الكتاب الشهري
June 9, 2025 at 01:49 AM
*القلق مِن ذِكر الموت:*
قال ابن الجوزي رحمه الله:
*رأيت نفسي شديدة القلق من ذكر الموت، كثيرة الضجيج، فقلت لها: ويحكِ، لا يَصلُح هذا القلق؛ لوجوهٍ:*
*أولها: أن الضجيج لا ينفعكِ،* ولا بد من أن تُوَطَّني على أن الخالق سبحانه يبني ويهدم، ويعطي ويمنع، ويَهَب ويَسلب، فإن سَلَّمتِ سَلِمتِ، وإن اعترضتِ أثِمتِ، والقَدَر لا يتغيَّر.
وقد قال ﷻ: *﴿مَن كانَ يَظُنُّ أَن لَن يَنصُرَهُ الله فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ فَليَمدُد بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ ليَقطَع فَليَنظُر هَل يُذهِبَنَّ كَيدُهُ ما يَغيظُ﴾* [الحج: ١٥].
وقال عليٌّ للأشعث بن قيس: *"إنْ صبرتَ إيمانًا واحتسابًا، وإلا سَلَوْتَ كما تَسلُو البهائمُ".*
فكأنكِ - يا نفسُ - باستغاثتكِ زِدْتِ الكربَ كربًا، ومَن تفكر في الموت دائمًا مات كل لحظةٍ،
فلَأن يتشاغلَ عن ذكرِه لبقائِه مرةً، خيرٌ له من أن يُجدِّدَ على نفسه كرْبًا كل لحظةٍ، إلا أن يجدَ الإنسان غفلةً فيُداويها بذكر الموت، كما قال ﷺ: *«أكثروا من ذكر هادم اللَّذَّات».*
*والثاني: أن المُتصرِّف مالكٌ، واعتراض المملوك جنونٌ.*
*والثالث: أنه حكيمٌ، وقد تخفى وجوه المصالح، وإن كان ظاهرُها أذًى،*
ونحن نرى الطفل
- يصيح من خروجه من بطن أمه لمفارقة إلْفِه، ثم يرى أن ذلك أصلح،
- ويحزن مِن فقْد الرضاع، ويرى أن ما تعوَّض به أصلح،
*فربما كَرِهْتِ الموتَ وكان أصلحَ، ولا تعلمين.*
*والرابع: أن الشرع المعصوم قد نطق بمآل أرواح المؤمنين،* وأنها في حواصل طيرٍ، تَعلَق من شجر الجنة، *فما وقعت النُّقلة للمؤمن إلا إلى خيرٍ مما كان عليه.*
صيد الخاطر (ص ٥٠٧ - ٥٠٨).
👍
4