
شريف طه
May 25, 2025 at 08:00 AM
ما الجديد الذي جاء به سيد قطب ؟
الفكرة المحورية هي رفض المنهج الإصلاحي التدريجي ، واعتباره تمييعا للعقيدة والتوحيد .
أراد قطب أن يقول : إن النهج الإصلاحي التدريجي يعني أننا نعترف بهذا الواقع ، ولكن نسعى فقط لإصلاح بعض جزئياته، وهذا عنده مرفوض ؛ لأنه يوهم الناس أن هذا الواقع مقبول إجمالا .
وهو أراد أن يقول : هذا الواقع كفري وجاهلي ولا يمت للاسلام بصلة .
وما لم نبين ذلك للناس ، فلن تتضح معالم العقيدة في نفوسهم ، ولن تنجح الدعوة حينها .
أراد أن يقال للناس صراحة بلا مواربة : إن الحكام كفار لأنهم لم يحكموا الشريعة .
والحكومة كافرة لأنها لم تحكم الشريعة .
والناس كفار لأنهم لم يفهموا العقيدة وكلمة التوحيد التي تعني إفراد الله بالحاكمية .
هذا ما نقمه قطب على حسن البنا ، لقد رآه مقصرا في بيان هذه الحقيقة للناس ، وأنه غلب منهج التجميع على منهج المفاصلة والعزلة والثورة الكاملة على هذه الأوضاع الجاهلية الكافرة .
وهذه هي الفكرة التي تشربتها كل الجماعات القطبية بتشكلاتها المختلفة ، بدءا من جماعة شكري مصطفى (التكفير والهجرة ) والتي كانت تطبيقا حرفيا لكلام قطب .
مرورا بالتوقف والتبين وبدعة تقسيم الناس لمسلمين بلا شبهة وكفار بلا شبهة وطبقة نتوقف فيهم ، وهي التي دندن حولها محمد قطب في واقعنا المعاصر ، وعبد المجيد الشاذلي .
ومرورا بكل الجماعات الجهادية والتي انطلقت من أفكار قطب لتغيير العالم .
وكل هذه الجماعات والتشكلات (التكفيرية والجهادية ) تنطلق من أفكار قطب الثورية التكفيرية ، التي ترى ضرورة وأهمية ومحورية تكفير الحكومة وعدم التصالح معها بحال وركنية المفاصلة معها .
لقد تم استخدام الحاكمية والولاء والبراء ولاحقا التحذير من الإرجاء ، لتوسيع دائرة التكفير .
فتحت بند الحاكمية تم تكفير الحكام والجيوش والحكومات والقضاء والبرلمان والأحزاب وكل من شارك في الانتخابات ولو بالترشيح .
وتحت بند الولاء والبراء تم تكفير من لم يفاصل ويعادي من تم تكفيرهم في البند الأول، وهنا تتسع الدائرة لتشمل الشيوخ الذين يرفضون هذا النهج ولا يكفرون الحكومات ، أو يعملون معها ، أو يثنون على حكامها ، أو حتى يدعون لهم .
سمعت بعضهم يحذر الحجاج من إبطال حجهم بالثناء على السعودية !
إذا فهمتَ ما قدمتُ ستفهم كلامه ! فالشكر يعتبر عندهم موالاة للطواغيت الكفار .
وتحت بند التحذير من الإرجاء تم تكفير أو تضليل (على الأقل ) من ترك العمل ضد الحكومات ، باعتبار العمل ضدهم هو مقتضى الإيمان ، فالإيمان الذي لا يصحبه تحرك ضد الطواغيت لا يمكن أن يكون إيمانا، وهذا ما ردده محمد قطب في واقعنا المعاصر ، وحاول أن بصيغه بشكل علمي بعض تلامذته كالدكتور سفر الحوالي في كلامه عن أن تارك جنس العمل كافر ، مع أن هذه المسألة -رغم كونها محدثة - إلا أنها لا تسعف ولا تساعد على ما أراده قطب . فتارك جنس العمل ينجو من هذا الوصف بقليل من العمل ولو صلى مرة واحدة ، أو توضأ مرة واحدة ، فهذا ليس تاركا لجنس العمل وفق ما قرره أصحاب هذه البدعة .
الغرض المقصود : أن هذا الذي طرحه سيد قطب ، مثل بالفعل دستورا لكل هذه الجماعات ، التي تقوم فكرتها على هدم الدول الإسلامية ، التي يرونها دول ردة ، ولذلك يرونها أخطر من دول الكفر الأصلية ، ويرون قتالها مقدما على قتالهم . وهذا يفسر لك ما تراه من اشتغالهم بالعمل ضد البلاد الإسلامية أكثر من الدول الكافرة .
ومثل هذه الأفكار ، جعلت هذه التيارات الجهادية غنيمة سهلة للمخابرات العالمية، لا سيما مع انتشار الجهل والسطحية والسذاجة عند كثيرين من رؤوسهم ، فتم استخدامهم وفق أجندات أمريكا ، ثم القضاء عليهم عندما ينتهي الدور او يخرجون عن الإطار المرسوم .
