قَنَاةُ السَّادَةِ الْحَنَابِلَةِ
February 20, 2025 at 05:00 PM
*( فَصْلٌ: قَبُولُ الْهَدِيَّةِ إذَا لَمْ تَكُنْ عَلَى عَمَلِ الْبِرِّ )*
قال العلامة مفتي الحنابلة بدمشق: الرحيباني السيوطي في *"مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى"* في *"كتاب الهبة"* ما نصه: وَيَجِبُ عَلَى مَنْ شَفَعَ شَفَاعَةً لِآخَرَ، فَأَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ؛ لِمَا *(فِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُد: «مَنْ شَفَعَ لِأَخِيهِ شَفَاعَةً، فَأَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً؛ فَقَدْ أَتَى بَابًا عَظِيمًا مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا»).*
قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَمْسِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: وَمِنْهَا الْهَدِيَّةُ لِمَنْ يَشْفَعُ لَهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَنَحْوِهِ؛ فَلَا يَجُوزُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي: وَأَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّهَا كَالْأُجْرَةِ، وَالشَّفَاعَةِ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ؛ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهَا.
وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ، فَأَدَّاهَا، فَأُهْدِيَتْ لَهُ هَدِيَّةٌ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُهَا إلَّا بِنِيَّةِ الْمُكَافَأَةِ انْتَهَى.
*(وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يَنْبَغِي لِلْخَاطِبِ إذَا خَطَبَ لِقَوْمٍ)* امْرَأَةً *(أَنْ يَقْبَلَ لَهُمْ هَدِيَّةً)* لِأَنَّ الْخَاطِبَ كَالشَّفِيعِ؛ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ قَبُولِ الْهَدِيَّةِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَمَسْرُوقٍ رضي اللَّه عنهم فِي قَوْله تَعَالَى: *﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾* نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ كَانُوا يَسْمَعُونَ لِمَنْ يَكْذِبُ عِنْدَهُمْ، وَيَأْخُذُونَ الرِّشْوَةَ مِمَّنْ يَحْكُمُونَ لَهُ، وَالْهَدِيَّةَ مِمَّنْ يَشْفَعُونَ فِيهِ.
وَقَالَ جَمَاعَةٌ: السُّحْتُ خَمْسَةَ عَشَرَ: الرِّشْوَةُ وَمَهْرُ الْبَغْيِ، وَحُلْوَانُ الْكَاهِنِ، وَثَمَنُ الْكَلْبِ، وَالنَّرْدُ، وَالْخَمْرُ، وَالْخِنْزِيرُ، وَالْمَيْتَةُ، وَالدَّمُ، وَعَسْبُ الْفَحْلِ، وَأَجْرُ النَّائِحَةِ، وَالْمُغَنِّيَةِ، وَالسَّاحِرِ، وَأَجْرُ مُصَوِّرِ التَّمَاثِيلِ.
وقال الإمام العلامة ابن مفلح في *"الآداب الكبرى"* قَالَ أَبُو الْحَارِثِ: إنَّ أَبَا عَبْدَ اللَّهِ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَسْأَلهُ الرَّجُلُ الْحَاجَةَ فَيَسْعَى مَعَهُ فِيهَا فَيُكَافِئُهُ عَلَى ذَلِكَ بِلُطْفِهِ يُهْدِي لَهُ تَرَى لَهُ أَنْ يَقْبَلَهَا؟ قَالَ إنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ الْبِرِّ وَطَلَبِ الثَّوَابِ كَرِهْتُ لَهُ ذَلِكَ، فَهَذَا النَّصُّ إنَّمَا فِيهِ الْكَرَاهَةُ لِمَنْ طَلَبَ الْبِرَّ وَالثَّوَابَ، وَظَاهِرُهُ يَجُوزُ لِغَيْرِهِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُ أَصْحَابِنَا فِي الْمُعَلِّمِ إنْ أُعْطِيَ شَيْئًا بِلَا شَرْطٍ جَازَ، وَإِنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَكَرِهَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ لِحَدِيثِ الْقَوْسَيْنِ.
قَالَ فِي الْمُغْنِي: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَصَدَ الْقُرْبَةَ فَكَرِهَهُ لَهُ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَقَالَ صَالِحٌ وُلِدَ لِي مَوْلُودٌ فَأَهْدَى إلَيَّ صَدِيقٌ لِي شَيْئًا، فَمَكَثْت عَلَى ذَلِكَ أَشْهُرًا، وَأَرَادَ الْخُرُوجَ إلَى الْبَصْرَةِ فَقَالَ لِي: كَلِّمْ لِي أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَكْتُبُ لِي إلَى الْمَشَايِخِ بِالْبَصْرَةِ فَكَلَّمْته، فَقَالَ: لَوْلَا أَنَّهُ أَهْدَى إلَيْك كَتَبْتُ فَلَسْتُ أَكْتُبُ لَهُ.
وَقَالَ صَالِحٌ قُلْتُ لِأَبِي: رَجُلٌ أَوْدَعَ رَجُلًا وَدِيعَةً فَسَلَّمَهَا إلَى الَّذِي أَوْدَعَهُ فَأَهْدَى إلَيْهِ شَيْئًا يَقْبَلُهُ أَمْ لَا؟ فَقَالَ أَبِي: إذَا عَلِمَ أَنَّهُ إنَّمَا أَهْدَى إلَيْهِ لِأَدَاءِ أَمَانَتِهِ فَلَا يَقْبَلْ الْهَدِيَّةَ إلَّا أَنْ يُكَافِئ بِمِثْلِهَا، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ السَّابِقَةِ.
وقال منقح المذهب الإمام المرداوي في *"الإنصاف"* لا يجوزُ إعْطاءُ الهَدِيَّةِ لمَن يشْفَعُ عندَ السُّلْطانِ ونحوه. ذكَرَه القاضي، وأوْمَأ إليه؛ لأنها كالأجْرَةِ، والشَّفاعَةُ مِن المَصالحِ العامَّةِ، فلا يجوزُ أخْذُ الأجْرَةِ عليها، وفيه حدِيث صَرِيحٌ في السُّنَنِ. ونصُّ الإمامُ أحمدُ، وَيُكْرَهُ أنْ يَتَوَلَّى الْبَيعَ وَالشِّرَاءَ بِنَفْسِهِ، وَيُستَحَبُّ أنْ يُوَكِّلَ فِي ذلِكَ مَنْ لَا يُعْرَفُ أنَّهُ وَكِيلُهُ.
وقال رحمه اللَّه، في مَن عندَه وَدِيعَة فأدَّاها فأهْدِيَتْ إليه هَدِّيةٌ، أَنه لا يقْبَلُها إلَّا بنِيَّةِ المكافَأةِ. وحُكْمُ الهَديةِ عندَ سائرِ الأماناتِ كحُكْمِ الوَدِيعَةِ. قاله في «القاعِدَةِ الخَمْسِين بعدَ المِائَةِ».
Follow the قَنَاة السَّادَة الْحَنَابِلَة channel on WhatsApp: https://whatsapp.com/channel/0029Vaj7I6B3mFY7Nu3QOF0f