسألتين جماعةٌ من أكابر العلماء من معاصرٍ لهما ومتأخِّرٍ عنهما، وهؤلاء الأئمَّة الذين عَزَوا إليهما القولَ بالمسألتين وإن كانوا أجلَّاءَ وأنَّ الظنَّ بهم أنَّهم ما عَزَوا إليهما ما عَزَوا إلَّا بعد الاطلاع في كلامِهما على ما أوجب في ظنهم ذلك، وأنَّهم لم يحملهم على ذلك عصبيَّةٌ، ولا حَجَبَ المعاصِرَ منهم لهما معاصَرَتُه عن القول بالحقِّ، بل إنَّهم قصدوا بذلك الانتصارَ للحقِّ، والنُّصرةَ للدِّين، وإماطةَ الأذى عن طريق عقائد المسلمِين بمبلغ علمِهم؛لكنَّ هذا الظنَّ إنَّما ينبغي أن يَسلُك طريقَه مَن لم يقف على شيءٍ من كلامِهما، أو وقف على ذلك ووافق فهمُه لكلامِهم فهمَ المشنِّعين عليهما له. وأمَّا مَنِ اطَّلَعَ في كلامهما على ما يدلُّ صريحًا على نفي التجسيم وعلى نفي الجهة على الوجه المحذور.. فلا يتأتَّى له أن يترك العلمَ واليقينَ لحُسْنِ الظنِّ بأولئك الأئمَّة، بل له أن يَشهَدَ بما يَعلم من كلامهما تاليًا: {وَمَا شَهِدْنَا إِلّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ}، وهو بذلك عاملٌ بمضمون قولِه تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}، وبمضمونِ قولِه صلَّى الله عليه وسلَّم : (مَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ.. حَبَسَهُ اللهُ فِي رَدْغَةِ الْخَبَالِ حَتَّى يَأْتِيَ بِالْمَخْرَجِ)، وقولِه صلَّى الله عليه وسلَّم: (مَنْ قَفَا مُؤْمِنًا بِمَا لَيْسَ فِيهِ يُرِيْدُ شَيْنَهُ بِهِ.. حَبَسَهُ اللهُ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ)، وقولِه صلَّى الله عليه وسلَّم:(أَيُّمَا رَجُلٍ أَشَاعَ عَلَى رَجُلٍ مُسلِمٍ بِكَلِمَةٍ وَهُوَ مِنْهَا بَرِيءٌ.. كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَن يُذِيْعَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي النَّارِ حَتَّى يَأْتِيَ بِنَفَاذِ مَا قَالَ). وقولِ ابن عباسٍ رضي الله عنهما في الآية: (لا ترمِ أحدًا بما ليس لك به علمٌ). وقولِ قتادةَ في الآية: (لا تَقُلْ سمعتُ ولم تسمع، ولا تَقُلْ رأيتُ ولم ترَ؛ فإنَّ اللهَ يسألُكَ عن ذلك كلِّه).
هذا وقد مَرَّ عن سيِّدنا عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه قولُه: (وضَعْ أمر أخيك على أحسنه حتى يجيئك منه ما يغلبك، ولا تظنَّنَّ بكلمةٍ خرجت من مسلمٍ شرًّا أو سوءًا وأنت تجد لها في الخير محملاً).
ونحن لم يجيئنا من ابن تيميَّة وتلميذِه ما يغلبُنا؛ لأنَّا وجدنا لكلامِهما في الخير محملًا، فوضعنا أمرَهما على أحسنِه عملًا بالوصية.
وأمَّا مَن يَنسُبُ إليهما القول بالجسميَّة والجهة.. فلعلَّه جاءه منهما ما غلبَه حيث لم يفهم من كلامهما إلَّا أنَّهما قائلان بالجسميَّة والجهة على الوجه المحذور، فلم يجِدْ لكلامهما في الخير محملًا، فلم يضَعْ أمرَهما على أحسنِه، وكلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ له، وكلُّ مجتهدٍ - مطلقًا أو مقيَّدًا - إذا رزقَه اللهُ حُسْنَ القصد، وكان اجتهادُه في نصر السُّنَّة لا البدعة.. فهو مأجورٌ أصاب أو أخطأ، وإن تفاوتت مراتبُ الأجر فيهما.
نعم، يوجد في كلامِهما - ولاسيَّما ابن القيِّم - مِنَ الجراءة والإقدام على علماء الأُمَّة وأكابرِ الأئمَّة والمبالغةِ في التعنيف والتشنيع عليهم ما هو معروفٌ عند الواقفين على كلامهما، حتى عُدَّ ذلك من دأبِ ابنِ القيِّم في كلام بعض المتأخِّرين. وكثيرٌ من ذلك أو أكثرُه ناشئٌ عن سوء الفهم والانحراف، والله أعلم.
وليس كلامنا في تنزيه ساحتِهما عن مثل هذه الأمور، وإنَّما المراد أنَّ ما نُسِبَ إليهما مِنَ القول بالتجسيم والجهة على الوجه المحذور ليس ممَّا يدلُّ عليه كلامهما فيما وقفنا عليه إذا حُقِّق وجُمع بين متفرَّقاته، مع تسليم اشتمال كلامِهما على التهوُّر المبنيِّ على سوء الفهم، المتضمِّنِ لترك رعاية الأدب مع الأجلَّاء، ولكنَّ الله سبحانه وتعالى يقول: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ تُكْفَروهُ}، {وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ}).
الشيخ الفاضل/ أحمد بن سهيل المشهور حفظه اللَّه ...
👇🏻👇🏻
Follow the قَنَاة السَّادَة الْحَنَابِلَة channel on WhatsApp: https://whatsapp.com/channel/0029Vaj7I6B3mFY7Nu3QOF0f