مجلة البيان
مجلة البيان
May 21, 2025 at 04:15 PM
#قراءة (أرشيف) خصائص الأمة الإسلامية عند المجدد "محمد رشيد رضا" بقلم/ د. محمود سعد الوسطية من خصائص الأمة الإسلامية: يفرض التأسيس السابق لمفهوم الأمة الإسلامية عند الشيخ محمد رشيد رضا أن نلمس الخصائص المميزة لها، وهي التي يُخلَص إليها من خلال ذلك المفهوم وأبعاده في علاقته بعقيدتها وقيمها، ولعلها من التعدد بما يناسب تطور تجربة الأمة التاريخية المؤسَّسة على هذه العقيدة وتلك القيم؛ غير أن هذه الخصائص من الكثرة بمكان؛ بحيث يستطيع القارئ أن يستشف بعضها في ما سطره في مفهوم الأمة؛ فهي - مثلاً - أمة التوحيد الخالص، وأمة العلم، والأمة الحافظة لتراث النبوات (الإسلام)، وأمة الحوار، أو يرى بعضها في ثنايا تفسير المنار؛ فمن خصائص الأمة القبلة، والتعبُّد بها إنما يكون بطاعة الله بها لا بسرٍّ في ذاتها أو مكانها، وأن حكمتها اجتماع الأمة عليها الذي هو من أسباب اتحادهم وجمع كلمتهم[1]. تجدر الإشارة بداية أن هذه الخصيصة التي تميز بها الإسلام منهجاً، قد تميزت بها أمة الإسلام عن أمم الشرائع السابقة التي حُرِّف بعضها إلى الغلو المادي، وحُرِّف بعضها الآخر إلى الغلو الروحاني. فإذا ما عدنا إلى رشيد رضا فإننا سنجده يلتقي مع شيخه محمد عبده في مفهوم الوسطية الإسلامية؛ فهي القائمة على أساس الاستقلال العقلي في فهم حقيقة الدين وجوهره، وكونه وسطاً بين أطراف مذمومة؛ كالتوحيد بين الشرك والتعطيل، واتباع الوحي بين الابتداع والتقليد، والسخاء بين البخل والتقتير، وهي الوسطية المحقِّقة لمعنى الإنسانية بالجمع بين مصالح الروح والجسد[2]. وأما الأمة الإسلامية فقد جمع الله لها في دينها الحقين: حق الروح وحق الجسد؛ فهي روحانية جسمانية، وإن شئت قلت: إنه أعطاها جميع حقوق الإنسانية؛ فإن الإنسان جسم وروح، حيوان ومَلَك، فكأنه قال: جعلناكم أمة وسطاً، تعرفون الحقَّين وتبلغون الكمالَين[3]. وهي عند محمد عمارة (الوسطية الجامعة) التي تمثل بالنسبة للإصلاح الإسلامي طوق النجاة من تمزق وانشطارية وثنائية المتقابلات المتناقضة؛ على النحو الذي حدث في حضارات أخرى، وفي الحضارة الغربية على وجه التحديد. وهي الشمول الذي تبلغه تأثيراتها عندما تُراعى وتوضَع في الممارسة والتطبيق[4]. إلا أن رشيد رضا يضيف بُعداً آخر لمعنى الوسطية فيرى أنها (مبنية على أساس الاستقلال البشري اللائق بسنِّ الرشد وطور ارتقاء العقل؛ ولذلك كانت الأحكام الدنيوية في كتابها قليلة، وفرض فيها الاجتهاد؛ لأن الراشد يفوَّض إليه أمر نفسه؛ فلا يقيد إلا بما يمكن أن يعقله من الأصول القطعية، ومن مقومات أمته الملِّية التي لا تختلف باختلاف الزمان والمكان)[5]. وتتفق نظرة رشيد رضا مع الدريني الذي يرى أن الإسلام احتكم إلى العقل في أعظم قضاياه: من الإيمان بعقائده وقيمه العليا، وحقيقتها؛ فلأن يحتكم إليها في التصرف في مقررات التشريع اجتهاداً، واستنباطاً، وتطبيقاً، بما يحقق مفاهيمها وغاياتها في المجتمع الإنساني من باب أَوْلَى[6]. وفي إطار مفهوم الأمة وخصائصها عند رشيد رضا نلمح مجموعة من المؤثرات التي تعتبر من مقومات الرفعة أو الضعة في تكوين الأمة، وعندما يذكرها رشيد رضا في هذا السياق