وحتى الذين تركوا القتال المباشر ضد الأنظمة ، ودعوا أتباعهم لترك ذلك ، كأبي محمد المقدسي في الأردن (وهو شيخ إياد القنيبي ويعتبره القنيبي من كبار علماء الأمة ، وينصح الشباب بالقراءة له وأبي قتادة الفلسطيني وغيرهما من رموز التكفير والتفجير ) والدكتور فضل في مصر صاحب مبادرة الترشيد ، هؤلاء دعوا لترك القتال من باب عدم القدرة على قتال الحكومات .
ولكن الدكتور فضل هذا ، خرج على الفضائيات أكثر من مرة ، ليكفر أغلب المسلمين ، فيقول : كل من اشترك في الانتخابات فهو كافر ! وكل من انتخب مرسي وشفيق فهو كافر ! و كل رموز الجماعات الجهادية القطبية يقولون بمثل ذلك ، ولكن البعض يصرح بفجاجة ، والبعض يستعمل الدبلوماسية والالفاظ المغلفة .
ولذلك كان الدكتور القنيبي بعد عزل الدكتور مرسي يخرج فيدعوهم للتوبة من المنهج الذي اتبعوه ، ربما لا يفهم كثيرون من متابعي الدكتور ماذا يقصد ؟.. الرجل يقصد توبتهم من المنهج الشركي ، فالانتخابات عندهم كفر وشرك لأنها ديمقراطية . ولكن الدكتور لا يهتم بتكفير الأعيان ، ولكنه يهتم ببيان أن هذه الأفعال كفرية وشركية . ولكنه لا ينكر على الدواعش الذين يكفرون الأعيان إنكارا كبيرا ، بل بل يراهم أهل التوحيد، ويرى أن قتال مرسي لهم من صور الكفر لأنه استعانة بالجيش الكافر في قتال أهل التوحيد (حتى ولو كان يخالفهم في بعض الصور ) فهذا عنده خلاف فرعي ، ولكنه ينصرهم على الطواغيت والحكام ومن يكفرونهم من المسلمين .
هذه هي البدع الخطيرة التي جاء بها قطب ، وتشربتها جميع الجماعات الجهادية والتكفيرية وغيرهم وإن بدرجات متفاوتة .
أما جماعة الإخوان فهي مضطربة في التعامل مع هذه الأفكار ، فتارة تتبنى النهج الإصلاحي ، وتكون متوافقة مع الدولة ، وتارة تتبنى النهج القطبي الثوري .
وهي لا تتحرك من قاعدة عقدية ثابتة في هذه المسألة، كما الحال في جماعات التكفير والجهاد التي تنطلق من مسلمات عقدية لا نقاش فيها.
فمثلا جماعات التكفير والجهاد تكفر حماس ومحمد مرسي واردوغان وبكفرون الآن أحمد الشرع فضلا عن غيرهم .
فالقضية عندهم : حاكم لا يحكم بالشريعة، ويعترف بالنظام العالمي ، إذن هو كافر ومرتد وطاغوت.
أما الإخوان فإذا كان الحاكم موافقا لهم ، أثنوا عليه والتمسوا له الأعذار ، بل وتوسعوا في ذلك ، واستعملوا كل معاني الفقه والوسطية والموازنات والمصالح والمفاسد .
وإذا كان الحاكم معاديا لهم ، تنكروا لكل هذه المعاني ، واستحضروا المعاني القطبية والمفردات القطبية، ولم يروه إلا كافرا معاديا للإسلام ووصموه بكل نقيصة ورذيلة .
إذا عرفت هذا ، فهمت بإذن الله كثيرا من المواقف التي قد لا تفهم دوافعها .
فهمت لماذا كان الشيخ فوزي السعيد ومحمد عبد المقصود وغيرهم من مشايخ القاهرة الغلاة يكفروننا على منصة رابعة ويتهموننا بالنفاق .
بل من قبلها ، أذكر تعليقا للشيخ فوزي السعيد على مبادرة الصلح مع جبهة الإنقاذ ، فقال : ما فعله حزب النور كفر ونفاق اكبر لولا الجهل .
وهذا العذر بالجهل طبعا زال مع سخونة الأحداث ، فالتكفير عندهم يتبع الأحوال النفسية ، وصدق السلف حينما سموا أهل البدع من الخوارج وأمثالهم : أهل الأهواء .
ستفهم أيضا كلمة قالها بعض الدعاة الشباب :(حزب النور عبر للجانب الآخر ) فالجانب الآخر عندهم هم الكفار المنافقون الطواغيت، ودورنا المتخيل إذا كانت المعركة بين الإسلام والكفر أن نقف مع الإسلام ضد الكفر ، وقد اعتقد الكثيرون أن (الإسلاميين ) هم الاسلام ، والحكام وصفهم هم الكفر .
بالمناسبة ، بالفعل كثير من هؤلاء فعلا يختلف مع الإخوان خلافا كثيرا ، ولكن إذا كانت المعركة ضد الحكام ، فيجب الاصطفاف -عند ذلك - مع إخوانك ضد أعداء الإسلام .
هكذا يفكر أغلب أبناء التيار الإسلامي للأسف الشديد، وهذا هو سر المواقف العجيبة والمتناقضة التي نراها ولا يفهمها كثيرون ؛ لأنهم لا يعلمون الافكار المؤسسة .
والله المستعان .