شريف طه
شريف طه
May 21, 2025 at 11:57 AM
المشروع الإسلامي (١) السردية التي قام عليها ما سمي بالمشروع الإسلامي ، هي اعتبار أن الإسلام انقطع عن الأرض، وأنه لا توجد حكومة إسلامية على وجه الأرض ، وأن واجب الإسلاميين إقامة هذه الحكومة والخلافة الإسلامية. ثم اختلفت هذه الاتجاهات في الطريق لتحقيق هذا المشروع ، فذهب الأستاذ حسن البنا رحمه الله إلى أن الطريق لذلك يبدأ من تأسيس الفرد المسلم ثم الأسرة المسلمة ثم المجتمع المسلم ثم الدولة المسلمة ثم الوصول للخلافة وأستاذية العالم . ثم رأى ضرورة تأسيس النظام الخاص ، كجناح عسكري للجماعة لتحقيق بعض أهدافها، وهو الجناح الذي تسبب في تفجير الصراع بين الجماعة والدولة المصرية ، خاصة بعد اغتيال القاضي الخازندار وحادثة السيارة الجيب ، وهو ما أعقبه حل الإخوان ، وهو ما قوبل باغتيال النقراشي ، والذي قوبل باغتيال البنا [يمكن مراجعة كتاب نقط فوق الحروف لاحمد عادل كمال ، والتنظيم الخاص لمحمود الصباغ ، لمعرفة أكثر عن التنظيم الخاص في عهد الملك وعهد عبد الناصر ، وكلاهما من رجال التنظيم المخلصين] أتى سيد قطب بعد ذلك ؛ ليشخص مشكلة الأستاذ البنا ، في عدم الوضوح[١]، وأنه لم يبين للناس قضية العقيدة جيدا ، ومعنى لا إله إلا الله ، وأنها تعني إفراد الله بالحاكمية . رأى سيد قطب أن هذه العقيدة لم تكن واضحة عند أكثر جمهور الإخوان المسلمين الاوائل ، ولذلك تجمع حول البنا كثيرون ولكنهم لم يكونوا فاهمين لقضية التوحيد. هذا الكلام ينقله أيضا الاستاذ محمد قطب في بعض كتبه ، ويفرح به البعض خاصة من السلفيين ، الذين يظنونه انتصارا لموقفهم الداعي للاهتمام بالعقيدة والتوحيد . ولكن حقيقة الأمر أن سيد قطب كان يريد بوضوح القضية ، أن يعرف الناس أنهم جميعا كفار لأنهم لم يحققوا الحاكمية لله تعالى . يشرح قطب فكرته في مواضع كثيرة من كتابه الظلال ، ومن ذلك عند قوله تعالى (ولتستبين سبيل المجرمين ) فيقول : (ومن هنا يجب أن تبدأ كل حركة إسلامية بتحديد سبيل المؤمنين وسبيل المجرمين . يجب أن تبدأ من تعريف سبيل المؤمنين وتعريف سبيل المجرمين ؛ ووضع العنوان المميز للمؤمنين . والعنوان المميز للمجرمين ، في عالم الواقع لا في عالم النظريات . فيعرف أصحاب الدعوة الإسلامية والحركة الإسلامية من هم المؤمنون ممن حولهم ومن هم المجرمون... وهذا التحديد كان قائما، وهذا الوضوح كان كاملا، يوم كان الإسلام يواجه المشركين في الجزيرة العربية... وحيثما واجه الإسلام الشرك والوثنية والإلحاد والديانات المنحرفة المتخلفة من الديانات ذات الأصل السماوي بعد ما بدلتها وأفسدتها التحريفات البشرية... ولكن المشقة الكبرى التي تواجه حركات الإسلام الحقيقية اليوم ليست في شيء من هذا . . إنها تتمثل في وجود أقوام من الناس من سلالات المسلمين ، في أوطان كانت في يوم من الأيام دارا للاسلام ، يسيطر عليها دين الله ، وتحكم بشريعته . . ثم اذا هذه الارض ، واذا هذه الاقوام ، تهجر الاسلام حقيقة ، وتعلنه اسما . وإذا هي تتنكر لمقومات الإسلام اعتقادا وواقعا . وإن ظنت أنها تدين بالإسلام اعتقادا ! فالإسلام شهادة أن لا إله إلا الله . . وشهادة