مجلة البيان
مجلة البيان
May 12, 2025 at 04:14 PM
#قراءة مقدمة في الطريق إلى أصالتنا وتراثنا بقلم/ أحمد متولي محمود السيد في أواسط الثمانينيات صنَّف الدكتور محمود الطناحي كتاب «الموجز في مراجع التراجم والبلدان والمصنفات وتعريفات العلوم»[1]؛ ليكون دليلًا لطلبة الدراسات العليا في جامعة أُم القرى بمكة المكرمة، يستعينون به في دراستهم وأبحاثهم. وكان هذا المُصنّف الأقرب إلى رسالة مفصّلة أكثر من كونه كتابًا يحوي مقدمة جرى بها قلم صاحبها بالاستطراد والاسترسال، فوصل حجمها إلى قرابة ثلث المصنّف. وليس هذا ما يعنينا فيما كتبه الطناحي -رحمه الله- بقدر ما تعنينا أفكار الطناحي نفسه في هذه المقدمة التي لم تحظَ -رغم أهميتها وقيمة ما فيها من أفكار- بأهمية المقدمة التي كتبها شيخه؛ ربما لعدم انتباه أغلب الناس إلى كتابٍ يتحدَّث عن عناوين وطبعات الكتب التراثية في التراجم والبلدان، وغيرها! يبدأ الطناحي مقدمته بتصوير الحالة الثقافية في وقته؛ من حيث التشكيك الممنهج في تراث الأمة -لغةً وتاريخًا وعلومًا وثقافةً- تشكيكًا لم يقتصر فقط على وسائل الإعلام المرئي والمقروء، وإنما وصل إلى قاعات الدرس في الجامعات، وهذا التشكيك تُرْجِم بعد ذلك إلى ظاهرتين يلمّح إليهما الطناحي، ويذكر أثريهما فيما يذكر؛ ألا وهما: 1- وصول هذه الأفكار إلى الكتب والمناهج والمقررات التي يدرسها الطلبة في أقسام اللغة والأدب، وتحوّل بعضها إلى فلسفات غريبة لا يُفهَم منها شيء، ولا تُعبِّر عن فكر ملموس يستدلّ به أو عليه. 2- تلقّي المناهج الغربية والمستوردة في اللسانيات الحديثة وعلم الأصوات والنحو، والفرح بها، وترديد ما ذكره أهل هذه العلوم من أسبقية إبداعها وإنتاجها، في حين أن أصول هذه العلوم، وكثير مما يتباهى به الفرحون بالدعاية لها؛ موجود في تراثنا، معلوم مصدره عند مَن أقام عليه، ودرس في مصادر التراث دراسة واعية متأنية متمهلة لا تتعجل الحكم على الأشياء[2]. ثم ماذا كانت نتائج ذلك؟ كانت النتيجة تعميق سطحية الفكر عند أكثر طلبة الجامعات، وغياب أبسط بديهيات البحث لمعرفة مطالب دراساتهم. ويذكر الطناحي -مثالًا- أن أحد الطالب جاءه مُنكرًا على ابن منظور الذي لم يُورد معنى مصدر (التراث)، في حين أنه كان يجهل معرفة مصدر الكلمة الذي يُفترَض أن يبحث عنه أصلًا![3] أما أهمّ ما ذكره الطناحي في هذه المقدمة -بعد أن عرج على أثر هذه الأفكار ونتاجها في نفسه وفي أهل جيله ورفاقه والطلاب الذين عايشهم، ثم قدَّم لأهمية معرفة الطبيعة العامة للكتب والمراجع ومصادر التراث المختلفة وضرورة الإلمام بمفاتحها وتنوعها- فهو إشارته إلى حقيقتين مهمتين: أولهما: أنه لا يغني كتاب عن كتاب وهي نقد فكرة ذاعت وانتشرت ولا زالت للأسف تجد مَن يُروِّج لها حتى يومنا هذا؛ مفادها أن كتب التراث تتشابه كثيرًا، ولا بأس بأن يكتفي الدارس أو المُطالع بكتاب مِن كل فنّ، ويا حبذا لو كان مِن كتب المتأخرين؛ لأنه يُغني عن غيره، فلا حاجة للباحث أن يُطالع في أكثر من كتاب لنفس الفنّ؛ لأنها تتشابه في النهاية، ولا بأس أن تكون هناك مشاريع لغربلة هذا التراث وتنقيته، وانتقاء ما يصلح منه على أساس هذه الدعوة السابق ذِكْرها. وهي فكرة يجتهد الطناحي في عرضها، والتدليل على عدم صحتها، مبينًا أن أصحاب هذا الزعم يفتقرون إلى معرفة ما يتكلمون عنه، فلا أحد منهم يُقدِّم أساسًا للتفريق أو التمييز، أو يُقدِّم معيارًا لتفضيل ما يبقى أو تنحية ما لا يُحتاج إليه. ثم ينتقل الطناحي إلى نقض فكرة أخرى متمخّضة عن هذه الفكرة الأم؛ ألا وهي أن التراث الصالح للانتفاع والاحتجاج بأصالته وإبداعه يقتصر على الخمسة قرون الأولى؛ لأنها قرون الإبداع والخلق؛ كما يقول أصحاب هذه الدعوى فيُمحِّص دعواهم، ويذكر من أهل القرون؛ الثامن والتاسع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر، أعلامًا من مُصنّفي كتب العلوم والموسوعات العلمية، مثل ابن حجر، والسيوطي، والشهاب الخفاجي، والبغدادي صاحب خزانة الأدب، والمرتضى الزبيدي، والشوكاني، بكل ما لهم من مُؤلَّفات ومُصنَّفات. ويضرب الطناحي مثالًا بأحد القضايا اللغوية التي شاع ذكرها في معاجم المتأخرين (لسان العرب) و(تاج العروس)؛ وكلاهما يُعدّ من أشهر معاجم اللغة، وأغلب الباحثين يستغني بهما عن غيرهما، ودلل على تعاقب ذِكْرهما لخطأ تكرر ذِكْره دون تمحيص مع وجود دليل على عدم صحته. ويذكر الطناحي أيضًا قيمة المختصرات في التراث العربي، وأن بعضها يحوي من الفوائد ما لا يوجد في الأصل المختصر عنه[4]. أما القضية الثانية التي أشار إليها الطناحي فهي أن مجاز كتب التراث كتاب واحد… المقال https://albayan.co.uk/MGZarticle2.aspx?ID=33387 🔴 من مقالات #مجلة_البيان عدد(459) لشهر ذو القعدة 1446هـ

Comments