تأملات سلوكية
May 15, 2025 at 02:02 PM
قال لي أحد الإخوان بعد أن قرأ مقامة تنبيه الذكي للزلل الخفي
والله أيها الشيخ الحكيم لقد خوفتني من نفسي على نفسي فماذا أقول عن الشيطان الذي يتربص بي عند كل منحنى وأنا أستعيذ بالله منه في كل صلاة وكل حين فاللهم احفظ أنفسنا من أنفسنا ووساوسها.
كيف لي أن أفرّق بين وسوسة النفس ووسوسة الشيطان ؟
فأعددت له هذا الجواب متكلفا خشية الجفاء برده، قائلا:
يا صاحب القلب اليقظ، ما أجمل هذا الخوف الذي هو عين البصيرة، وما أعذب هذا الوجل الذي هو مفتاح النجاة. لقد سألت سؤال العارفين المراقبين لأنفسهم، وهو سؤال من عرف أن العدو الأقرب هو النفس، والعدو الأبعد هو الشيطان، وكلاهما على قلب ابن آدم جاثمان.
فأما النفس، فهي تزين لك ما تشتهيه طبعًا وهوىً، وتدعوك إلى العاجلة، وتزين لك الحظوظ الذاتية، وتتلطف في الدعوة، وتدعو إلى ما فيه لذة عاجلة ولو كان فيه الهلاك، وهي أشد إلحاحًا إذا ضعف العبد عن محاسبتها.
وأما الشيطان، فإنه يُلقي الخواطر الفجائية، ويُلقي الوسوسة الغامضة الخفية التي قد تأتيك على صورة أفكار فجائية سوداء، ويدعوك إلى ما يعلم أنه يهلك دينك ودنياك، وقد يُلحّ ثم يفتر، فإن وجد القلب منصرفًا عنه انصرف، وإن وجده ميالًا وجد مدخلًا.
وقد قال بعض أهل المعرفة:
وسوسة النفس تكون بتزيين المعصية واستحسانها وتكرار الخواطر، أما وسوسة الشيطان فتكون مفاجئة خاطفة، لا تتكرر إلا إذا وجدت القلب لاهيًا غافلًا.
وقال أحد العارفين:
وسوسة الشيطان يبدأها بالشكوك والخواطر الرديئة حتى يُوقع في العبد ضعف اليقين، وأما النفس فتُلحّ في شهواتها وتدعو إلى الهوى والغفلة.
والفرق الدقيق بينهما أن النفس تريد شهوة نفسك، ولو كان فيها ضرر دينك، والشيطان يريد هلاك دينك ولو زهدك في الدنيا كلها.
فالشيطان قد يُزهدك في الدنيا من باب تزيين البدع، أو يصرفك إلى الرهبنة الكاذبة، أو يقودك إلى التصوف المنحرف، ليهلك دينك، وأما النفس فلا تطلب ذلك، إنما هي تركض خلف شهواتها من مأكل ومشرب وجاه.
فإذا رأيت خاطرا يُلِحّ على معصية تراها موافقة لهواك، فهذه من النفس.
وإذا رأيت خاطرًا غريبًا يلقيه في قلبك على صورة كفر أو يأس أو سوء ظن بالله أو بأوليائه، فاعلم أنه من الشيطان.
ولهذا كان من علاج وسوسة النفس: مخالفة الهوى، والمجاهدة، ومحاسبتها في كل لحظة.
ومن علاج وسوسة الشيطان: الاستعاذة، والإعراض عن الخواطر، وعدم الالتفات إليها ولو عظمت، مع كثرة الذكر وتلاوة القرآن.
وقد قالوا: النفس تُصلح بالمجاهدة، والشيطان يُرد بالاستعاذة.
فاستعذ بالله، وجاهد نفسك، وكن عبدًا ربانيًا لا عبدًا شيطانيًا ولا نفسانيًا.
إليك أيها السالك إلى ربك دعاءً مجرّبًا من مجاهدات السلف الصالحين، يجمع الاستعاذة من النفس الأمارة بالسوء ومن وساوس الشيطان، مع طلب التوفيق لما يُرضي الله عز وجل، فاحفظه وكرره في خلواتك، فإن الله قريب مجيب:
"اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر الشيطان وشركه وشركه، ومن شر ما يتخبطني به في يقظتي ومنامي.
اللهم إني اعوذ بك من أن يتلاعب بي الشيطان في يقظة أو منام
اللهم ألهمني رشدي، وقني شر نفسي، وزكِّها أنت خير من زكّاها، أنت وليها ومولاها.
اللهم اجعل هواي تبعًا لما تحب وترضى، واقطع عني حظوظ نفسي، واصرف عن قلبي وساوس الشيطان وهمزاته، ولا تجعل للشيطان علي سلطانًا.
اللهم اجعلني من الذين إذا ذكروا بك خشعوا، وإذا ابتُلوا صبروا، وإذا أذنبوا استغفروا، وإذا وسوست لهم نفوسهم استغاثوا بك.
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، يا مصرف القلوب صرف قلبي إلى طاعتك، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا أقل من ذلك.
اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أُضل، أو أزل أو أُزل، أو أظلم أو أُظلم، أو أجهل أو يُجهل علي.
اللهم طهر قلبي من النفاق، وعملي من الرياء، ولساني من الكذب، وعيني من الخيانة، فإنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور."
اجعله وردك في جوف الليل، وفي سجودك، وفي خلواتك، فإن الله إذا اطلع على قلبك فوجده مستغيثًا به في صدق، كفاك نفسك والشيطان والدنيا كلها.
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وارزقنا اليقظة في الدين، والسلامة من وساوس النفس والشيطان
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
حسن بن خلف بن سعيد الريامي
🤲
1