
شريف طه
June 1, 2025 at 01:05 PM
#فوائد_من_قصة_آدم_عليه_السلام
(٢)
قصة آدم عليه السلام تجيب على الأسئلة الفطرية لدى كل واحد منا ، وهي : من أين جئنا ؟ ولماذا جئنا ؟ وإلى أين المصير ؟
هذه الاسئلة التي إذا لم يجد الإنسان جوابا شافيا عنها، عاش في قلق واضطراب وحيرة، كحيرة الشاعر :
جِئتُ لا أَعلَمُ مِن أَين وَلَكِنّي أَتَيتُ
وَلَقَد أَبصَرتُ قُدّامي طَريقاً فَمَشَيتُ. الخ قصيدته المعروفة .
ولا يمكن أن نجد الجواب الشافي إلا في الوحي المنزل على أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه عليهم.
فالعلم التجريبي لا يمكنه أن يجيب عن سؤال : من أين جئنا ؟ ولا الحكمة من وجودنا ، ولا إلى أين المصير ؟ لأنه لم يشاهد ذلك ، ولا يمكنه رصده ولا تجريبه ولا قياسه معمليا .
وكل ما يطرحونه من نظريات ، هي مجرد تخمينات وظنون توافق أهواءهم ، ويفرون بها من إثبات الخالق والالتزام بالدين الذي شرعه، ولا علاقة لها بالعلم .
قال تعالى ﴿وَما يَتَّبِعُ أَكثَرُهُم إِلّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغني مِنَ الحَقِّ شَيئًا إِنَّ اللَّهَ عَليمٌ بِما يَفعَلونَ﴾ [يونس: ٣٦]
وقال تعالى ﴿إِن هِيَ إِلّا أَسماءٌ سَمَّيتُموها أَنتُم وَآباؤُكُم ما أَنزَلَ اللَّهُ بِها مِن سُلطانٍ إِن يَتَّبِعونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهوَى الأَنفُسُ وَلَقَد جاءَهُم مِن رَبِّهِمُ الهُدى﴾ [النجم: ٢٣]
فكل من أعرض عن الوحي ، وقع ولا بد في اتباع الظنون والأهواء، خاصة في هذه القضايا الثلاث الكبرى .
تبين قصة آدم بداية الخلق ، وكيف أن الله تعالى خلق آدم عليه السلام خلقا مباشرا بيديه المباركتين، وأنه خلقه من تراب ، ثم جعل عليه ماء ، فصار طينا طريا يلزق بالأيدي (طين لازب ) .
ثم اسودّ وتغير فكان طينا من حمأ مسنون .
ثم يبس حتى صار صلصالا يابسا كالفخار .
وشكله وصوره ، ثم نفخ فيه من روحه، أي جعل فيه الروح التي هي سر الحياة .
وقوله (من روحه ) : أي روح من الأرواح التي خلقها الله تعالى ، وليس أنها بعض من الله، تعالى اللهُ أن يحل في شيء من مخلوقاته. فمِن لابتداء الغاية ، وليست تبعيضية ، كقوله تعالى ﴿وَسَخَّرَ لَكُم ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الأَرضِ جَميعًا مِنهُ ﴾ [الجاثية: ١٣]
فهي روح من الأرواح المخلوقة، أضافها الله تعالى لنفسه ، تشريفا وتكريما من الله لبني آدم .
ثم يخبرنا الله تعالى ، أنه خلق حواء من آدم ليسكن إليها ، ومنهما وجدت ذرية بني آدم .
ثم يخبرنا الله تعالى أنه خلق الخلق ليعبدوه وحده ولا يشركوا به شيئا ، وأشرف هذه العبادة هي العبادة الاختيارية التي يجاهد فيها العبد نفسه وأولياء الشيطان، وهي الأمانة التي حملها الإنسان ، واستخلفه الله تعالى للقيام بهذه المهمة في الأرض .
ثم بينت قصة آدم إلى أين المصير ، والثواب والعقاب في الدنيا والآخرة لمن اتبع الهدى ، ومن أعرض عنه .
