
شريف طه
May 12, 2025 at 06:28 AM
- بمناسبة كثرة الأديان في الهند، التي لا تقتصر فقط على عبادة الأبقار ، ولكن تشمل عبادة الفئران والقرود وعبادة فرج المرأة وغيرها من الديانات العجيبة الكثيرة ، هناك شبهة مشهورة يروجها الملاحدة والربوبيون منكرو الأديان ، تقوم على أن هناك (٤٢٠٠) دين كلهم يعتقد أنه على الحق ، كما يعتقد المسلم تماما أنه على الحق .
ويبني على هذا أنك لو أردت أن تعتنق ديانة ، فلا بد أن تقوم بدراسة هذه الديانات كلها ، لتميز بين الحق والباطل .
ولما كان ذلك صعبا ، فالنتيجة هي: عدم اعتناق أي دين ، باعتبارها كلها أديانا باطلة وصناعة بشرية .
- والحقيقة أن هذا الكلام ملئ بالمغالطات ، ومن أهمها :
أولا : ليس هناك ٤٢٠٠ دين ، بل هذه أكذوبة في الحقيقة ، لأن الأديان الموجودة دينان لا ثالث لهما:
- دين يدعو لعبادة الخالق وتوحيده .
- ودين يدعو لعبادة المخلوق ، أيا كان نوع هذا المخلوق، بشرا، أم حجرا، أم شمسا وقمرا، أم غير ذلك .
وعلماؤنا يقولون : الكفر كله ملة واحدة .
فالدين إنما يحكم عليه بأصله الذي قام عليه ، ولا نحتاج لمناقشة فروع الدين إلا بعد تثبيت الأصل .
ثانيا :إذا تقرر الأصل الأول ، فاعلم أن القرآن قد أبطل جميع الديانات والمذاهب الباطلة إلى قيام الساعة، كما قال تعالى ﴿وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ وَلِتَستَبينَ سَبيلُ المُجرِمينَقُل إِنّي نُهيتُ أَن أَعبُدَ الَّذينَ تَدعونَ مِن دونِ اللَّهِ قُل لا أَتَّبِعُ أَهواءَكُم قَد ضَلَلتُ إِذًا وَما أَنا مِنَ المُهتَدينَ﴾ [الأنعام: ٥٥-٥٦]
وإبطال القرآن لها من طريقين :
الأول : إثبات كمال الخالق الموجب لعبادته وتوحيده .
والثاني : بيان نقص المخلوق المبطل لألوهيته وربوبيته.
والقرآن كله في بيان ذلك.
قال تعالى ﴿يا أَيُّهَا النّاسُ اعبُدوا رَبَّكُمُ الَّذي خَلَقَكُم وَالَّذينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقونَ .
الَّذي جَعَلَ لَكُمُ الأَرضَ فِراشًا وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزقًا لَكُم فَلا تَجعَلوا لِلَّهِ أَندادًا وَأَنتُم تَعلَمون﴾ [البقرة: ٢١-٢٣]
وقال تعالى ﴿أَمَّن خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنبَتنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهجَةٍ ما كانَ لَكُم أَن تُنبِتوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَل هُم قَومٌ يَعدِلونَ﴾ [النمل: ٦٠]
الى آخر الآيات، وغيرها كثير ، يبين فيها ربنا سبحانه وتعالى صفات كماله وجلاله وجماله التي توجب توحيده وعبادته .
وقال تعالى عن إبراهيم الخليل وهو ينهى أباه عن الشرك وعبادة الأصنام ﴿إِذ قالَ لِأَبيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعبُدُ ما لا يَسمَعُ وَلا يُبصِرُ وَلا يُغني عَنكَ شَيئًا﴾ [مريم: ٤٢]
وأبطل عبادة الكواكب والنجوم؛ لأنها تأفل وتغيب ، والإله الحق لا يغيب ، بل هو حي قيوم قائم على كل نفس بما كسبت ، مقيم لعباده مستغن عنهم ، مدبر لأمور هم لا تخفى عليه خافية .
وهذا في القران كثير جدا.
والقرآن ملئ بالحجج العقلية التي تبين صحة الإسلام وبطلان ما سواه .
ثالثا : إذا تبين بطلان عبادة المخلوق ، وأن الدين الحق هو عبادة الخالق العظيم ، انحصر البحث في الأديان التوحيدية التي تدعو لعبادة الخالق .
وهي : اليهودية والمسيحية والإسلام .
