الكتاب الشهري
May 16, 2025 at 12:25 PM
*التوسط والاعتدال في محبة المحبوب:*
قال ابن الجوزي رحمه الله:
*من الأمور التي تخفى على العاقل: أنْ يرى أنَّه متى لم تكن عنده امرأةٌ أو جاريةٌ يهواها هوًى شديدًا، أنه لا يَلْتَذُّ بالدنيا.*
فإذا صوَّر محبوبًا مملوكًا، تخايَلَ لذَّةً عظيمةً،
وإذا كان عندَه مَن لا يميلُ إليه، اعتقدَ نفسَه محرومًا.
وهذا أمرٌ شديد الخفاء، فينبغي أن يُوَضَّحَ:
وهو أن المملوكَ مملولٌ، *ومتى قَدِرَ الإنسانُ على ما يشتهيه، ملَّه ومالَ إلى غيرِه:*
- *تارةً لبيان عيوبِه التي تَكشِفُها المخالطة؛ فإنه قد قال الحكماء: العِشْق يُعمي عن عيوب المحبوب.*
- *وتارةً لمكان القدرة عليه، والنفس لا تزال تتطلَّعُ إلى ما لا تَقدِرُ عليه.*
ثم لو قدَّرنا دوامَ المحبة مع القدرة، فإنها قد تكونُ، ولكن ناقصةً بمقدار القدرة، وإنما يُقوِّيها تجنِّي المحبوبِ -فيكونُ تجنِّيه كالامتناعِ- أو امتناعُه من الموافقة.
*فإذا صفا، فلا بُدَّ من أكدارٍ:*
- منها الحذر عليه،
- ومنها قلة مَيْلِه إلى هذا العاشق، وربما يتكلَّفُ القربَ منه، ويعلمُ الإنسان بقلة مَيْل محبوبِه إليه، فيَنغَصُ، بل يُنَغِّصُ،
- فإن خاف منه خيانةً، احتاج إلى حراسةٍ، فقَوِيَت النُّغَصُ.
*وأصلحُ المقاماتِ التَّوسُّطُ، وهو اختيار ما تميل النفس إليه ولا يرتقي إلى مقام العِشْق؛ فإنَّ العاشقَ في عذابٍ، وإنما يتخايَلُ الفارِغُ من العِشْق التذاذَ العاشق، وليس كذلك؛* فإنه كما قيل:
*وما في الأرضِ أشقى مِن مُحِبٍّ*
*وإن وَجَـدَ الـهوى عـذبَ الـمَذاقِ*
*تـراه باكيًا فـي كـل وقـتٍ*
*مَخافـةَ فُرْقَةٍ أو لاشتياقِ*
*فـيبكي إن نَأَوْا شـوقًا إلـيـهـم*
*ويبكي إن دَنَوْا خوفَ الــفِراقِ*
*فتَسخُنُ عينُه عند التداني*
*وتَسخُنُ عينُه عند الــفِراقِ*
صيد الخاطر (ص ٣١٥).
👍
1