شريف طه
شريف طه
May 30, 2025 at 06:01 AM
#فوائد_من_قصة_آدم_عليه_السلام : ١- أن السؤال عن الحكمة من وجود الشر والفساد سؤال قديم، منذ علمت الملائكة بإيجاد هذا النوع من الخلق، الذي يوجد من بعضه، فساد وإفساد، فإذا كانت الحكمة هي العبادة فالملائكة يعبدون الله تعالى من غير هذه المفسدة، فلماذا قدر الله تعالى الشر والفساد؟ ولماذا لم يجعل الخير فقط في هذا الكون؟ وسؤال الملائكة ذلك، دليل على عظم هذه المسألة، خصوصا إذا علمنا أن هذا السؤال ما زال مطروحا حتى يومنا هذا، بل إن هذا السؤال من أعظم أسباب الإلحاد عند كثير من المفتونين، الذين يتأثرون عاطفيا ونفسيا بما يرونه من فساد وحروب ومجازر وحشية وإبادات، يشق على النفوس تحملها، فيدخل الشيطان من هذه الثغرة موسوسا : أين الله من كل هذا الشر؟ فعلينا أن نعلم أن هذا السؤال قديم حديث. وقد جاء الجواب من وجهين : الأول : رد العلم إلى الله تعالى، والإقرار بجهل العباد، وأن علمهم مع علمه كعدم العلم. ولذلك قال تعالى لهم {إني أعلم ما لا تعلمون} وهذا الأصل مهم جدا عند الجواب على هذا السؤال، وهو أن يعلم الإنسان عجزه وجهله ولا يغتر بما علمه الله تعالى، فيخاصم به ربه. وقصة موسى والخضر تدور حول هذا، وتبين ذلك، فخرق السفينة في ظاهره شر، ولكن لما علمنا أنه لو بقيت السفينة سليمة لغصبها الملك الظالم، علمنا حينها أن خرق السفينة مصلحة، لأنه دُفِع به مفسدةٌ أعظم. ولذلك يستدل العلماء بهذا، على موازنات المصالح والمفاسد، وأنه تحتمل المفسدة الأدنى لدفع المفسدة الأعلى. وكذلك قتل الغلام في ظاهره شر، ولكنه في الحقيقة مصلحة للغلام بموته على الإيمان فيكون من أطفال المؤمنين، ولو كبر لكان كافرا، فإنه طُبِع يوم طبع كافرا، أي : لو كبر وبلغ لكان كافرا، وليس أنه كان كافرا عند صغره. ومصلحة كذلك لأبويه، اللذين - لو كبر وبقي غلامهما - لأرهقمها طغيانا وكفرا. وكذلك بناء جدار بلا مقابل، لقرية بخيلة لم تؤد حق الضيفان، في ظاهره عبث، ووضع للمعروف في غير محله، ولكنه في حقيقة الأمر لم يكن مكافأة لهؤلاء البخلاء، وإنما ثواب لأبوين صالحين - وقد قيل أنهما الجد السابع - فيا سبحان الله! يسوق الله تعالى نبيه موسى والخضر عليهما السلام من مكان بعيد؛ ليحفظا كنز يتيمين، إكراما لأبوين صالحين ماتا من زمن بعيد! وكل هذا لا يعلمه الإنسان، ولا يعرف عنه شيئا، فكيف يعترض على الحكمة بعد ذلك؟! وكيف يخاصم ربه مالك الملك؟! وهل يفعل ذلك إلا جاهل؟! وكثيرا ما يقترن مثل هذا الموطن، الذي هو مظنة الاعتراض على القدر والحكمة، بذكر علمه تعالى وجهل المخلوق، كما في قوله تعالى {وَعَسى أَن تَكرَهوا شَيئًا وَهُوَ خَيرٌ لَكُم وَعَسى أَن تُحِبّوا شَيئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُم وَاللَّهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لا تَعلَمونَ} [البقرة: ٢١٦] وكما في قوله تعالى ﴿إِنَّكَ لا تَهدي مَن أَحبَبتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهدي مَن يَشاءُ وَهُوَ أَعلَمُ بِالمُهتَدينَ﴾ [القصص: ٥٦] وقد نزلت في أبي طالب وأمثاله. وكثيرا ما يقول الواحد : لماذا لم يسلم أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يحوطه وينصره ويحميه؟ وكثير منا يتألم لألم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فتأتي هذه الآية جوابا وشفاء لما في الصدور، وبيان أنه سبحانه وتعالى يعلم من تناسبه الهداية ومن لا تناسبه..فهو سبحانه أعلم بالمهتدين.. فدع عنك الاعتراض.. فليس الأمر لك. الجواب الثاني : بيان بعض حكمة الله تعالى من خلق هذا النوع، الذي يحدث منه فساد، وهو ما يترتب على هذا الفساد، من ظهور ما يحبه الله تعالى من عبادة المؤمنين والشهداء والصديقين والنبيين، الذين يعبدون الله تعالى عبادة ليست كالتي تقع من الملائكة. فالملائكة يعبدون الله تعالى بلا منازعة لا من داخلهم ولا من خارجهم، فنفوسهم مجبولة على فعل الخير، لا تتوجه إلى فعل الشر، بخلاف بني آدم، فقد ركبت فيهم الشهوات والغرائز التي يحتاجون لمجاهدتها، لحمل نفوسهم على الاستقامة. قال تعالى (ونهى النفس عن الهوى) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات). والملائكة في السماء يعبدون الله تعالى بلا منازعة من غيرهم، بخلاف بني آدم، الذين سلط الله تعالى عليهم الكفار والمنافقين وشياطين الإنس والجن، ليمتحنهم، ويستخرج منهم ما يحبه ويرضاه. ليتخذ منهم الشهداء والصديقين والمقربين، الذين فصلهم على الملائكة وعلى سائر الخلق. ليرى منهم الثبات والصبر على دين الله تعالى. ليرى منهم الصبر على الابتلاء. ليرى منهم العفة عن المحرمات، و مجاهدة النفس، ومجاهدة العدو، وغيرها من أنواع العبادات التي لا توجد من الملائكة لأنهم مجبولون على طاعة الله تعالى. ولذلك ومن هذا الوجه، فضلت عبادة بني آدم على عبادة الملائكة. ولذلك كان الصحيح أن صالحي البشر أفضل من الملائكة، ويدل عليه قوله تعالى (أولئك هم خير البرية) أي : الخليقة. ولذلك أيضا، كلما عظم داعي المعصية، كان الثوابُ أعظم، كما في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله. فالشيخ الكبير المطيع محبوب، ولكن الشاب الذي لا صبوة له، ونشأ في طاعة الله في منزلة أخرى. والعدل محبوب من كل أحد، ولكن الحاكم العادل الذي معه أدوات الظلم والنفوذ البغي من خيرة خلق الله تعال...وهكذا. والعكس إذا ضعف داعي المعصية، عظم الذنب، كالشيخ الزاني والفقير المتكبر، والملك الكذاب. والله المستعان. #فوائد_قصص_الأنبياء

Comments