الكتاب الشهري
June 11, 2025 at 01:59 AM
*بيان حال كثير من الظلمة:* قال ابن الجوزي رحمه الله: *ما رأيتُ أطرفَ من أفعال الظلمة والمتكبرين من أرباب الدنيا، يَستحِلُّون ما هم فيه، وربما يَستحْلُونه.* *فمنهم: مَن ليس عنده من الآخرة خبَرٌ بحالٍ.* ومنهم: مَن يُصانِع بصدقةٍ في وقتٍ، وإدرار قوتٍ على فقيرٍ، وإخراج ماء السبيل في طريق مكة، وبناء رِباطٍ ومدرسةٍ، ثم *لا يَنزع عمَّا هو فيه من الظلم، ويظن أن ما يفعلُه من خيرٍ يمحو ما يفعله من الشر، وينسى أن التصدق بالغصْب لا يصح، وأنَّ ردَّ حبةٍ من ظلمٍ أفضل من مائة ألف دينارٍ صدقةً.* حتى إن أحدهم يَخرج للحج، فيُنفِق ما ليس له ويُبذِّر، وأصل محبتهم الطريدة والرياء، فإذا رجع من الحج - لا بل في الطريق - *يبالغ في الظلم، ويدخل على من هو أظلم منه فيقول: دعوت لك عند البيت! ويرجع شرًّا ممَّا كان، فإن أفلح وانقطع بعد الحج، فهو مشغولٌ بأكل ما جمع من الحرام، لا يَرُدُّه على أربابه، ولا يُبالي باستحلالهم.* ولقد بلغني عن بعض الظلمة - وكنت قد رأيته حج ثم رجع، فانقطع إلى بيته عن أعمال السلطان - أنه بعث إلى بعض مَن كان ظلمه فقال له: اجعلني في حِلٍّ، فقال: والله لا أفعل؛ لأنك أخذت مني خمسة آلاف دينارٍ، وبلَّغتني بها، وقلعتَ بيتي، ومنها شيءٌ لأطفالٍ ومَن لم يبلغ. قال: فلما لم أفعل، تركني، فخرجت، ووالله لو أعطاني مائة دينارٍ لفضضتُها على أصحاب الأموال، وسألتُهم أن يُحلِّلوه، *ولكنه رأى ذلك صعبًا فأمسك، وكان لهذا الظالم حينئذ من المال والعقار كثيرٌ، يمكنه أن يعطي منها خمسة آلافٍ وأكثر.* [ومنهم من] يبعث إلى بعض من ظَلَمَه فأخذ منه مائة دينارٍ مثلًا، فيعطيه دينارين ويقول: اجعلني في حِلٍّ، فيرى ذلك المظلوم أن ما قد أخذ منه فات، وقد يئس منه، وأنه إن امتنع لم يُعْطِه شيئًا أصلًا، *فيُحِلُّه بطرف لسانِه وقلبُه غيرُ راضٍ، فيَقنَع بذلك!* ... *وهؤلاء يلعبون بأنفسهم، ويظنون أن التوبة قميصٌ!* ومنهم من بنى تربةً [يعني قبرا] كان بابها باب كِبرٍ، ولا ينزع عن الكبر حتى في موته، ويزعم أنه ينتفع بجوار قومٍ صالحين! *فما أبعدَ هؤلاء عن التوبة وقبولِها!* وإنما التائب من اتخذ مثل إبراهيم بن أدهم، وما يُحكَى عن الشبلي أنه قال: *"ظلمت شخصًا بدانقٍ ولا أعرفُه، فقد تصدقت عنه بألوفٍ، وأنا ألقى الله وذاك في قلبي".* *وهكذا ينبغي لمن تاب أن يخرجَ عن المظالم، ويَتبَعَ أهلَها، فيَرُدَّها عليهم أو على وَرَثَتِهم، ويبالغَ في الرد والاعتذار، ويخرجَ من كل مالٍ حرامٍ، ثم ينظرُ من أين يَكتسِبُ ومن أين يأكل*... وقد قال الفقهاء: *إذا تاب من الغصب والمغصوبُ في يده لم تَصِحَّ توبتُه.* *فواعجبًا من هؤلاء الجُهَّال الذين يكسبون الحرام ويُصانِعون ببعضِه، وتوبتُهم أقبحُ من معاصيهم.* صيد الخاطر (ص ٥٣٣ - ٥٣٥).
👍 💐 3

Comments