🌿 التَّغَافُلُ لَيْسَ كُلُّ مَا يُرَى يُقَالُ، وَلَا كُلُّ مَا يُقَالُ يُعَاتَبُ عَلَيْهِ، فَالْحَيَاةُ تَمْضِي أَصْفَى حِينَ نَتَجَاوَزُ، وَتَمْتَلِئُ وُدًّا حِينَ نَغُضُّ الطَّرْفَ. فَمَنْ رَزَقَهُ اللَّهُ عَقْلًا رَاجِحًا، وَقَلْبًا رَحِيمًا، عَلِمَ أَنَّ التَّغَافُلَ لَيْسَ ضَعْفًا، بَلْ رِفْعَةً، وَلَيْسَ غَفْلَةً، بَلْ حِكْمَةً، يُزَيِّنُهَا أَدَبُ النُّفُوسِ الْكِبَارِ. 🔹 والتَّغَافُلُ هو: التَّظَاهُرُ بِالْغَفْلَةِ عَنْ حُقُوقِكَ الشَّخْصِيَّةِ، دُونَ التَّهَاوُنِ بِحُقُوقِ اللَّهِ. وَهُوَ خُلُقٌ مِنْ أَخْلَاقِ النُّبَلَاءِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ﴾ [التَّحْرِيم: ٣] أَيْ: أَبْدَى شَيْئًا مِنَ الْعِتَابِ، وَتَغَافَلَ عَنْ غَيْرِهِ، وَهَذَا مِنْ عَادَةِ الْكِرَامِ فِي التَّعَامُلِ مَعَ مَنْ يُحِبُّونَهُمْ. 🔹 وَعَنْ عَائِشَةَ –رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا– فِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْعٍ الْمَشْهُورِ، قَالَتْ إِحْدَاهُنَّ فِي وَصْفِ زَوْجِهَا: "إِنْ دَخَلَ فَهْدٌ، وَإِنْ خَرَجَ أَسَدٌ، وَلَا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ." رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (5189)، وَمُسْلِمٌ (2448). وَالْفَهْدُ يُضْرَبُ بِهِ الْمَثَلُ فِي سُكُونِهِ وَتَغَافُلِهِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ –رَحِمَهُ اللَّهُ–: "وَصَفَتْهُ بِالْغَفْلَةِ عِنْدَ دُخُولِ الْبَيْتِ عَلَى وَجْهِ الْمَدْحِ لَهُ." 📚 فتحُ الباري (٩/٢٦١) 🔸 وَالتَّغَافُلُ أَدَبٌ وَاجِبٌ، خُصُوصًا مَعَ الزَّوْجَةِ، قَالَ ﷺ: "لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا، رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ." رَوَاهُ مُسْلِمٌ (1469). فَمَنْ رَامَ الْكَمَالَ فَقَدْ رَامَ مَا لَا يُنَالُ، وَمَنْ تَغَافَلَ عَنِ النَّقْصِ، عَاشَ قَرِيرَ الْعَيْنِ. 🔹 قَالَ ابْنُ زَائِدَةَ: "الْعَافِيَةُ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ، تِسْعَةٌ مِنْهَا فِي التَّغَافُلِ." فَحَدَّثَ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، فَقَالَ: "الْعَافِيَةُ كُلُّهَا فِي التَّغَافُلِ!" 📚 أدبُ الدُّنْيَا وَالدِّينِ، لِلْمَاوَرْدِيِّ: ص ١٨٠. 🔹 وَقَالَ ابْنُ الْوَرْدِيِّ –رَحِمَهُ اللَّهُ–: "وَتَغَافَلْ عَنْ أُمُورٍ، إِنَّهُ ... لَمْ يَفُزْ بِالْحَمْدِ إِلَّا مَنْ غَفَلْ." 📚 الكشكول، لِلْبَهَاءِ الْعَامِلِيِّ: ١/٢٣٦. 📌 فَلَا تُرْهِقْ نَفْسَكَ –أَيُّهَا اللَّبِيبُ– بِتَفْتِيشِ الْعَثَرَاتِ، وَلَا تُشْغِلْ قَلْبَكَ بِمُلَاحَقَةِ الزَّلَّاتِ. فَمَا اسْتُجْلِبَتِ الْقُلُوبُ بِمِثْلِ التَّغَافُلِ، وَلَا احْتُمِلَتِ الْعِشْرَةُ بِمِثْلِ التَّرَفُّقِ. ✒️ فَيْصَلُ الْحَاشِدِي