الكتاب الشهري
May 14, 2025 at 02:10 AM
*أهمية العُزلة للعالِم:* قال ابن الجوزي رحمه الله: *ما أعرفُ للعالِم قَطُّ لذَّةً ولا عِزًّا ولا شَرَفًا ولا راحةً ولا سلامةً أفضلَ من العُزْلَة؛ فإنه ينال بها سلامة بدنِه ودينِه وجاهِه عند الله ﷻ وعند الخلق؛* لأن الخلق يَهونُ عليهم مَن يُخالِطُهم، ولا يَعظُم عندَهم قَدْرُ المُخالِط لهم؛ ولهذا عَظُمَ قَدْرُ الخُلَفاء؛ لاحتجابِهم. وإذا رأى العوامُّ أحدَ العلماء مُترخِّصًا في أمرٍ مباحٍ هانَ عندَهم، فالواجب عليه صيانةُ علمِه وإقامةُ قَدْرِ العلم عندَهم. فقد قال بعض السلف: *"كنا نمزح ونضحك، فإذا صِرْنا يُقتَدَى بنا، فما أُراهُ يَسَعُنا ذلك".* وقال سفيان الثوري: *"تعلَّموا هذا العلمَ، واكظِموا عليه، ولا تَخلِطوه بهَزْلٍ فتَمُجَّه القلوبُ".* فمُراعاة الناس لا ينبغي أن تُنكَرَ، وقد قال ﷺ لعائشة: *«لولا أنَّ قومَكِ حُدَثاء عهدٍ بكفرٍ، لنَقَضْتُ الكعبةَ، وجَعَلْتُ لها بابَيْنِ...»*... ولا تسمع من جاهلٍ يرى مثل هذه الأشياء رياءً، إنما هي صيانةٌ للعلم. وبيان هذا: أنه *لو خرج العالِم إلى الناس مكشوفَ الرأسِ، أو في يده كِسرةٌ يأكلها: قَلَّ عندهم، وإن كان مباحًا، فيصير بمثابة تخليط الطبيب الآمِر بالحِمْيَة.* فلا ينبغي للعالِم أن يَنبَسِطَ عند العوامِّ؛ حفظًا لهم، ومتى أراد مباحًا: فلْيَسْتَتِرْ به عنهم. *وهذا القَدْرُ الذي لاحَظَه أبو عبيدة حين رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد قَدِم الشام راكبًا على حمارٍ ورِجْلاه من جانبٍ، فقال: "يا أمير المؤمنين! يتلقَّاك عُظَماء الناس!" فما أحسنَ ما لاحَظَ!* إلا أن عمر رضي الله عنه أراد تأديبَ أبي عبيدة بحفظ الأصل، فقال: *"إن اللهَ أَعَزَّكم بالإسلام، فمهما طلبتم العِزَّ في غيرِه، أَذَلَّكم"،* والمعنى: ينبغي أن يكونَ طلبُكم العِزَّ بالدين، لا بصور الأفعال. *وإن كانت الصور تُلاحَظُ؛ فإنَّ الإنسانَ يخلو في بيتِه عريانًا، فإذا خرج إلى الناس لبس ثوبين وعمامةً ورِداءً، ومثل هذا لا يكون تصنُّعًا، ولا يُنسَبُ إلى كِبْرٍ،* وقد كان مالك بن أنسٍ يغتسل ويتطيَّب ويقعد للحديث. صيد الخاطر (ص ٣٠٩ - ٣١٠).
👍 ❤️ 3

Comments