
مجلة البيان
May 18, 2025 at 04:30 PM
#قضايا_تربوية (أرشيف)
دعائم تربوية من خلال الموعظة القرآنية
بقلم/ د. أحمد بن بازز
الحديث عن التربية حديث مهم تنبع أهميته من أهمية التربية نفسها، وذلك باعتبارها المدخل الصحيح لإيجاد الشخصية المسلمة المتزنة المستقيمة، وتنشئة جيل فاقهٍ لدينه متمسك به، عامل به وداعٍ إليه، ليحقق خيرية الأمة[1].
ويَحسُن بنا في بداية هذا المقال أن نعرِّف بالتربية من جانبيها (اللغوي والاصطلاحي):
التربية في اللغة: يقول الراغب الأصفهاني: الرب في الأصل: التربية، وهو إنشاء الشيء حالاً فحالاً، إلى حد التمام، يقال: ربه ورباه ورببه[2].
أما في الاصطلاح الشرعي فهي: تنشئة الفرد وإعداده على نحو متكامل في جميع الجوانب العقدية والعبادية والأخلاقية، والعقلية والصحية، وتنظيم سلوكه وعواطفه في إطار كلِّي يستند إلى شريعة الإسلام[3].
من هنا يتبين أن التربية - بمفهومها الإسلامي - تُعنَى بتصحيح التصورات، ثم تصحيح التعبدات، ثم تصحيح السلوك الاجتماعي[4]. وهذا ما تجسده موعظة لقمان التي نحن بصدد استخراج الدعائم التربوية منها.
تتضمن الآيات - موضوع الدراسة - منهجاً تربوياً سامياً لمن امتثلها وعمل بمقتضاها كما يريد الآباء ورجال التربية... وهي تغنيهم عن غث النظريات التربوية المستوردة.
جاءت هذه الموعظة تحمل إلينا دعائم تربوية من الأهمية بمكان، يستفيد منها المربي قبل المُربَّى (المتلقي)، ولا يستطيع المهتم بمجال التربية - مهما كان متضلعاً ومتخصصاً في هذا العلم - أن ينكر أهميتها وشموليتها لكل المناحي (الدينية والدنيوية)، في الأخلاق والآداب والمعاملات.
قال - تعالى -: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْـحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ 12 وَإذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ13 وَوَصَّيْنَا الإنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إلَيَّ الْـمَصِيرُ 14 وَإن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إلَيَّ ثُمَّ إلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ 15 يَا بُنَيَّ إنَّهَا إن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ 16 يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْـمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْـمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ 17 وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ 18وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْـحَمِيرِ} [لقمان: 12 - 19].
بين يدي الموعظة:
مما ينبغي أن نشير إليه ها هنا أن هذه الموعظة اتسمت بأمور جعلتْها بليغة ومثمرة:
أولاً: أنها حكيمة وصادرة من حكيم[5].
ثانياً: استعمل لقمان الحكيم أسلوب النداء من باب المجاز لطلب حضور الذهن لوعي الخطاب.
ثالثاً: استعمل التصغير لكلمة الابن (بني) لتنزيل المخاطَب الكبير منزلة الصغير كناية على الشفقة به والتحبب له، وفي مقام الموعظة يدل على تمحض النصح، وفيه حث على امتثال الموعظة.
رابعاً: تكرار أسلوب النداء بين هذه الوصايا التي ضمتها الموعظة لتجديد نشاط السامع لوعي فحوى الخطاب.
ويستفاد مما ذكر أن استقبال الخطاب وفهم مراميه يختلف من شخص لآخر وَفْق استعداداته وإمكاناته العقلية، ولذلك ينبغي مراعاة ذلك حتى يكون لما يُلقيه المربي (أباً كان أو مدرساً) من أقوال أو توجيهات قبول حسن ينتفع به سامعه[6].
إن القرآن قد زكى هذه الموعظة الحكمة فسطرها - سبحانه – في كتابه وصية ذهبية صالحة لكل زمان ومكان، متى امتثلها الإنسان انتفع بها أيما انتفاع، ونحن من منطلق عقيدتنا الإسلامية أَوْلى بها من غيرنا، وأن نستفيد منها كما سطرها الوحي في ثنايا المصحف الشريف، دون أن تحتاج إلى صياغتها في قوالب تشبه تلك النظريات التربوية الفاشلة المستوردة (بأموال طائلة) من غرب عالمنا وشرقه لأسماء بشرية يعتري النقص والقصور أفكارهم.
وقفة مع لقمان الحكيم: من باب الوقوف على قائل هذه الموعظة البليغة لمعرفة أسبابها ونتائجها والعلاقة بين القائل والسامع يَحسُن بنا أن نعرِّف بصاحب النص (الذي حكى القرآن موعظته) على عكس البنيويين الذين يقولون بموت صاحب النص.
فلقمان: اسمه لقمان بن عنقاء بن سدون، وكان أسود البشرة، اختلف أهل العلم في شأنه: هل هو نبي أم حكيم صالح فقط، غير أن ما ذهب إليه الجمهور أنه لم يكن نبياً بل كان حكيماً قذف الله في قلبه الحكمة فنطق بها[7]، وقد قال الله - تعالى -: {وَمَن يُؤْتَ الْـحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [البقرة: 269].
مع الموعظة:
بيَّن أهل العلم أن الأقوال المنسوبة إلى لقمان كثيرة، وقد عدَّ الطاهر بن عاشور[8] في تفسيره حِكَمه المأثورة في سبعين حكمة غير ما ذُكر في سورة لقمان موضوع بحثنا التي جمعت أصول الشريعة، وهي...
المقال https://albayan.co.uk/MGZArticle2.aspx?ID=1544
🔴 من مقالات #مجلة_البيان عدد(293) لشهر محرم 1433 هـ