نبض الأمة؛؛؛
June 4, 2025 at 07:47 AM
السردية الحزينة... واستيطان الوهم
على مدى سنوات، سادت سرديات مُضلّلة تزعم أن الرئيس عبد الفتاح السيسي "عميل لليهود"، وأن له جذورًا عائلية تربطه بهم (كأخواله مثلًا)، وأنه جاء لتنفيذ أجندة خارجية تهدف إلى تفكيك الدولة المصرية، وإضعاف جيشها، وتهجير أهل غزة تنفيذًا لما سُمّي بـ"صفقة القرن".
ورُوِّج كذلك لفكرة أن الجيش المصري تحوّل إلى "جيش كحك وبسكويت"، في خطاب ساخر يُنكر تطوره الكبير في مجالات التسليح والدفاع. سخر بعضهم من صفقات الطائرات والغواصات ومنظومات الدفاع الجوي، متسائلين: "هنعمل إيه بالرافال؟"، ثم عادوا ليشككوا لاحقًا في كفاءتها ويبالغوا في تمجيد مقاتلات أخرى كالصينية J-10. والعجيب أن مصر نفسها وقّعت بالفعل صفقة لشراء مقاتلات J-10C المزودة بصواريخ PL-15 بعيدة المدى، واستلمت الدفعة الأولى منها مؤخرًا، ما يعكس توجهًا استراتيجيًا لتحديث سلاح الجو، وتعزيز الردع، وتوسيع مصادر التسليح.
إن العقيدة العسكرية المصرية تسير بثبات نحو ترسيخ قوة ردع حقيقية، قائمة على التوازن الاستراتيجي، وتعدد الشراكات الدولية، والرد الصامت على محاولات الابتزاز أو الإملاء.
كما رُوّجت سردية أخرى مفادها أن دول الخليج "اشترت" القرار المصري بأموالها، متجاهلين أن بعض هذه الدول – كقطر، التي تُعد إحدى أدوات التأثير الأمريكي – تحاول تركيع القرار المصري لصالح واشنطن، كما هو الحال في محاولات تمرير صفقات مشبوهة مثل صفقة "رأس الحكمة" مع الإمارات.
أما السردية التي تزعم أن السيسي يبحث عن شرعيته في واشنطن، فهي تتهاوى أمام واقع السياسة الخارجية المصرية، التي تتسم اليوم باستقلالية نسبية، وتوازن دقيق، وتحرّك واعٍ في دوائر متداخلة، جعلت من مصر واحدة من قلة من الدول التي وقفت سدًا حقيقيًا أمام مشروع ترامب لإعادة تشكيل الإقليم بما يخدم فقط المصالح الأمريكية والإسرائيلية.
وفي ملف سد النهضة، زُعِم أن إثيوبيا "أغلقت الحنفية"، بينما الحقيقة أن مصر اتبعت سياسة تطويق ذكية، عززت خلالها وجودها في العمق الإفريقي عبر قواعد عسكرية، ومشاريع تنموية، وشراكات استراتيجية، أعادت لها مكانتها في القارة.
داخليًا، لم تسلم مشروعات البنية التحتية من حملات التشكيك، رغم ما أحدثته من نقلة نوعية في القطاع الزراعي، وتوسيع الرقعة العمرانية، ورفع كفاءة الربط بين أطراف الدولة من خلال شبكة طرق ومحاور عملاقة. كذلك العاصمة الإدارية والمدن الجديدة، التي وُضعت لتستوعب الزيادة السكانية المتوقعة حتى عام 2050، وتخفف الضغط عن المدن القديمة، تم التعامل معها من قِبل البعض كـ"مشاريع استعراضية"، بينما الحقيقة أن لها أبعادًا تنموية وأمنية واستراتيجية.
وفي مجال استصلاح الأراضي، شهدنا توسعًا كبيرًا في مختلف الاتجاهات، أضاف قرابة 3 ملايين فدان إلى الرقعة الزراعية، وهو تحول جوهري في سبيل تحقيق الأمن الغذائي وتقليل الاعتماد على الاستيراد.
أما إعلام التطبيل، فلم يعد مؤثرًا، بينما الإعلام المعارض المتطرف فَقَدَ مصداقيته وتأثيره الشعبي، بفعل خطابه التحريضي وانفصاله عن الواقع، ما أدى إلى عزلة جماهيرية لهذه التيارات، وتراجع حاد في تأثير سردياتها أمام تنامي الوعي الشعبي.
ورغم كل ما سبق، تبقى تحديات الداخل هي الأخطر، والأكثر إلحاحًا:
محاربة الفساد المالي والإداري
التصدي للرشوة والمحسوبية
إرساء قواعد العدالة الاجتماعية
تطوير منظومتي التعليم والصحة
إصدار ميثاق شرف إعلامي يُعيد الثقة للمشهد الإعلامي
تحسين الإدارة الاقتصادية بما يُراعي العدالة والاستدامة
صحيح أن الاقتصاد بات أداة ضغط خارجية – من الغرب ومن بعض دول الخليج – بهدف تكبيل القرار المصري، إلا أن ذلك لا يُعفي الدولة من مسؤوليتها في حسن إدارة الملف الاقتصادي، خاصة في ظل ما نعيشه من تضخم، وارتفاع أسعار، وتراجع قيمة العملة، وهي نتائج تراكمية لعقود من الفساد، والخصخصة غير المنضبطة، والارتهان لقروض صندوق النقد، بما جلبه علينا "شؤم الربا".
والخلاصة
إن إصلاح هذا الوطن مسؤولية جماعية، وكرامة الدولة وسيادتها فرضٌ لا يُساوَم عليه. أما تحسين المعيشة فهو مطلبٌ مشروع، لكنه لا يجب أن يتقدم على صيانة الكرامة الوطنية وحماية القرار المستقل.
✍️ محمد محمود
❤️
👍
5