
مجلة البيان
June 3, 2025 at 04:13 PM
#المسلمون_والعالم
محاولة لدَفْع السودان إلى سيناريو ليبيا!
بقلم/ طلعت رميح
شهد السودان في الأيام الأخيرة تطوُّرات نوعية في المعارك العسكرية، طرحت تساؤلات جدية حول حدوث تغيير في اتجاه مسار الحرب، وحول ما إذا كان هذا التغيير سيحكم الصراع في المرحلة الحالية، ويُحدّد ملامح مستقبل الأوضاع في السودان، أم أن هذا التغيير هو مجرد حالة مؤقتة، سرعان ما سيجري تجاوزها والعودة إلى المسار الذي كان جاريًا قبلها.
كان الجيش السوداني قد حقَّق انتصارات كبرى على ميليشيا الدعم السريع؛ إذ تمكَّن من إنهاء وجود تلك الميليشيات في كل مكونات العاصمة الخرطوم، مُحرِّرًا كل المواقع السيادية، بما فيها القصر الجمهوري، ومطار الخرطوم، والمقارّ الحكومية السيادية، وجهاز المخابرات، وسلاح الإشارة، وغيرها.
وجميعها كانت مُحاصَرة أو محتلَّة مِن قِبَل الدعم السريع. وجاءت تلك الانتصارات استطرادًا وتطويرًا لانتصارات كان الجيش قد حقَّقها بعد تحوُّله من الدفاع إلى الهجوم؛ إذ جرى تحرير مدن وولايات عدة، من أهمها: ولاية الجزيرة وود مدني، وغيرها، كما جرى فكّ الحصار عن مدينة الأبيض، وجرى تحرير مناطق مُهمَّة في كردفان، وفي شمال ولاية دارفور عند مثلث الحدود الليبية التي يُنظَر إليها باعتبارها ممرًّا لوصول السلاح لميليشيات الدعم السريع.
وقد ساد اعتقاد بعد كل تلك الانتصارات بأن الجيش السوداني بات على طريق تحقيق انتصار حاسم في الحرب والقضاء على تلك الميليشيات؛ إذ لم تقتصر نتائج الانتصارات على تحرير ولايات ومدن، والسيطرة على طرق إستراتيجية؛ بل استطاع الجيش تعزيز قواته، وتمكَّن من تحسين أوضاعه العسكرية بعد فك الحصار عن معسكرات ومطارات كانت واقعة تحت حصار أو سيطرة قوات التمرُّد منذ وقوع الانقلاب في أبريل عام 2023م.
وكان للمجموعات الشعبية المسلحة التي عملت ظهيرًا لحركة الجيش دور بارز؛ باعتبارها أخف في حركتها وتسليحها وقتالها، وكذا باعتبارها نمطًا من التضامن والتعاضد المجتمعي مع الجيش في مواجهة ميليشيا الدعم السريع.
وفقًا لتلك الانتصارات المتواصلة واستنادًا إليها؛ اندفع الحكم في السودان نحو تعزيز وتشديد الخطاب الرسمي؛ إذ بات يؤكّد على أن الحرب لن تتوقف إلا بالقضاء على تلك الميليشيا، ويُشدّد على عدم التفاوض معها.
ووصل الحكم حدّ الاتهام المباشر لبعض الأطراف الخارجية بتقديم دعم عسكري ومالي وسياسي لتلك الميليشيا، والدخول في مواجهات سياسية ودبلوماسية وإعلامية علنية معها.
ووسط تلك التطورات والانتصارات التي توالت باطّراد؛ فوجئ المتابعون -ويبدو الحكم في السودان أيضًا-، بحملة واسعة ومستمرة ومتصاعدة من القصف بالطيران المُسيَّر قامت بها ميليشيات الدعم السريع.
بدأت بقصف القصر الجمهوري الذي كان قد تم تحريره من قبل، وتواصلت وباتت أخطر باتجاه العاصمة المؤقتة بورتسودان لتصيب مؤسسات ومراكز مدنية وعسكرية. وتحوَّلت لتصبح حملة تشمل معظم الولايات والمدن التي يسيطر عليها الجيش.
كما شهدت إحدى مدن ولاية شمال كردفان (النهود) هجومًا وسيطرة مِن قِبَل الدعم السريع أيضًا. وهي تطورات عسكرية جاءت عقب تطوُّر سياسي هجومي مِن قِبَل الميليشيا المتمردة أيضًا؛ تمثَّل في الإعلان عن توافق واتفاق تم في العاصمة الكينية نيروبي بين تلك الميليشيا وميليشيات متمردة أخرى، على تشكيل وإعلان حكومة موازية للحكومة القائمة في السودان، يكون مقرها الجغرافيا التي تسيطر عليها ميليشيات الدعم السريع على الأرض السودانية.
وهكذا بدا أن الانتصارات التي حققها الجيش لم تُغيِّر التوازن الكلي في الحرب، وأن ميليشيا الدعم السريع عادت لدورها العسكري -الذي كان قد تراجَع- وبشكل مؤثر، وظهر كأن الجيش السوداني ليس بقادر على تحقيق نصر نهائي عليها.