فقال تعالى ﴿قُلنَا اهبِطوا مِنها جَميعًا فَإِمّا يَأتِيَنَّكُم مِنّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنونَوَالَّذينَ كَفَروا وَكَذَّبوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصحابُ النّارِ هُم فيها خالِدونَ﴾ [البقرة: ٣٨-٣٩]
وقال تعالى ﴿قالَ اهبِطا مِنها جَميعًا بَعضُكُم لِبَعضٍ عَدُوٌّ فَإِمّا يَأتِيَنَّكُم مِنّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشقىوَمَن أَعرَضَ عَن ذِكري فَإِنَّ لَهُ مَعيشَةً ضَنكًا وَنَحشُرُهُ يَومَ القِيامَةِ أَعمى﴾ [طه: ١٢٣-١٢٤]
أما الذين أعرضوا عن الوحي ، فقد تخبطوا تخبطا شديدا في هذه المسألة ، وهي نتيجة طبيعية لتكذيب الحق ، فكل من كذب الحق وأعرض عنه كان أمره مضطربا مريجا (بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج) .
وكان من أعظم ما وجدوه مفرا لهم من الإيمان بالله وشرعه ، نظرية التطور ، التي تشبث به الملحدون ، وجعلوها كالدين المنزل المقدس .
وككل بدعة يأتي بها الكفار ، يوجد من أهل الإسلام من يحاول الترويج لها بين المسلمين ، عبر ادعاء أنها لا تعارض الإسلام ، أو التوفيق بين الدين والعلم ، متجاهلين أن هذه النظرية مجرد تخمينات وظنون لا دليل علمي عليها بالمرة.
وأنى لعاقل أن يصدق سيناريو لنشأة الحياة من ملايين ملايين السنين ،وذكر تفاصيل كيفية نشأة الكون والكائنات.
فهذه مجرد ظنون ، لا نسعى للتوفيق بينها وبين الدين ولو لم تكن معارضة للنصوص ، فكيف وهي تعارضه معارضة قطعية ؟!
وهذا البيان الشافي الكافي من القرآن ، يدحض خرافة التطور والتطور الموجه الذي يزعمون فيه أن الله خلق آدم عبر التطور ، من عدة وجوه :
الأول : أنه يثبت بدلالة قاطعة أن الله تعالى خلق آدم خلقا مباشرا ، وليس عبر سلسلة التطور المزعومة .
الثاني : أن التطور يقوم على الطفرات العشوائية، والانتخاب الطبيعي والنشوء والارتقاء ، وكل هذا يعني غياب الحكمة الإلهية في خلق الإنسان. التطوريون يرون الإنسان كائنا عشوائيا ،وجد بالصدفة على هذه الأرض ، لا لغاية ولا حكمة.
الثالث : وفق نظرية التطور ، فإن الإنسان مجرد حيوان أرقى من غيره في سلم التطور ، وهذا ما يعارض استخلاف الله تعالى له ، تسخير الكون له ، تكريمه على سائر الخلق . وكل هذه المعاني لا يؤمن بها التطوريون .
الرابع : يخبرنا الله تعالى أنه خلق آدم معلما موحدا ، والتطوريون يرون أن الإنسان البدائي كان جاهلا لا يعرف دينا ولا يعلم شيئا .
الخامس : يخبرنا الله تعالى أنه خلق الإنسان في أحسن تقويم ظاهرا وباطنا ، وأن آدم كان على أحسن وأتم هيئة ، ثم لم يزل الخلق يتناقص ، والتطوريون يرون عكس ذلك ، ويرون أن الإنسان فيه عيوب في تركيبه ، مما يدل على أنه موجود بشكل عشوائي، هكذا يقولون .
وهم إذا لم يعرفوا الغاية من بعض اعضاء الانسان بادروا للقول بأن هذا عيب في تركيب الإنسان ، وهذا في حد ذاته غلط وخطأ .
السادس : تدل قصة آدم على أن الإنسان الأول كان يعرف الأخلاق ويلتزم بها ، وأن ابن آدم الأول كان يعظ أخاه في ترك الحسد ، والبغي والظلم ، ويحذره من معصية الله ، والتطوريون لا يعرفون مصدرا للأخلاق سوى (البقاء للأصلح ) أو مصلحة القطيع كما يقول بعضهم .
فهذا وغيره يبين أنه لا يمكن الجمع بين نظرية التطور والدين، إلا على طريقة التأويلات الباطنية .
إن غاية ما يمكن في ذلك هو الجمع بين التطور وإثبات خالق بلا حكمة ولا دين ولا شرع. وهذا لون من ألوان الإلحاد وإن سموه بغير اسمه .
والله المستعان .
#فوائد_قصص_الأنبياء