تأملات سلوكية
May 17, 2025 at 07:44 PM
مقام البُردة في طريق المحبة في تَذوّق مدائح النبي بين البوصيري وشوقي ما بين قلبٍ قد ذابَ في هواه، وقلمٍ قد رقّ حتى خُيّل إليك أنه يسجدُ على الورق، وُلدت في تاريخ الشعر قصيدتان، ما كتبهما شاعرُ هوى، بل محبٌّ غلبه الشوق فأنطقته الدموع. البوصيري، ذلك العابدُ الذي نُكّس جسدُه وارتفعت روحه، كتب بردته لا من طيب العافية، بل من لذع البلاء؛ وحين اشتدّ به المرض، لم يسأل الشفاء، بل سأل القبول... فلما نامَ على شاطئ الرجاء، أيقظه رسول الله صلى الله عليه وسلم ببُردته، فقام وقد طابت له الحياةُ بالبكاء. بردته ليست قصيدة، بل نداءٌ نُفِخ فيه من روح التصوف، لا يُتغنّى بها بل يُناجى بها، ولا تُقرأ إلا كما تُقرأ صلوات السحر بين نور الرجاء ودمع الخشوع. أما شوقي، أمير الشعر، ونديم الدهر، وابن المدارس والقصور، فقد وقف عند محراب المدح بعمامة البيان وسجادة البلاغة، فأنشأ نهج البردة، وأبدع، وعرّج، وطار. هو لم يذرف دموعًا، ولكنه نثر دررًا، ولم يُمسك مسبحة التهجد، لكنه أدار قلائد البيان على عنق القصيدة، حتى صارت بردتُه نغمةً في مجلس الأدباء، كما كانت بردة البوصيري تنهيدةً في زاوية الأولياء. البوصيري نَحَتَ القصيدة من خوفه على نفسه، وشوقي نَسَج القصيدة من يقينه بمقام النبي صلى الله عليه وسلم بين الأمم. فشتّان ما بين بُردةٍ كانت سجادةً لصوفيٍّ تائب، وبين بُردةٍ كانت ثوبًا لملكٍ يُعظّم النور بكلمات الملوك. أيّهما أحبّ إلينا؟ من قال البوصيري، قاله بقلبه. ومن قال شوقي، قاله بعقله. وكلاهما قد صدق، ولكن ما طاب العقل يومًا إلا حين يتبع القلب. حسن بن خلف بن سعيد الريامي ليلة الأحد 20ذي القعدة 1446 هجرية 18 مايو 2025 م
❤️ 👍 2

Comments