أن لا إله إلا الله تتمثل في الاعتقاد بأن الله - وحده - هو خالق هذا الكون المتصرف فيه . وأن الله - وحده - هو الذي يتقدم إليه العباد بالشعائر التعبدية ونشاط الحياة كله . وأن الله - وحده - هو الذي يتلقى منه العباد الشرائع ويخضعون لحكمه في شأن حياتهم كله . . وأيما فرد لم يشهد أن لا إله إلا الله - بهذا المدلول - فإنه لم يشهد ولم يدخل في الإسلام بعد، كائنا ما كان اسمه ولقبه ونسبه . وأيما أرض لم تتحقق فيها شهادة أن لا إله إلا الله - بهذا المدلول - - فهي أرض لم تدن بدين الله ، ولم تدخل في الإسلام بعد . . وفي الأرض اليوم أقوام من الناس أسماؤهم أسماء المسلمين ؛ وهم من سلالات المسلمين . وفيها أوطان كانت في يوم من الأيام دارا للإسلام . . ولكن لا الأقوام اليوم تشهد أن لا إله إلا الله - بذلك المدلول - ولا الأوطان اليوم تدين لله بمقتضى هذا المدلول . . وهذا أشق ما تواجهه حركات الإسلام الحقيقية في هذه الأوطان مع هؤلاء الأقوام ! ويعرف أعداء الحركات الإسلامية هذه الثغرة . فيعكفون عليها توسيعا وتمييعا وتلبيسا وتخليطا . حتى يصبح الجهر بكلمة الفصل تهمة يؤخذ عليها بالنواصي والأقدام ! . . تهمة تكفير " المسلمين " ! هذه هي المشقة الكبرى . . وهذه كذلك هي العقبة الأولى التي لا بد أن يجتازها أصحاب الدعوة إلى الله في كل جيل ! يجب أن تبدأ الدعوة إلى الله باستبانة سبيل المؤمنين وسبيل المجرمين . . ويجب ألا تأخذ أصحاب الدعوة إلى الله في كلمة الحق والفصل هوادة ولا مداهنة . وألا تأخذهم فيها خشية ولا خوف ؛ وألا تقعدهم عنها لومة لائم ، ولا صيحة صائح : انظروا ! إنهم يكفرون المسلمين ! إن الإسلام ليس بهذا التميع الذي يظنه المخدوعون ! إن الإسلام بين والكفر بين . . الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله - بذلك المدلول - فمن لم يشهدها على هذا النحو ؛ ومن لم يقمها في الحياة على هذا النحو ، فحكم الله ورسوله فيه أنه من الكافرين الظالمين الفاسقين . . المجرمين . أجل يجب أن يجتاز أصحاب الدعوة إلى الله هذه العقبة ؛ وأن تتم في نفوسهم هذه الاستبانة ؛ كي تنطلق طاقاتهم كلها في سبيل الله لا تصدها شبهة ، ولا يعوقها غبش ، ولا يميعها لبس . فإن طاقاتهم لا تنطلق إلا إذا اعتقدوا في يقين أنهم هم " المسلمون " وأن الذين يقفون في طريقهم ويصدونهم ويصدون الناس عن سبيل الله هم " المجرمون " . . كذلك فإنهم لن يحتملوا متاعب الطريق إلا إذا استيقنوا أنها قضية كفر وإيمان . وأنهم وقومهم على مفرق الطريق ، وأنهم على ملة وقومهم على ملة . وأنهم في دين وقومهم في دين) . فالرجل يصرح بالتكفير ، وهو يعرف حقيقة ما يقول وتبعته، ويطالب الدعاة بأن يصدعوا بهذه الحقيقة دون مبالاة أو خوف من رد الفعل . ونفس هذا المعنى ، يبينه أخوه محمد قطب في مواضع عدة من كتبه . ففي واقعنا المعاصر (ص ٣١٣) يبين خطأ الدعاة في عدم شرح قضية التوحيد، مكررا نفس كلام أخيه : (هل قام علماء الدين بتوعية أمتهم في قضية الإسلام الرئيسية : قضية التوحيد ؟ هل علموهم أن هذا الدين قول وعمل ، وأنه لم يتنزل ليكون مجرد وجدان في القلب أو مجرد شعائر تؤدى ، إنما هو إلى جانب الوجدان والشعائر عمل بمقتضى المنهج الرباني في واقع الأرض ، وأول العمل تحكيم شريعة الله ؟ هل نبهوهم إلى الانحرافات العقدية ، سواء كانت هي التبرك بالاضرحة والمشايخ والأولياء والتوجه إليهم لجلب النفع ودفع الضر ، أو كانت هي تحكيم غير الشريعة أو كانت هي الفكر الإرجائي الذي يخرج العمل من مقتضيات الإيمان[١] ) ثم يسهب في بيان أهمية التربية وبناء الأعمدة التي تؤسس لبناء الإسلام في مواجهة الجاهلية ، فالدعوة في حس الأخوين قطب ، ليست دعوة موجهة للمسلمين ولا وعظا لهم ، وإنما إيجاد لأمة الإسلام في مواجهة الجاهلية . ويننقد محمد قطب على الأستاذ البنا ما انتقده أخوه سيد قطب من تجميعه للناس على حساب العقيدة ووضوح الفكرة ، ويورد الخطاب الشهير للبنا وهو يقول للإخوان : (أحبُّ أن أصارحكم، إنَّ دعوتكم لا زالت مجهولة عند كثير من الناس، ويوم يعرفونها، ويدركون مراميها، وأهدافها، ستلقى منهم خصومة شديدة، وعداوة قاسية، وستجدون أمامكم الكثير من المشقّات، وستعترضكم كثير من العقبات) ليدلل على ذلك ، ثم يطرح سؤالا قائلاً : ( هل كان من واجب الإمام الشهيد أن يصد الناس الذين التفوا حوله بعشرات الألوف حتى يتمكن من تربية العدد اللازم لهم من الدعاة والمربين ، فيتركهم في ضياع وهو قادر على تجميعهم وإثارة وجدانهم الديني على أقل تقدير ؟) ثم يجيب قائلا :(لو علم الناس حقيقة الدعوة وأبعادها وحقيقة الأوضاع المحيطة بها ، وحقيقة المعركة بين الدعوة وأعدائها ، وحقيقة مخططات الصليبية الصهيونية تجاه الإسلام ، وتجاه كل دعوة تحاول إعادة الناس إليه...فهل كانوا يتجمعون بعشرات الألوف في تلك السنوات القصار ؟) [واقعنا المعاصر ص ٣٩٦] ثم يؤكد أيضا خطر إهمال العقيدة في دعوة البنا ، فيقول [واقعنا المعاصر ص ٣٩٨]: (لقد اعتبرت قضية العقيدة بديهية وقضية منتهية ، وكل ما علينا هو إيقاظ الوجدان الديني وتحويله إلى حركة واقعة . وكان هذا مبالغة في إحسان الظن أثبتت الأيام فيما بعد أنه بحاجة لمراجعة ، وأن نقطة البدء هي تصحيح العقيدة ذاتها ، وجلاء مفهومها الحقيقي الذي غاب عن الجماهير ، بل غاب عن كثير من الدعاة أنفسهم) ويرى أن دعوة البنا عالجت الخلل الإرجائي المتعلق بترك العمل ، وذلك (بإيقاظ الوجدان الغافي وتحويله إلى حركة واقعة [٣]) [ص ٤٠٠] ولكنه يرى أن الخلل الأخطر كان في (افراغ لا إله إلا الله من حقيقتها في قضية الحاكمية ) [ص٤٠٠] وبين كيد الصليبية التي نحت الشريعة عن بلاد المسلمين ومع ذلك (يوهم الناس في كل خطوة أنهم ما زالوا مسلمين ) ثم يبين بعد ذلك مفهومه لفهم لا اله الا الله فيقول عن الصدام بين الجماعة وعبد الناصر وتنكيل عبد الناصر بالجماعة، ليتساءل قائلا (لو كان الناس يعلمون حقيقة لا اله إلا الله وارتباطها الوثيق بتحكيم شريعة الله.. أكانوا يقفون هذا الموقف المنكر الغريب ؟! ...