
مجلة البيان
May 25, 2025 at 04:10 PM
#العقيدة_والشريعة (أرشيف)
منهج القاضي عياض في الاختيار بين أحداث السيرة النبوية
بقلم/ أسامه تكنامس
الدارس لأحداث السيرة النبوية يجد نصوصاً متعارضة في الظاهر: إما من حيث معارضتُها للعقيدة السليمة، وإما من حيث استحالةُ وقوعها تاريخياً، وإما من حيث انعدامُ وقوعها لتنافيها مع المسلَّمات والأسس الدينية الإسلامية، وقد سخَّر العلماء جهودهم لفك معضلها، وتخريج مشكلها، والقاضي عياض واحد من الأعلام الذين وقفوا على حدود سيرة المصطفى للذود عنها، ودفع الاختلاف عن التطبيق العملي لأخلاق الإسلام، لذلك حاولت في هذا البحث أن أُسهم في وضع ملمح تأصيلي يبين منهجه في الاختيار بين أحداث السيرة النبوية التي ظاهرها التعارض، وينبه على قيمة وأهمية دراسة اختيارات العلماء في السيرة النبوية.
المطلب الأول: تعريف الاختيارات السيرية:
(الاختيارات السيرية) لفظ مركب من صفة وموصوف، ولكل جزء منه دلالة خاصة به إذا أُفرد، والبحث لا يتعلق بدلالة كل منهما على انفراد، وإنما يتعلق بدلالة المصطلح باعتباره لقباً وعَلَماً على هذا المبحث من علوم السيرة النبوية، وهذا يتطلب منا أن نعرف كلاً من لفظي (الاختيارات) و (السيرية) بغية الوصول إلى معنى اللفظ المركب، ومنه إلى مفهوم الاختيار السيري.
أولاً: تعريف الاختيار:
التعريف اللغوي: الاختيارات من حيث اللغة: جمع اختيار، والمعاني التي يؤول إليها مصطلح (الاختيار) هي: العطف والميل، والانتقاء، والتفضيل.
قال ابن فارس: الخاء، والياء، والراء أصله العطف والميل، ثم يحمل عليه. فالخير: خلاف الشر؛ لأن كل واحد يميل إليه ويعطف على صاحبه[1]. وقال ابن منظور: وخار الشيء واختاره: انتقاه واصطفاه[2].
التعـريف الاصطلاحي: يعرَّف الاختيار في الاصطلاح بأنه: ترجيح الشيء، وتخصيصه، وتقديمه على غيره [3]، وقال بعضهم: الاختيار، الإرادة مع ملاحظة ما للطرف الآخر، كأن المختار ينظر إلى الطرفين، ويميل إلى أحدهما[4]. وقال الطاهر بن عاشور: والاختيار تمييز المرغوب من بين ما هـو مخلوط؛ من مرغوب وضده[5].
ثانياً: تعريف السيرة النبوية:
أسندت الاختيارات إلى السيرة النبوية، فوصفت بها، فهي «اختيارات سيرية»، وهو ما يجعلنا نتعرض لتعريفها.
التعريف اللغوي: مصطلح (السيرة) من حيث اللغة له عدة استعمالات: فقد وردت السيرة في اللغة بمعنى (السُّنة)، (الطريقة)، يقال سار بهم سيرة حسنة. ويراد بها (الهيئة)، ومنه قوله تعالى في محكم تنزيله: {قَالَ خُذْهَا وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى} [طه: 21]. وتطلق على (الضرب) من السير[6].
ويلاحظ من معاني السيرة اللغوية أنها تنطبق على سيرة رسول، فهي تمثل الجانب العملي من سنته، كما أن السنة الإسلامية أول من سنها رسول، وهي طريقته ومنهجه في تطبيق تعاليم الإسلام، كما أنها هي وصف لحاله وهيئته ومنهج حياته مع أزواجه وأصحابه وأعدائه والمحايدين.
التعريف الاصطلاحي: أما تعريف السيرة النبوية في الاصطلاح، فقد اختـرت تعريف العـلَّامة محمد الطالب بن الحاج[7] في (الأزهار الطيبة النشر فيما يتعلق ببعض العلوم من المبادئ العشر)، حيث عرَّف السيرة النبوية بقوله: «العلم الباحث عن أيام النبي وأحواله من أول مبعثه إلى أن توفاه الله تعالى»[8]. إذ المراد بلفظ (أيامه) حياة النبي صلى الله عليه وسلم من وقائع وأخبار، ولفظ (أحواله) بيان لأخلاقه وصفـاته وخصائصه ودلائل نبوته وأحوال عصره.
ثالثاً: مفهوم الاختيار السيري:
يمكن أن نعبِّر عن مفهوم الاختيار السيري بأنه: دراسة قضايا السيرة النبوية، التي وقع فيها خلاف بين العلماء، ومحاولة انتقاء أقوى الآراء.
فيُدخل في دراسة الاختيارات أحداث السيرة النبوية، وباقي المسائل المتعلقة بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فكلٌّ من (الشمائل، الخصائص، الدلائل، المغازي) فإنه يندرج ضمن الدراسة والبحث، أما الاقتصار على دراسة الأحداث البارزة المشهورة فقط، فقد يعد خرماً في المنهج العلمي، و إبعاداً لمباحث أصيلة في علم السيرة النبوية.
والتعبير بلفظ (السـيرة النبوية) يُخرِج الاختيـار الفقهي أو العقدي أو التفسيري أو الأصولي، أما لفظ (الخلاف) فيُدخل المسائل التي وقع فيها خلاف، ويُخرج المسائل المتفق عليها بين العلماء؛ إذْ مقتضى الاختيار أن يكون هناك تعدد فيما يُختَار منه، فهو علم خلاف وليس بعلم وِفاق.
المطلب الثاني: مسالك الاختيار عند القاضي عياض:
نَهَجَ القاضي عياض منهجاً علمياً في رفع الاختلاف عن أحداث السيرة النبوية. ويمكن أن ألخص مسالكه في الآتي:
أولاً: الجمع بين الأدلة.
ثانياً: الترجيح بين الأدلة.
ثالثاً: التوقف إذا تعذر الترجيح.
وفيما يلي بيان لهذه المسالك مع التمثيل لها بنموذج أو أكثر، وهي على الترتيب التالي...
المقال https://albayan.co.uk/MGZArticle2.aspx?ID=10121
🔴 من مقالات #مجلة_البيان عدد(398) لشهر شوال 1441 هـ
❤️
1