ما قبل الاعتداءات على بورتسودان
كانت الانتصارات التي حقَّقها الجيش السوداني متتالية، وبدا خلالها أن الجيش والقوات الشعبية -الحركات- التي تُقاتل إلى جانبه، باتوا يمتلكون خطة إستراتيجية ومُقدّرات حقيقية لحسم الحرب، وأن تحقيق النصر النهائي للجيش بات مسألة وقت. وإذا كان الجيش السوداني قد استمر لفترة طويلة في حالة الدفاع؛ فقد جاءت تلك الانتصارات ببريق وتأثير عالٍ، وهي انتصارات أظهرت أن الجيش أعدَّ خططه على نحو دقيق عسكريًّا، وبشكل احترافي، قبل التحوُّل إلى الهجوم.
لقد بدأ الجيش معاركه الهجومية بحركة إستراتيجية تَمكَّن من خلالها من فصل قوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة إلى قسمين؛ أحدهما في مدينة مدني، والثانية في جنوب الخرطوم، وتحوَّل الجيش بعد ذلك إلى تحرير «ود مدني» التي أصبحت قوات الدعم فيها في موضع الحصار والعزلة، وتقدم بعدها ليحاصر قوات التمرُّد في قطاعات جغرافية بات يعزلها عن بعضها البعض -في العاصمة الخرطوم-، ليقضي عليها مجموعة تلو الأخرى.
وقد شهدت تلك المعارك مشاهد مستجدة في الحرب؛ إذ باتت مجموعات واسعة من الميليشيات تهرب في اتجاهات متفرقة دون انسحابات منظمة. وقد تزامنت المعارك في الجزيرة والخرطوم مع بدء تحرك الجيش باتجاه تحرير مدن في ولايات كردفان الثلاث؛ باعتبارها مناطق حاكمة في الجغرافيا السودانية؛ إذ إن السيطرة عليها يفتح الطريق للتوجُّه إلى دارفور لحسم المعركة إستراتيجيًّا هناك.
لقد تحرَّك الجيش باتجاه ولايات كردفان لاستعادة المناطق التي تتمركز فيها الحاضنة الاجتماعية لميليشيا الدعم السريع؛ إذ توجد قبائل المسيرية الداعمة للتمرد بكثافة هناك، وعلى نحو أكبر حتى من وجودها في دارفور. وكذلك لإنهاء التحالف الذي جرى بين ميليشيا الدعم السريع والمجموعات العسكرية لعبدالعزيز الحلو الموجودة في جنوب كردفان، والتي مثَّل وجودها ودورها رديفًا للدور العسكري والسياسي لميليشيا الدعم السريع.
وكان بارزًا أن تحققت نتائج سياسية ومجتمعية بعد انتصارات الجيش، زادت من قوة الدفع لتحقيق انتصار نهائي؛ فقد تحققت حالة حقيقية من الشعور بالأمن المجتمعي نتيجة استعادة ثقة المواطنين في النصر، وهو ما بدا جليًّا في بدء عودة المهاجرين واللاجئين بأعداد كبيرة إلى بلدهم وإلى مناطق سكناهم.
لقد عاد المُهجّرون إلى مدينة «ود مدني» وسط احتفالات شعبية واسعة. كما بدأت عودة المهاجرين السودانيين من مصر بأعداد كبيرة؛ خاصةً بعد استمرار تحقيق الجيش للانتصارات في الخرطوم والجزيرة وأم درمان والأبيض، وقيامه بتوجيه الضربات الجوية على تجمعات الميليشيات في مختلف أنحاء السودان، خاصةً في دارفور؛ حتى سرى شعور بالهزيمة بين أفراد الميليشيات وحاضنتها المجتمعية، وهو ما ظهر جليًّا في الفرار الجماعي خلال المعارك وفي انسلاخ مجموعات وقيادات عن الميليشيا والانضمام لقوات الجيش.
وقد استندت قيادة الدولة السودانية -ممثلة في مجلس السيادة برئاسة الفريق البرهان-، لتلك الانتصارات، فبدأت تحركات متسارعة باتجاه دول الخارج شملت مصر والمملكة العربية السعودية و5 من الدول الإفريقية؛ لتأكيد شرعية الحكم القائم، وإضعاف ما تحقق للميليشيا خلال الفترة السابقة من نفوذ ودور لدى أطراف خارجية.
لقد منحت تلك الانتصارات الحكم والدولة مساحة سياسية واسعة للحركة في الخارج، والتشدد في الموقف من ميليشيا الدعم السريع، وسمحت أيضًا بتركيز الهجوم السياسي للدولة السودانية على الأطراف الخارجية الداعمة للميليشيات، وقد مثَّل بيان الخارجية السودانية بشأن دور كينيا في الحرب مثالًا حيًّا على ذلك؛ إذ اتهمت الخارجية السودانية الرئاسة الكينية باحتضان وتشجيع مؤامرة تأسيس حكومة لميليشيا ترتكب الإبادة الجماعية..
المقال https://albayan.co.uk/MGZarticle2.aspx?ID=33429
🔴 من مقالات #مجلة_البيان عدد(460) لشهر ذو الحجة 1446هـ