لا يمكن ذلك بحال ) [ص ٤٠٢] فانظر إلى هذا التكفير الواضح لعموم المسلمين لأنهم لم ينصروا الإخوان المسلمين حينما اصطدموا بالدولة في عهد الملك وعبد الناصر ؟! فمفهوم العمل عند القطبين ، التحرك ضد الحكام، وإلا فهو الإرجاء ! ولهذا صارت تهمة الإرجاء رائجة عند جماعات التكفير والصدام ، يتهمون بها من يخالفهم في منهجهم في تكفير الحكام والشعوب . وبعد هذه الجرعة الكبيرة من التكفير ، يتصدى للإشكالية التي برزت من كلام أخيه وكلامه ، وهي تكفير عموم المسلمين ، فيعالج المشكلة بأننا لسنا اليوم في طور الحكم على الناس ، ولكن تعليمهم [ص ٤٢١] ويقسم الناس لمسلمين بلا شبهة، وهم الذين يعلمون الحاكمية ، ويسعون لإقامة حكم الله بطريقة من طرق السعي . وكفار بلا شبهة، وهم الذين يعتنقون المذاهب العلمانية . وكتلة كبيرة غير متميزة السمات، لا تتخذ موقفا حاسما ، بحيث لا تعرف هويتهم .[ص٤٢٢] فانظر رحمك الله إلى هذا التكفير لعامة المسلمين ، وهو الذي تشربه أكثر الجماعات المتأثرة بسيد ومحمد قطب . بمثل هذه الأفكار تكون ما يعرف بالمشروع الإسلامي، فهذا المشروع ليس مجرد دعوة تجديدية ولا وعظية ولكنه. إيجاد لأمة الإسلام بعد انقطاعها. وهو في جوهره قائم على فكرة أساسية وهي : كفر الحكام والحكومات لأنها لا تطبق الشريعة . وأن دور الدعوة هو ايجاد هذه الدولة والحكومة التي تطبق الشريعة متمثلة في الخلافة الإسلامية. ولعلي اذكر في المقال القادم بعض أوجه النقد لهذه السردية . والله المستعان. ------------------------------ [١] كان الأستاذ البنا يقول للإخوان : (أحبُّ أن أصارحكم، إنَّ دعوتكم لا زالت مجهولة عند كثير من الناس، ويوم يعرفونها، ويدركون مراميها، وأهدافها، ستلقى منهم خصومة شديدة، وعداوة قاسية، وستجدون أمامكم الكثير من المشقّات، وستعترضكم كثير من العقبات...) الخ كلامه في ذلك . والبعض يرى أن الفكرة التي طرحها قطب كانت بذورها عند البنا ولكن لم يصرح بها إلا لقلة ، والبعض الآخر ينفي ذلك ولكن تصوره حول دور جماعته والذي تصوره كجماعة المسلمين ، حتى إنه خلط بين شمولية الإسلام وشمولية جماعته ، كان ممهدا لذلك على أقل تقدير . فإذا كانت الجماعة تمثل الإسلام فمن البدهي أن يكون من يعاديها في صف أعداء الإسلام . [٢] وطبعا هذه الأخيرة المتعلقة بالإرجاء، هي التي سيفصلها تلميذه ولكن بلسان سلفي وعلمي الدكتور سفر الحوالي، فكتب كتابه (ظاهرة الإرجاء في الفكر الاسلامي ) والذي توسع فيه في تأصيل البدعة المحدثة (تكفير تارك جنس العمل ) ليوفق فيه بين كلام أستاذه قطب وما تقرر عند أهل السنة من عدم التكفير بالكبائر أو ترك الواجبات باستثناء المباني الأربعة التي اختلفوا في تكفير تاركها خلافا سائغا لا يخرج (من يكفر بتركها ومن لا يكفر ) من أهل السنة ، فأتوا بمسألة جنس العمل للتفريق بين ترك آحاد العمل وجنس العمل ، وهو ما قال فيه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: طنطنة لا معنى لها ! ولا اقصد بذلك أن كل من تكلم بجنس العمل فهو تابع لمحمد قطب وسفر الحوالي ، فهناك من غير هذه المدرسة من يقول بهذه المسألة ، ولكن أردت بيان تأثر تلامذة محمد قطب بأفكاره التي ورثها من أخيه ، وهو ما نتج عنه التيار المسمى بالسروري نسبة لمحمد سرور . وهو تيار يجمع بين الأصول السلفية في الاعتقاد وافكار قطب حول تكفير الحكام والتعامل معهم . [٣] هذا يبين مقصد قطب بالعمل وأنه يقصد به الحركة في مواجهة الطواغيت في تصورهم .

Comments