فإنما يقصد بها رسم طريق الإصلاح ومعالجة أمراض الأمة والمفاهيم المادية التي سيطرت عليها فأضعفتها: 1 - علاقة النفس البشرية بالمنهج: من طبائع الاجتماع - والكلام في الأمم كلام في طبائع الاجتماع[7]- عند رشيد رضا أن النفس البشرية إذا صلحت أصلحت كل شيء تأخذ به وتتولى أمره؛ فالإنسان سيد هذه الأرض، وصلاحها وفسادها منوط بصلاحه وفساده، وليست الثروة ولا وسائلها (من صناعة وزراعة وتجارة) هي المعيار لصلاح البشر، ولا الملك ووسائله (من القوة والسياسة). فإن البشر قد أوجدوا كل وسائل الملك والحضارة من علوم وفنون وأعمال بعد أن لم تكن فهي إذاً نابعة من مَعِين الاستعداد الإنساني، تابعة له دون العكس، ودليل ذلك في العكس كدليله في الطرد، فإننا نحن المسلمين وكثيراً من الشعوب التي ورثت الملك والحضارة عن سلف أوجدهما من العدم: ممن أضاعوهما بعد وجودهما بفساد أنفسهم[8]. 2 - خصائص الأفراد: يرى رشيد رضا أن صلاح الأمم يُرَد إلى صلاح أفرادها في إطار منهج الهداية؛ إلا أنه يعتبر أن صلاح الفرد مقيس بولائه لأمته ومدى ارتباطه بها وإفادته لها؛ لأن خصائص الأمة تنبع من خصائص الأفراد (ولا يكتفي من المؤمن أن يكتسب بالحلال، ويتمتع بالحلال، وينفع نفسه ولا يضر غيره، وأن يصلي ويصوم؛ لأن كل هذا يعمله لنفسه خاصة، بل يجب أن يكون وجوده أوسع وعمله أشمل وأنفع؛ فيساعد على نفع الناس ودرء الضرر عنهم بحفظ الشريعة، وتعزيز الأمة بالمال والأعمال، والدعوة إلى الخير ومقاومة الشر؛ ولو أفضى ذلك إلى بذل روحه. فإن قصَّر في واجب يتعلق بحفظ الملَّة وعزة الأمة من غير عذر شرعي فقد آثر نفسه على مرضاة الله - تعالى - وخرج من زمرة كَمَلة المؤمنين الذين باعوا أنفسهم لله - تعالى - وكان أكبر إجراماً ممن يقصِّر في واجب لا يضر تقصيره فيه إلا بنفسه؛ ذلك أن الحكمة في تربية النفس بالأعمال الحسنة والأخلاق الفاضلة هي أن ترتقي ويتسع وجودها في الدنيا، فيعظُم خيرها وينتفع الناس بها، وتكون في الآخرة أهلاً لجوار الله - تعالى - مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين الذين بذلوا أنفسهم وأموالهم، وجعلوا أكثر أعمالهم خدمة للناس وسعياً في خيرهم؛ فإن الله - سبحانه وتعالى - لم يشتر أنفس المؤمنين من الحظوظ والشهوات الشخصية الخسيسة لأجل نفعه - سبحانه - أو دفع الضر عنه - جل شأنه - فهو غني عن العالمين؛ وإنما شرع هذا ليكون المؤمن - باتساع وجوده وعموم نفعه - سيد الناس، فَلْيَعرض مدَّعو الإيمان أنفسهم على الآية وأمثالها؛ فمن ادَّعى أنه من الذين باعوا أنفسهم لله وآثروا مرضاته على ما سواه، فَلْيَعرِضْه غيره من المنصفين عليها؛ ولا سيما إذا ادَّعى أنه واسع الوجود خادم للأمة والملة. لا جرم أن كثيراً منهم لا يصدق عليهم شيء من ذلك)[9]. ثم يضرب رشيد رضا مثلاً في حاجة الأمة للمال لدفع الفساد والإنفاق في المصالح العامة يقول: (ومن الواجب على أغنياء المسلمين إذا وقع الفساد في الأمة وتوقفت إزالته على المال أن يبذلوه لدفع المفاسد الفاشية والغوائل الغاشية، وحفظ المصالح العامة)... المقال https://www.albayan.co.uk/MGZarticle2.aspx?ID=1421 🔴 من مقالات #مجلة_البيان عدد(291) لشهر ذو القعدة 1432 هـ
👍 😂 2

Comments