
التثقيف السياسي
May 19, 2025 at 08:09 AM
*حاكم المركزي وحجّة «الاستقلالية» لمعارضة «إصلاح المصارف»*
«إنّ روح القانون، وليس نصّه أو شكله، هي ما يبقي العدالة حيّة» ـــــــ أيرل وارن، رئيس المحكمة الأميركية العليا السابق بعد إرسال مشروع قانون «إصلاح وضع المصارف في لبنان» من الحكومة إلى المجلس النيابي لدراسته وإقراره، انبرى حاكم المصرف المركزي كريم سعيد بالهجوم على المشروع كونه «ينتقص من استقلالية مصرف لبنان ويعرّضها لخرق فاضح»، وذلك بسحب بعض الصلاحيات من المصرف لإسنادها إلى الهيئة المصرفية العليا ولجنة الرقابة على المصارف.
وقد خصّص سعيد القسم الأوّل من مطالعته، لشرح المواد التي تنتقص من استقلالية المصرف، معتمداً على مبدأ «استقلالية المصرف عن السلطة» السياسية. وقد خلط بين «استقلالية السياسة النقدية عن السياسة المالية» واستقلالية مصرف لبنان كمؤسسة، وفي ذلك مغالطة منطقية ربما تقنع العديد من المراقبين من الخارج، لكنها تناقض روح وفلسفة الاستقلالية في القانون.
ومعروف أن قوانين معظم بلدان العالم نظّمت العلاقة بين المصرف المركزي والحكومة، بفصل السياسة المالية للدولة، والتي هي من مسؤولية الحكومة، عن السياسة النقدية للمصرف المركزي، بهدف عدم استغلال الأولى للثانية أو العكس.
والهدف من تلك الاستقلالية هو حماية الاقتصاد الوطني من القرارات السياسية القصيرة المدى، وضمان استقرار النقد والاقتصاد بعيداً عن المصالح الحزبية أو الانتخابية للحكومة مجتمعة، وذلك بمنعها الطلب من المصرف المركزي أن يطبع العملة لتمويل نفقاتها، أو تخفيض الفوائد لأجل تخفيض كلفة إصدار سندات خزينة قصيرة الأجل من أجل تمويل نفقاتٍ لا جدوى لها من قبيل شراء الولاءات أو الزبائنية، ما يؤدي إلى التضخم أو انهيار قيمة العملة الوطنية.
فالحكومة مسؤولة عن السياسة المالية باستخدام أدوات كالضرائب، ترشيد أو تحفيز الإنفاق العام وإدارة الدين للدولة، بهدف رفع النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل وتمويل الخدمات العامّة من صحّة، تعليم، وإنشاء البنى التحتية، بالتزامن مع تحقيق التوازن بين النفقات والواردات.
لكن في الوقت نفسه، فإنّ المصرف المركزي مسؤول عن السياسة النقدية باستخدام أدوات تبدأ بتحديد سعر الفائدة الأساسي overnight rate، إصدار أو طبع العملة، والتدخّل في سوق القطع، بهدف ضبط التضخّم، الذي يكون ناتجاً بالإجمال عن السياسة المالية للحكومة كالاستدانة المفرطة التي تؤدّي إلى فقدان السوق للثقة بالعملة والاقتصاد. وفي هذه الحالة يتدخّل المصرف المركزي ليرفع سعر الفائدة بهدف كبح التضخم وتجفيف السيولة في السوق.
بالنتيجة، فإنّ السياستين المالية للحكومة، والنقدية للمصرف للمركزي، تعملان بالتوازي ضمن إطار علاقة معقّدة نظرياً وعملياً، ولذلك فإن المشترعين في دول العالم شدّدوا على أهمية استقلال القرار عند صنّاع هاتين السياستين، بهدف عدم وقوع إحداهما تحت تأثير الأخرى، للحفاظ على منع دخول النظام المالي والنقدي معاً في حلقةٍ مفرغة تؤدّي إلى ضررٍ بالغ على الاقتصاد الوطني.
لكنّ سعيد باستخدامه مصطلح «استقلالية مصرف لبنان» يحاول تضليل النواب باستخدام حجةٍ خارج السياق (red herring fallacy) للوصول إلى استنتاجٍ غير منطقي وهو أن مشروع القانون يتعارض مع فلسفة النظام المالي/النقدي اللبناني، بهدف عرقلة إقراره وإعادته إلى الحكومة لإبطاء عملها باتجاه حلّ مشكلة الودائع، والذي ينتظر إرسال مشروع قانون «إعادة التوازن المالي» من الحكومة إلى مجلس النواب.
لكنّ هناك أسباباً أخرى ربما تكون وراء تلك المطالعة، منها طائفية (كالتركيز على تهميش دور حاكم المصرف في الهيئة المصرفية العليا، وما يعنيه ذلك من انتقاص حق مكتسب لطائفة الحاكم)، أو أنه لا يريد للهيئة المصرفية العليا أن تمارس دورها على المصارف بشكل فعّال، من حيث صلاحية إخضاعها لعملية إصلاح وصولاً إلى تصفيتها. وربما يعتبر تلك الصلاحية جزءاً من «استقلاليته» البعيدة كل البعد عن المعنى الحقيقي لاستقلالية السياستين المالية والنقدية. فقرار تصفية المصارف لا يتأثّر بتاتاً بالتضخّم أو بقيمة العملة الوطنية، بل بمصالح متشابكة بين أصحاب المصارف والحاكم ومَن وراءه مِن قوى...
🗞️ *الأخبار*
> 📑 لمتابعة المقالات والتحليلات
التثقيف السياسيّ:
🌐 مجموعتنا على الواتس أب
https://chat.whatsapp.com/K0WDN7qm5YI7xQhtStsoeV
ᵗᵉˡᵉᵍʳᵃᵐ
https://t.me/taskifseyasi