الكتاب الشهري
June 2, 2025 at 03:55 PM
*قوة الشهرة إنما تكون لمن بالغ في إخفاء نفسه:* قال ابن الجوزي رحمه الله: *قوة الشهرة بكثرة إخمال النفس.* وشرْح هذا: أن *مَن قصد إخمالَ نفسه أظهَرَها الله، ومَن قصد إعلاءَها خَفَضَها، وكلما قوي إخمال الإنسان لنفسه زاد اشتهارُه بين الخلق بالخير،* كالعود كلما تكاثفت الثياب عليه اجتمعت ريحُه، فإذا فُتِحَ له بابٌ يسيرٌ جاد الريح، وفي الحديث: *«مَن تواضَعَ لله رَفَعَه الله»*... *وهذا؛ لأن مَن قصد الإخمالَ رضِي بنظر الحق إليه وحده، فتحققت له العبودية؛ إذْ قد جمع هَمَّه في مراضي مولاه فحسب،* ومَن أراد أن يُذكَر بالخير فقد جعل لنفسه حظًّا من التعبد، فهو من جنس الشرك، *والمِسك الأذفر الخالص لا يكون كالمغشوش.* ولهذا المعنى رفع الله الذين بالغوا في إهمال نفوسهم: فهذا ابن المبارك يقول: *"لا يُكتَب كلامي! ومَن أنا حتى يُكتَب كلامي؟!".* *وهذا أحمد بن حنبل يَنهى عن كتابة كلامه، فقَلَّ أن تقع مسألةٌ إلا وله فيها نصٌّ؛ لأنه بدَّد مجموع ذكر نفسه بجمع ذكر ربه،* لئلا يقع في السلك شركٌ، فجمع له الحق ما بدَّد لأجله [...] البركة، *فصار مذهبُه مُدوَّنًا أكثرَ مِن تدوين مَن دوَّن مذهبَ نفسِه.* فاللهَ اللهَ! في فضل الإخلاص؛ فإنه الكبريت الأحمر، وكان أحمد بن حنبل يقول: *"ما رفع اللهُ القومَ إلا بالإخلاص"،* وقال: *"ما رفع الله ابنَ المباركِ إلا بخبيئةٍ كانت له"،* وقد روينا عن ابن المبارك أنه قاتل في صف الكفار، فقَتل خلقًا وهو مُغطى الوجه؛ حتى لا يُعرَف، وكان يبكي ولا يُدرَى به. وقد قلتُ غيرَ مرةٍ: إن *مَن أراد إقبال القلوب إليه بالمحبة؛ فليقصد وجه الله بعمله؛ فإن القلوب بيده، وإيصال المُستنشَق إلى المُستنشِق من جملة صنعتِه، فمَن فاحت منه روائح الإخلاص وجد الناس طيب [...] في مُستنشَقاتِهم، فأَحَبُّوه، وإن كان لا يَلتفِت إليهم؛ شغلًا بمَن اشتغل به.* نسأل الله ﷻ إخلاصًا يُفرِدُنا به، إنه كريمٌ مُجيبٌ. صيد الخاطر (ص ٤٥٥ - ٤٥٦).
👍 ❤️ 🌼 6

Comments