أما المسيحية الآن ، فلا يخفى على أحد أنها لم تعد ديانة توحيد كما جاء بها المسيح عليه السلام ، بل هم أهل تثليث ، وهم لا ينكرون هذا ، بل يصرحون بعبادة المسيح وربوبيته وإلهيته، فرجعوا إلى عبادة المخلوق .
وأما اليهودية الآن ، فهم لم يعبدوا الله تعالى ، من وجوه كثيرة ، أهمها ثلاثة :
الأول : أنهم عبر التاريخ ظهرت فيهم أو في بعضهم عبادة غير الله تعالى ، فعبدوا العجل الذي زعموا أن هارون عليه السلام هو الذي صنعه لهم، وعبد بعضهم عزير (اسمه في اليهودية عزرا ).
ويروي العهد القديم أن موسى قد عمل لهم حية من نحاس، وأن بني إسرائيل قد عبدوها بعد ذلك.
الثاني : أنهم نسبوا إلى الله تعالى (واسمه عندهم يهوه) في كتبهم صفات النقص التي لا تليق بالله تعالى ، فنسبوا إليه تعالى العجز والتعب والبكاء والندم والجهل ، وأنه مرض حتى عادته الملائكة .
وأن يعقوب صارعه في الأرض وأمسك بحقويه ومنعه من الصعود للسماء.
فيهوه عندهم ليس إلهاً قادرا معصوماً، بل يخطئ ويثور، ويقع في الندم.
وهو إله شرير يأمر بالسرقة، وهو قاس، متعصب، مدمر لشعبه.
وهو إله بني إسرائيل فقط، وهو بهذا عدو للآخرين.
وهذا من أعظم الكفر بالله تعالى .
الثالث : أنهم كفروا بأنبياء الله ورسله، وحاولوا قتلهم ، كما فعلوا مع عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام.
بل ونسبوا في كتبهم إلى أنبياء الله تعالى القبائح والشنائع .
فزعموا أن هارون عليه السلام صنع لهم العجل ليعبدوه.
وأن لوطا عليه السلام شرب الخمر وزنى بابنتيه.
و أن داود عليه السلام زنى بامرأة اوريا، ثم دبر مكيدة لقتله .
وأن إبراهيم عليه السلام قدم سارة لفرعون حتى ينال الخير بسببها .
وأن روابين زنى بزوجة أبيه يعقوب، وأن يعقوب عليه السلام علم بهذا الفعل القبيح فسكت.
وأن سليمان عليه السلام ارتد في آخر عمره، وعبد الأصنام وبنى لها المعابد.
وكل هذا موجود في أسفارهم إلى يومنا هذا ، لا نريد الإطالة بنقله .
ولا شك أن تكذيب الرسل تكذيب لله تعالى وكفر به .
فكيف يقال بأنهم موحدون ؟!
فليس هناك في الحقيقة دين توحيد إلا دين الإسلام العظيم .
رابعا :وأما من يجوز عبادة المخلوق، فهو الملزم بالبحث عن موجبات هذه العبادة ومسوغاتها، ثم بعد ذلك ملزم ببيان استحقاق هذا المخلوق دون غيره.. فالمسلم هو الوحيد الذي يقطع بصحة دينه وبطلان سائر الأديان الأخرى؛ لأنه يقطع ببطلان عبادة غير الله تعالى، فكلمة التوحيد (لا إله إلا الله) يشهد بها المسلم أنه لا يستحق العبادة أحد إلا الله تعالى.
خامسا : مشكلة صاحب الشبهة ، أنه يظن أن غير المسلمين عندهم من اليقين ما عند المسلمين، وهذا خطأ، فغير المسلمين لا يشعرون باليقين المبني على العلم والعقل كما عند المسلمين.. بل هم إما رجل قرر الفصل بين الإيمان والعقل لعلمه بأن دينه لا يمكن فهمه عقلا، أو قرر عدم الالتزام به في حياته لعلمه بأنه لا يصلح مع الحياة، وهذا حال جميع الأديان على وجه الأرض، ولذلك رضخت جميعها للحداثة والعلمانية، لأنها لا تملك مقومات المقاومة، ولكن تركت لها العلمانية القيام بملء الفراغ الروحي شريطة ألا يقحم هذا الدين (الهش المتناقض) في الحياة.
سادسا : لو فرضنا أن هناك ٤٢٠٠ دين فعلا، فليس هذا مبررا للإلحاد وإنكار الأديان ، بل الواجب البحث عن الدين الحق في كل هذه الأديان .
والناس يختلفون في الطب وفي سائر الأمور ، ولم يكن خلافهم مبررا لترك ما ينفع .
والله المستعان .