
مجلة البيان
May 15, 2025 at 05:38 PM
#العقيدة_والشريعة
الرُّؤى الْمَنَامِيَّة بَين التَّشْرِيع وَالتَّبْشِير
بقلم/ محمد فريد فرج فراج
«الرُّؤى الْمَنَامِيَّة» ذات شأن عظيم في الإسلام؛ بَيْد أَنَّ فقهها، وضوابطها الشرعية، ليست مقصد هذا المقال المختصر؛ الذي كُتِبَ بدافع تصحيح ظاهرة مُلَاحَظَة بقوة؛ إذ غدت «الرُّؤى الْمَنَامِيَّة» سببًا للدخول في الإسلام، أو الخروج منه؛ وَفْقًا لزعم بعض ممَّن يُسجِّلون تجاربهم على منصات التواصل؛ حتى سمعتُ إِحدى أخواتنا المهتديات؛ وقد ردَّها الله -سبحانه وتعالى- للإسلام بعد فتنة رِدّتها بأربعين سنة تقريبًا؛ والعجيب أنها ذكرت أن رِدّتها عن الإسلام، وعودتها إليه كانتا بسبب «الرُّؤى الْمَنَامِيَّة» فحسب!
ألا إنَّ كونَ الشيءِ الواحدِ، وهو: «الرُّؤى الْمَنَامِيَّة» سببًا في حدوث الشيء ونقيضه؛ لَهُو أبرز دليل دامغ على بطلان مصداقية هذا الشيء، وعدم مشروعية الاعتماد عليه كدليل على صحة الشيء من بطلانه.
وهذه أهمُّ قاعدةٍ شرعيةٍ يجب بيانُها في شأنِ «الرُّؤى الْمَنَامِيَّة»؛ إنها ليست دليلًا ألبتة على صحة شيء أو بطلانه، وإنها ليست من الأدلة الشرعية المُعتبَرة بإجماع الأمة.
فـ«الرُّؤى الْمَنَامِيَّة» ليست دليلًا محكمًا على شيءٍ، حتى في حقِّ الأنبياء ما لم تكن مقرونة بدليل يؤكدها، وعلى ذلك الكثير من الأدلة، ومنها الحديث عَنْ أُمّ المؤمنين عَائِشَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-؛ قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «رَأَيْتُكِ فِي المَنَامِ، يَجِيءُ بِكِ الْمَلَكُ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ. فَقَالَ لِي: هَذِهِ امْرَأَتُكَ، فَكَشَفْتُ عَنْ وَجْهِكِ الثَّوْبَ فَإِذَا أَنْتِ هِيَ. فَقُلْتُ: إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ»[1].
فهذا نص صريح يؤكد أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لا يعلم حقيقة ما رآه في المنام، هل هو وَحْي من الله -عز وجل- عن طريق الإلهام في المنام، أم مجرد حديث النفس في أثناء النوم.
فإذا كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم لا يستطيع الجزم بمصدر «الرُّؤى الْمَنَامِيَّة»؛ فغيره أولى بعدم القدرة على تحديد مصدرها؛ هل هي من الله -سبحانه وتعالى-، أم من أحاديث النفس في أثناء النوم؛ خاصةً وأن غير النبي صلى الله عليه وسلم يوجد في حقه الاحتمال الثالث، وهو الأسوأ، وهو احتمال تلاعب الشيطان بالإنسان... هذا بخصوص مصداقية الرؤيا.
أمَّا بخصوص مصداقية التأويل؛ فحتَّى وإن وقع الجزم بأن إحدى «الرُّؤى الْمَنَامِيَّة» من عند الله -سبحانه وتعالى-؛ فإنَّ هذا الجزم لا ينطبق على تأويلها الذي قد يصح في بعضها، ويخطئ تأويلَ البعض الآخر؛ وذلك كما في الحديث الذي رواه ابْن عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ فِي المَنَامِ ظُلَّةً تَنْطُفُ السَّمْنَ وَالعَسَلَ، فَأَرَى النَّاسَ يَتَكَفَّفُونَ مِنْهَا، فَالْمُسْتَكْثِرُ وَالمُسْتَقِلُّ، وَإِذَا سَبَبٌ وَاصِلٌ مِنَ الأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ، فَأَرَاكَ أَخَذْتَ بِهِ فَعَلَوْتَ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَعَلاَ بِهِ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَعَلاَ بِهِ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَانْقَطَعَ ثُمَّ وُصِلَ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! بِأَبِي أَنْتَ، وَاللَّهِ لَتَدَعَنِّي فَأَعْبُرَهَا.
فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : «اعْبُرْهَا».
قَالَ: أَمَّا الظُّلَّةُ فَالإِسْلاَمُ.
وَأَمَّا الَّذِي يَنْطُفُ مِنَ العَسَلِ وَالسَّمْنِ فَالقُرْآنُ، حَلاَوَتُهُ تَنْطُفُ، فَالْمُسْتَكْثِرُ مِنَ القُرْآنِ وَالمُسْتَقِلُّ.
وَأَمَّا السَّبَبُ الوَاصِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ فَالحَقُّ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ، تَأْخُذُ بِهِ فَيُعْلِيكَ اللَّهُ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ مِنْ بَعْدِكَ فَيَعْلُو بِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَيَعْلُو بِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُ رَجُلٌ آخَرُ فَيَنْقَطِعُ بِهِ، ثُمَّ يُوَصَّلُ لَهُ فَيَعْلُو بِهِ.
فَأَخْبِرْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ! بِأَبِي أَنْتَ، أَصَبْتُ أَمْ أَخْطَأْتُ؟
قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : «أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا»[2].
فهذا الصِّدِّيق -رضي الله عنه، على جلال قَدْره، وعلوّ شأوه، ورُقي منزلته- أخطأ في تأويل بعض رؤيا حقٍّ من عند الله -سبحانه وتعالى-؛ وإذا وقع الخطأُ في تأويل الرُّؤيا في حقِّ الصدِّيق -رضي الله عنه-؛ فاحتمال الخطأ عند غيره أكثر.
والأعجب من ذلك أن الخطأ في التأويل قد يقع من النبي صلى الله عليه وسلم نفسه. كما في الحديث عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه-؛ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ قَالَ: «رَأَيْتُ فِي المَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهَلِي إِلَى أَنَّهَا اليَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ، فَإِذَا هِيَ المَدِينَةُ يَثْرِبُ»[3].
ومن فوائد هذا الحديث...
المقال https://albayan.co.uk/MGZarticle2.aspx?ID=33372
🔴 من مقالات #مجلة_البيان عدد(459) لشهر ذو القعدة 1446هـ